
افتتاحية العدد 70 من جريدة الخط الأمامي ، لسان حال اليسار الثوري في سوريا
مع عودة نظام الطغمة إلى كرسيه في جامعة الأنظمة العربية، تلاشى وهمان. الأول، لدى أوساط النظام ومواليه، بأن عودته هذه قد تحسن أوضاع الناس المعيشية وتوفر قدرًا من الأمان. وهذا لم يحدث، ولن يحدث في قريب عاجل. لأسباب عدة، من بينها أن التحول النوعي في تكوين الطبقة البرجوازية الحالية مختلف إلى حد كبير عما كانت عليه حين اندلاع الثورة في آذار/مارس 2011.
اليوم، تلاشت الطبقة الوسطى، ومعها الشرائح البرجوازية الكبيرة التي كانت تغتني برضاء نظام الطغمة، وبعلاقة ترابط عضوية وثيقة به. إذ هربتْ -خلال السنوات العشر الماضية- غالبيتها خارج البلاد حاملة معها رؤوس أموالها. وقام نظام الطغمة بمركزة ما تبقى منها في يد أقلية عائلية تتحكم بمفاصل البلاد على كل الصعد، ولا سيما السلطة السياسية والاقتصادية، إضافةً إلى أغنياء جدد من أمراء الحرب واللصوص والأفاقين، تربطهم بقمة هرم السلطة علاقة تبعية شبه إقطاعية؛ علاقة السيد والعبد.
كما تلاشى، في الوقت نفسه مع تعويم النظام، وهم ثانٍ كان شائعًا عند مكونات المعارضة الليبرالية والمحافظة المرتهنة التي تصدرت المشهد السياسي المعارض بقوة دعم هذا النظام أو ذاك، إقليميا ودوليًا، بأن تحل مكان النظام بفضل تدخل الدول والأنظمة التي ترعاها.
هذه المعارضة المرتهنة والأصح المعارضات، أثبتت خلال أكثر من عقد من الزمان أنها مسبب رئيسي في هزيمة الثورة وفي الكارثة التي يعيشها الشعب السوري اليوم. ما جعلنا نَصِفها بأنها أكبر منظم للهزائم. والأسوأ من ذلك، أن هذه المعارضة كانت من الخسة والدناءة لدرجة أنها لم تتفوق على نظام الطغمة الذي ثار الشعب ضده ولا على أي صعيد، لا الأخلاقي ولا السياسي.
كانا وجهان لعملة واحدة؛ فساد وتبعية وانتهازية مقززة، واستهتار كامل بمصالح الشعب السوري.
إذن، مع تحولات النظام الإقليمي العربي الجديد الذي تقوده، بلا منازع، السعودية ومن خلفها دول مجلس التعاون الخليجي، التي سمحت باستعادة نظام الطغمة الحاكم في دمشق جامعتها. يوازيه التقارب الجاري بين نظام أردوغان، الذي فاز مؤخرًا بانتخابات الرئاسة، والنظام السوري، يتراءى لهذه المعارضة البائسة والمهترئة التي تعرضت للإهمال حتى من الدول التي كانت تتبع لها، على الأقل منذ عام 2019، أن لديها فرصة لتعويم نفسها مجددًا في سوق النخاسة للدول الإقليمية والدولية، لعل أحدًا ما يرضى بها، هي التي انتقلت من التبعية لهذه الدولة أو تلك، ومن هذا المشروع السياسي إلى مشروع آخر نقيض له، لدرجة أنها صارت أقرب إلى فضلات وإمعات رثة للانتهازية لا قيمة سياسية فعلية لها، ولا وجود فعلي حقيقي لها، على الإطلاق، لدى السوريات والسوريين.
من السهل أن نتوقع، أن سوق النخاسة، أو بازار، محاولات هذه المعارضة التابعة والرثة لتعويم نفسها مجددًا سوف تزدهر هذه الأيام وفي القادم منها. وبدأنا نجد تباشيره سريعًا. فهنالك مؤتمر يزمع عقده في بداية هذا الشهر في جنيف لإعادة الروح إلى هيئة التفاوض الميتة، ومثلها للجنة الدستورية، وهنالك مؤتمر في باريس، خلال الشهر نفسه، لإعلان إقامة “منصة مدنية” في خدمة رجل الأعمال السوري أيمن الأصفري، وأيضًا، سيشهد شهر حزيران/يونيو الجاري اجتماعًا لما يسمى باللقاء الديمقراطي السوري في برلين. وسيكون هنالك، بالتأكيد، المزيد من المؤتمرات “الديمقراطية” و“التوحيدية” في الفترة القادمة.
تكفي نظرة سريعة على الشخصيات (وأحيانًا التجمعات) الفاعلة في هذه المؤتمرات وغيرها من القادم، على أن المبادرين لها مباشرة هم أشخاص من المعارضات المرتهنة المستهلكين سياسيًا والباحثين دومًا عن حصة في كل مولد، والمعروف عنهم نواسهم وتبدل ولاءاتهم، ما يخدم تعويمهم ومصالحهم الخاصة، واعتادوا القفز من حالة سياسية إلى أخرى لتصدر هذه المشاريع وفق هوى هذه الدولة أو تلك. متناسين أنهم مسؤولون عن الخراب الذي جرى، لكن لا حياء لمن تنادي.
لذا، لا يجب أن ننتظر خيرًا من مؤتمرات كهذه ومن معارضة كهذه أمعنت في انتهازيتها، ولا من سياسات تدوير فضلات معارضة مرتهنة وفاسدة وفاشلة، لا تملك أي تمثيل حقيقي ولا تحمل مطالب تغيير جذرية.
إننا نعتقد أنه للخروج من هذا المستقنع الآسن في الوضع السوري الراهن، ثمة عاملين أساسيين قد يبدلان موازين القوى لصالح انتزاع تغيير سياسي ديمقراطي واجتماعي لصالح الشعب السوري،
أولهما، نهوض جماهيري للسوريين داخل مناطق النظام، وعلى الأرض السورية كلها، يطالب بالحرية والعيش الكريم، وإن كانت شروطه الذاتية غير متوفرة الآن، لكن وكما عملتنا تجارب التاريخ فإنه يصعب دومًا التكهن بتوقيته، يأتي مفاجئًا في كل الأحوال. وهو أساس بوصلتنا ولا يغيب عن أعيننا ونشاطنا كحزب.
العامل الثاني، هو الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، التي تشكل ساحة ارتكاز فعلية للنضال الديمقراطي السوري، وهي التي يجب دعمها بوصفها قاطرة لنضال السوريين من أجل السلام والاستقلال وإقامة نظام ديمقراطي لامركزي وسياسات توزيع عادل للثروات والعدالة الاجتماعية، وبوصفها مشروعًا وطنيًا لعموم السوريين.
خارج العفن السياسي الشائع للمعارضات الليبرالية والمرتهنة، فإن نضال الجماهير السورية، رغم أنه شاق وطويل وصعب، ولكنه لن يتوقف عند هذه المحطة أو تلك، مستفيدًا من تجارب سنوات طويلة من الكفاح، ومركزًا على ضرورة بناء القيادة السياسية الثورية الجماهيرية، سينتصر ولا بد. في هذه الصيرورة ومن أجل سلطة العمال والكادحين يندرج نضال حزبنا: تيار اليسار الثوري في سوريا.
تيار اليسار الثوري في سوريا
حزيران/يونيو 2023