
في يوم الثلاثاء 28 يونيو الماضي، أصدرت محكمة جنايات سوهاج برئاسة المستشار محمد عبد الحافظ الحكم في قضية حادث تصادم قطار إسباني بآخر مميز، بدائرة مركز طهطا، والذي وقع في شهر مارس 2021 وأسفر عن مصرع 21 شخصًا وإصابة 227 آخرين.
أدرجت المحكمة في لائحة الاتهام فريق القيادة بالقطارين ومراقبين فنيين بأسيوط، وجاءت العقوبات بالسجن 15 سنة لقائد ومساعد القطار الإسباني، و10 سنوات لقائد القطار المميز، وسنتان لمُشرف القطار المميز، 5 سنوات لمراقبين فنيين بأسيوط. هذا علاوة على غرامة قدرها 29 مليون جنيه لقائد ومساعد القطار الإسباني، و10 آلاف جنيه لقائد القطار المميز.
كما يحدث دائمًا، ليس المسؤول الحقيقي هو من يحاسب. تعد هذه الحادثة واحدة من ضمن ثلاث حوادث تصادم وقعوا في أقل من شهر. فقد وقعت بعدها حادثتا تصادم؛ الأولى بمدينة طوخ بمحافظة القليوبية وراح ضحيتها 11 شخصًا وأُصيب 98 آخرين، ثم خروج قطار كان متجهًا من القاهرة إلى المنصورة عن القضبان، وسقط فيه عدد من الإصابات دون وفيات.
وقعت هذه الحوادث في أعقاب عقود من الإهمال في الأمن الصناعي وتخفيض الإنفاق على الخدمات المقدمة للمواطنين. وهذه السياسة العامة هي ما برزت في تصريح السيسي نفسه، حين رد على احتياج نظام الإشارة الكهربية للقطارات مبلغ 10 مليار جنيه لتطويره، قائلًا في 14 مايو 2017، على هامش افتتاح بعض المشروعات بمنطقة العلمين: “بدل ما نصرف 10 مليار لتطوير السكك الحديد، نحطهم في البنك وناخد 2 مليار جنيه فوايد”.
وكان مجلس الوزراء قد أقر زيادات كبيرة في أسعار تذاكر القطارات من دون أي تحرك في تطوير قطاع السكك الحديدية، وتم تطبيق أول الزيادات في مطلع يوليو 2017 بنسبة بلغت 200% للقطارات العادية التي يرتادها ملايين الموظفين ومتوسطي الدخل والفقراء يوميًا، و40% لقطارات الدرجة الأولى مكيف، و60% للدرجة الثانية، و20% لقطارات VIP.
وفي حل كاريكاتوري لتواتر حوادث القطارات، بل وتجاهل كامل لأصل هذه المشكلة التي تخص مليون راكب يوميًا، قررت هيئة السكك الحديدية في أغسطس من العام الماضي ترك العربة الأخيرة فارغة من الركاب وذلك لتقليل عدد ضحايا هذه كوارث تصادم القطارات، بحسب تصريحات المسؤولين لوسائل الإعلام المصرية.
لا تعتبر الدولة نفسها خادمة الشعب، بل إن ما يحدث هو العكس؛ الشعب هو من يخدم الدولة. هذه هي حلول الدولة التي لا تخدم مصالح الأغلبية من الشعب بل تحاسب الفقراء وتزيد من هذا الفقر عليهم. إنها لا تخدم سوى مصالحها ومصالح الطبقة التي تمثلها.
هذا ما نراه حين ننظر إلى مشروع القطار الكهربائي السريع الذي تقوم عليه الدولة حاليًا بتكلفة نحو 360 مليار جنيه، والذي تنفذه شركة سيمنز الألمانية لربط العين السخنة بمدينة العلمين الجديدة، مرورًا بالعاصمة الإدارية، أي المدن الجديدة للنظام. وهذا ليس إلا مثالًا واحدًا لأولويات الإنفاق لدى الدولة، التي تنفق عشرات المليارات أيضًا على شراء الأسلحة لتشتري شرعيتها من دول الغرب وتضمن صمتهم على انتهاكات حقوق الإنسان، وبناء القصور الرئاسية والمدن الفاخرة للأغنياء والسجون للمعارضين.
يستغل النظام ثروات الغالبية من المصريين لا لخدمة مصالحهم أو لتحسين مرافقهم وحماية أرواحهم،
بل لخدمة ومصالحه وربط مدنه الاستثمارية ببعضها.
هذا النظام يتحمل المسؤولية الكاملة عن هذه الحوادث وهذا الإهمال، وعن كل هذه الأرواح التي تُزهق بفعل المسؤولين الحقيقيين. فمن تسبب بمقتل العشرات في تصادم القطارات هو من يطور ويحمي مصالح الأغنياء الذين لا يكترثون للوضع الاجتماعي للغالبية من الشعب.
* بقلم: ياسر عزت الاشتراكيون الثوريون