مدينة رفح مدينة واحدة، كانت في عهد الانتداب داخل فلسطين وفي خرائط تقسيم فلسطين الصادرة عن الأمم المتحدة في جزء “الدولة العربية”، وبعد حرب ال٤٨ باتت رفح ضمن قطاع غزة بأكمله تحت الإدارة المصرية، وظلت هكذا، أي تتبع مصر إداريا وتقع في إطار سلطة حاكم غزة الذي تعينه الدولة المصرية، وانضمت إلى الوحدة بين مصر وسوريا ضمن الأراضي الخاضعة للسلطة المصرية طوال ثلاث سنوات الوحدة، وانفصلت مع مصر عند انفضاض الوحدة، وظلت تابعة إداريا للسلطة المصرية حتى احتلال إسرائيل لغزة وسيناء (وغيرهما طبعا).
من ١٩٤٨ حتى ١٩٦٧ ظلت رفح تحت السيادة المصرية. ومن ١٩٦٧ ظلت تحت الاحتلال الإسرائيلي حتى ١٩٨٢. وطوال الوقت هذا تنمو وتكبر وتضم بدوا من صحراء النقب ومن صحراء سيناء يستوطنونها ويستقرون فيها وتضاعف حجمها مرات.
وبعد مبادرة السلام وسعي أنور السادات إلى تملص مصر من القضية العربية بأكملها وإلى التحالف مع إسرائيل تحت الرعاية والوصاية الأمريكية أثيرت قضية مدينة رفح التي نمت وتضاعفت وهل هي رفح التي كانت تحت الانتداب البريطاني، فتظل تحت الاحتلال الإسرائيلي بمقتضى اتفاقية السلام، أم تعود بشكل ما تحت الإدارة المصرية وتتحرر من الاحتلال الإسرائيلي المباشر.
وما كان من الطرفين إلا أن اتفقا على تمرير خط في المنتصف يذهب بمقتضاه غرب رفح لمصر ويظل شرق هذا الخط تحت الاحتلال الإسرائيلي. وللمزيد من التملص، ولفض اليد عن الجزء الشرقي، وتسليمه لإسرائيل بلا خجل، أخذت الدولة تطلق على هذا الجزء الشرقي من المدينة: مدينة رفح الفلسطينية! وكأن هناك أصلا مدينتان، إحداهما مصرية والأخرى فلسطينية. المدينة “المصرية” محررة والمدينة الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي ولا علاقة لنا بها.
رفح مدينة واحدة وشعب واحد مصري وفلسطيني تشكل على مدى سنوات طويلة من الإدارة المصرية واستقرار البدو من النقب وسيناء والاحتلال الإسرائيلي. مصير واحد وشعب واحد.
من كان يظن أن إسرائيل تدكّ رفح شرق خط تقسيم المدينة وترتكب المجازر والتجويع القاتل ولا يتحرك للدولة المصرية ساكن؟! وينتشر خطاب مفاده: ما علاقتنا نحن بما يحدث “هناك”!!! “هناك! أي في الجزء الشرقي من المدينة التي يقع غربها في مصر!!!! من كان يظن أن شاحنات الغذاء تقف على ذلك الخط بين شطري المدينة، هنا تكدس للغذاء، وهنا موت ومجاعة!
وربما لا عجب. فالنظام المصري الذي يتجاهل شلالات الدم والمجاعة في الجزء الشرقي من رفح هو النظام عينه الذي هجّر سكان رفح “المصرية المحررة” وهدّم بيوتهم وقتّل الكثيرين منهم، وهو عينه الذي تنازل عن تيران وصنافير المحررتين أيضا لإرضاء مموليه وهو عينه الذي يبيع رأس الحكمة المحررة أيضاً لمموليه الآخرين وأثناء هذا كله يعتقل كل من يفتح فمه مطالبا بالتضامن مع الشعب الفلسطيني أو ضد الجوع أو ضد الهوان.
فقط لا غير في ظل هذا النظام يمكن أن تستمر المجزرة في الجزء الشرقي من رفح المدينة المصرية الفلسطينية الأبقى من الحدود.
وسيم وجدي _ يساري ثوري