
اليسار الثوري: الغاية من "أضنة" المعدل هو ضرب الإدارة الذاتية
تصاعدت وتيرة هجمات الاحتلال التركي على شمال شرق سوريا عقب انتهاء إجت
ماع سوتشي بين روسيا وتركيا، وسط الحديث عن مساعٍ روسية لإبرام اتفاق “أضنة” معدل بين أنقرة ودمشق، فيما يُعتبر هذا التصعيد، استراتيجية “حرب بين الحروب”، فالغاية من “أضنة” المعدل هو ضرب الإدارة الذاتية ودفعها لتقديم التنازلات لحكومة دمشق.
عقب انتهاء إجتماع سوتشي الذي عقد بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره في دولة الإحتلال التركي رجب طيب أردوغان، في 5 آب الجاري، كثف الإحتلال التركي هجماته على شمال وشرق سوريا، عبر الطيران المسيّر والقصف الصاروخي والمدفعي ما تسبب باستشهاد وجرح العشرات من المواطنين بينهم مقاتلي وقادة قوات سوريا الديمقراطية.
وكانت دولة الإحتلال التركي قد أطلقت تهديدات بشن هجمات أوسع نطاقاً مطلع حزيران الفائت، تستهدف شمال وشرق سوريا.
مجريات الأحداث التي تشهدها شمال وشرق سوريا عقب الاجتماعين، تؤكد وجود اتفاقات واستراتيجيات جديدة تسمح لتركيا بتوسيع ضرباتها بالطائرات المسيّرة ضد المنطقة.
وقد صرّح المنسق العام لتيار اليسار الثوري في سوريا، الدكتور غياث نعيسة “في الظرف الدولي الراهن المحتدم بالصراع بين روسيا وحلفائها من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها من جهة، يسعى كلاهما إلى كسب ود تركيا كدولة إقليمية كبيرة لها مكانتها البارزة في حلف الناتو وأيضاً لكونها فاعل إقليمي ناشط من جهة أخرى. وهو ما يتطلب من كلا الطرفين المتصارعين تقديم بعض التنازلات لتركيا”.
وأضاف: “لكن روسيا والولايات المتحدة لا ترغبان أن تقوم تركيا بعملية عسكرية أرضية واسعة في سوريا، والسبب في ذلك، هو أن مثل هكذا عدوان تركي واسع قد يربك استراتيجية إدارة الصراع بين روسيا وأميركا، لا سيما أن كلاهما موجودتان عسكرياً على الأرض السورية”.
حرب بين الحروب
وبيّن غياث نعيسة، “من هنا أتت قمة سوتشي الأخيرة الروسية – التركية، لتثبت توافقاً يقوم على منع عملية واسعة لكن مع ضوء أخضر لتوسيع الحرب بين الحروب أي حرب المسيّرات التركية والقصف المتواصل هنا وهناك. هذه الموافقة الروسية، هي أيضاً ضوء أخضر أميركي، وموافقة منها على السماح بهذه الحرب بين الحروب التركية، والدليل على ذلك أن القوات الأميركية أسقطت عدداً من المسيّرات التي أطلقت على فصيل تابع لها ما يعرف باسم مغاوير الثورة في منطقة التنف. في حين أن قواتها الموجودة في شمال شرق سوريا تسمح للمسيّرات التركية أن تسرح وتمرح وتقتل كما تشاء دون اعتراضها”.
ونوّه نعيسة ” إلى أن هذا الوضع يعتبر خطراً، يتطلب مواجهته، على مبدأ إن لم تحمونا لن نحميكم، “اذهب أنت وربك فقاتلا”، والأهم أن تتوفر لدينا الأسلحة الملائمة لمواجهة هكذا أنواع من الأسلحة. أيضاً، تتطلب مناورات سياسية تجعل بعض الفاعلين المحليين والدوليين يدركون أن لهم مصلحة في مواجهة هذا العدوان التركي المستمر على الشعب والأراضي السورية. توضح الحالة الحالية أن القوة العسكرية الوحيدة التي تدافع عن الأرض السورية وحدودها هي قوات سوريا الديمقراطية، بينما يغمض النظام عينيه عن الاعتداءات التركية والإسرائيلية”. وتساءل “مَن يمثل إذن المدافع الحقيقي على الأرض السورية وسيادتها وسيادة شعبها؟ إنها أولاً قوات سوريا الديمقراطية”.
اتفاقات اقتصادية وسياسية
وكان قد ركز الاجتماع الذي عقد في مدينة سوتشي الروسية في 5 آب الجاري بين الرئيس الروسي ونظيره التركي، على الملف السوري وتهديدات تركيا بشن هجوم واسع على شمال وشرق سوريا، بالإضافة إلى ملف أوكرانيا وسبل تقوية العلاقات الإقتصادية.
وبحسب البيان، فقد اتفق الجانبان على “زيادة حجم التجارة بين البلدين على أساس التوازن وتحقيق الأهداف المحددة، والسعي للاستجابة إلى توقعات الطرف الآخر في مجال الاقتصاد والطاقة، واتخاذ خطوات محددة بهدف تكثيف التعاون بشأن القضايا التي كانت على جدول أعمال البلدين منذ فترة طويلة في القطاعات المختلفة مثل النقل والتجارة والصناعة والزراعة والقطاع المالي والسياحة والبناء”. وذلك على الصعيد الاقتصادي.
وتحتاج كلتا الدولتين إلى مساعدة بعضهما في الملف الاقتصادي، حيث تعتبر تركيا المنفذ الوحيد لروسيا وسط عقوبات غربية واسعة فرضت على الأخيرة إثر تحركها العسكري في أوكرانيا، كما أن تركيا بحاجة لاستثمارات روسية في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها.
أما فيما يخص الملف الأوكراني، فتسعى تركيا إلى البقاء على الحياد تجاه موسكو بشأن قضية أوكرانيا، مع أنها عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، فالتحرك العسكري الروسي في أوكرانيا أعاد الصورة التي تريدها تركيا لنفسها على أنها طرف جيوسياسي فاعل.
ففي 22 تموز الماضي، وقعت موسكو وكييف اتفاقاً مدعوماً من الأمم المتحدة في إسطنبول يتيح لأوكرانيا إعادة فتح موانئها على البحر الأسود من أجل تصدير الحبوب.
ومن المقرر أن يستمر الاتفاق، لمدة 120 يوماً، مع إنشاء مركز للتنسيق والمراقبة في إسطنبول، يعمل به مسؤولون من الأمم المتحدة وأتراك وروس وأوكرانيون. ويمكن تجديد الاتفاق بموافقة الطرفين.
وتريد تركيا الآن محاولة فتح باب مفاوضات في إسطنبول إذا كان ذلك ممكناً، لهدنة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إذ قال وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو بعد اجتماع مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في آسيا “ناقشنا (لنرى) ما إذا كان اتفاق الحبوب يمكن أن يكون فرصة لوقف دائم لإطلاق النار”.
“أضنة” ومساومات روسية – تركية
فيما يخص الملف السوري، فقد طغى حديث في الوسط السياسي عن مساعٍ روسية إلى إحياء وتوسيع اتفاقية “أضنة” التي أبرمت بين حكومة دمشق والاحتلال التركي عام 1998، بهدف ضرب الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، ودفعها للاستسلام لحكومة دمشق.
وكشف رئيس دولة الاحتلال، رجب طيب أردوغان، أن نظيره، فلاديمير بوتين، عرض عليه خلال محادثات سوتشي “حل” الأزمة، بالتعاون مع حكومة دمشق.
وقال أردوغان، في تصريحات لمجموعة صحفيين رافقوه، خلال عودته من سوتشي، إن بوتين أخبره بأن حل الأزمة السورية سيكون أفضل بالتعاون مع حكومة دمشق، وأنه رد بأن جهاز المخابرات التركية يتعامل بالفعل مع هذه القضايا مع المخابرات السورية “لكن بيت القصيد هو الحصول على نتائج”.
وأفادت صحيفة الشرق الأوسط، أن أحد نقاط محادثات سوتشي ركزت على إقامة سلسلة من الاجتماعات الأمنية رفيعة المستوى التي تجمع مسؤولين من حكومة دمشق ونظراءهم من الاحتلال التركي في موسكو، وهو ما حصل خلال الأيام الماضية، بالإضافة إلى السماح لتركيا بعملية عسكرية محدودة في منطقة تل رفعت، ووضع اتفاقية “أضنة” على طاولة التفاوض، والعمل على توقيع اتفاقية “أضنة 2″، ما يضمن تعاوناً سياسياً مستقبلياً.
وفي 20 تشرين الأول عام 1998، وقّعت اتفاقية بإملاءات تركية بين أنقرة ودمشق سميت بـ “اتفاقية أضنة”، عقب حشد دولة الاحتلال التركي لقواتها على طول الشريط الحدودي بينها وبين سوريا، وتهديد الأخيرة بشن عدوان عليها.
وتضمّنت البنود الرئيسة لاتفاقية “أضنة” إخراج القائد أوجلان من سوريا في خطوة من شأنها ضرب الكرد وحركة حرية كردستان، وأيضاً السماح لتركيا بدخول الأراضي السورية إلى عمق 5 كم للقضاء على أي نشاط كردي، في خطوة استغلتها تركيا لاحتلال الأراضي السورية وبدا هذا الأمر ظاهراً بقوة بعد اندلاع الأزمة السورية.
وعلق الدكتور غياث نعيسة على ذلك قائلاً: “محاولات إحياء اتفاق أضنة وتوسيعه، وأيضاً الإغراءات الاقتصادية من روسيا لتركيا التي تعاني من أزمة اقتصادية مزمنة، كما دعوة بوتين لأردوغان من أجل حوار مع النظام السوري. كل هذه التفاصيل تصب في إطار تنظيم الخلافات بين الطرفين في سوريا وتعزيز تعاونهما على الصعيد الدولي، لا سيما أن الحرب في أوكرانيا أعطت لتركيا دوراً لافتاً، كوسيط ضروري ومفيد تحتاجه كل من روسيا وأميركا. إذن هي صفقة تحاول من خلالها روسيا تقديم ما قد يرضي نظام أردوغان في سوريا واقتصادياً، مقابل موقف غير عدائي أو محايد من تركيا”.
وتابع: “في المقابل تركيا بحاجة إلى روسيا لمساعدتها للخروج من أزمتها السياسية والاقتصادية، لا سيما أن نظام أردوغان يعاني من أزمة ثقة بالولايات المتحدة والغرب عموماً خاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشل عام 2016. هذه المساومات بين الضواري بالتأكيد قد يكون لها تأثير على مشروع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا”.
وجوب وضع استراتيجية سياسية وعسكرية
شدد الرفيق غياث نعيسة، على ضرورة وضع استراتيجية لتخطي المخاطر المتعددة والمتوالية ضد المنطقة، وقال: “وهي استراتيجية تتطلب مناورات سياسية بارعة وذكية، للنفاذ من مخالب هذه الضواري الدولية والإقليمية والمحلية، كما تتطلب سياسات تحشيد شعبي وسياسي في مناطق الإدارة الذاتية وعموم سوريا، بالإضافة إلى الاستعداد العسكري للمقاومة الشعبية حتى لا يتسنى لا لتركيا ولا غيرها من المعتدين الانتصار الساحق”.
عن لقاء أجرته وكالة أنباء هاوار مع الرفيق غياث نعيسة.
الخط الأمامي