شهد منتصف الشهر الماضي الذكرى الثالثة عشر لانطلاق الثورة الشعبية في سوريا 2011، وهي ذكرى أكبر وأهم حراك جماهيري في تاريخ البلاد وتاريخ نضال جماهير العمال والكادحين في سوريا. ولكونها ثورة شعبية هائلة تكالبت عليها كل الأنظمة الرأسمالية في العالم وذئاب الثورات المضادة وبراميل الجزار وأجهزته القمعية.
لكن ما يغيب عن ذهن البعض هو فهم ديناميات السيرورة الثورية بوصفها صراع اجتماعي وطبقي حاد له تأثيراته ونتائجه. فالثورة في جوهرها ممارسة نقدية تحطم مقومات النظام القائم والوعي المهيمن فيه للطبقة الحاكمة والمالكة, وفي الوقت نفسه فانها تحرر فعل ووعي جماهير العمال والكادحين في إطار تحررها الشامل واستعادة ذواتها المسلوبة. لذلك، فإن أكبر اهانة للثورة هو إخراجها خارج مجال الإدراك والتحليل الملموس من وجهة نظر مصالح المضطهدين؛ والتعامل معها بمنطق غيبي مقدس يسقط عليها صفات الخلود والديمومة والقدرية رغم هزيمتها؛ ليصبح هكذا خطاب فارغا ومهاتراً. فطالما أنها مستمرة بالنسبة له فإنه ينزع عنها إمكانية التجدد والولادة من جديد.
والحال ، يكون إعلان هزيمة انتفاضة ثورية عند هزيمتها فعلٌ ثوري وتحليل صائب يسمح بتجاوز مرحلة الردة الرجعية وبناء سياسات مطابقة لإعادة البناء والتحضير للانتفاضات الجماهيرية القادمة. أما البكاء على الأطلال فلن يخرج معتقلٌا من سجنه ولن يعيد مهجرٌا إلى بيته ولن يعطي للجائع خبزاً ولن يخرجنا من هذا المستنقع الدموي الذي أدخلنا فيه نظام الطغمة ومعارضته المرتهنة وتنافس الامبرياليات.
لقد ساهم تهافت الوعي الليبرالي المهيمن لدى المعارضة الرسمية السورية في هزيمة الثورة السورية، وتحول اجترار بعضهم لادعاء أنهم يعبّرون عنها وعن القضية السورية برمتها إلى وسيلة لهم للإرتزاق السياسي لدى السفارات ودوائر الحكومات الإمبريالية.
هذه الأقسام المتعددة الارتباطات للمعارضة الليبرالية المرتهنة تحاول إقناع السوريين أن حدود الصراع لا تزال مرتبطة فقط بالنظام السوري أو برأس النظام تحديداً, وبذلك يطمسون مسؤوليتهم عن أجهزة الثورة وطبيعة مؤسسات الثورة المضادة من ائتلاف وحكومة سورية مؤقتة وجبهة نصرة وحكومة إنقاذ ولجنة دستورية وهيئة تفاوض والى ما ذلك من مؤسسات هاجسها الوحيد هو تقاسم السلطة. كما أن هذه المعارضة تتجاهل الاحتلال الاسرائيلي والأمريكي والتركي والإيراني والروسي لبلادنا , وكل طرف منها يقع أو يسعى الى رعاية هذه الدولة أو تلك له.
لقد حولت هذه المعارضة الليبرالية المرتهنة أوجاع شعبنا الى سلعة في السوق الدولية للنخاسة, يتسابق النظام وأجهزة الثورة المضادة وال NGOS للدخول في مبازرات بيع أوجاع و أحلام شعبنا المعذب في بورصة النظام الدولي.
تتوهم هذه المعارضة المذكورة بهيئاتها المتعددة الفاشلة التي تعيد إنتاج تفاهتها في مؤتمرات مستمرة محتومة الفشل، و تفوح منها رائحة أمراء الحرب تعتقد أنها ستغلق باب الثورة الجماهيرية إلى الأبد. لكن الموجات الثورية من الأسفل القادمة ستقتلعهم وتقتلع معهم نظام الاستبداد والاستغلال والتمييز. يصدح عاليا ويبقى على جدول أعمال جماهير العمال والكادحين في بلادنا ما رفعه حزبنا منذ عام 2011 : كل السلطة وكل الثروة للشعب.
وما انتفاضة السويداء في 2023 إلا تأكيد على الفشل المزدوج للنظام ومعارضته المرتهنة في قطع جذور نمو الحركة الثورية في سوريا
نحن في تيار اليسار الثوري ولدنا من رحم الثورة السورية 2011 ولدنا في لجان دعم الانتفاضة وتنسيقيات النضال الشعبي وثلة من الشيوعيين السوريين, الامتداد العضوي للانتفاضة السورية وتراثها الثوري العظيم, ندرك جيداً أن مهمة بناء الحزب الثوري الجماهيري هي مسألة حياة أو موت. فالانتفاضة الثورية القادمة لن يكون لها نتائج مختلفة إلا بوجود ما كان ينقصها “الحزب الثوري الجماهيري” جهاز تنظيم النضال في جسد جماهير العمال والكادحين, ننتمي للطبقة العاملة والى كل المضطهدين والمعذبين في بلادنا، الى الطامحين إلى الخبز والحرية والكرامة. مصالح هذه الجماهير الشعبية كانت وتبقى بوصلة نضالنا .
ولأن حزبنا ماض بصلابة على هذا الطريق، نمت قدراته بشكل ملحوظ ومتماسك ومستمر. علاوة على النشاطات العامة، عمل الحزب خلال الفترة الماضية على استعادة جزء كبير من أرشيفنا الذي كان مبعثراً بفعل الهجمات الإلكترونية والاستخباراتية التي تعرضت لها مواقعنا عدة مرات, جمع كتلة هامة من تراثنا الثوري وأصبح موجوداً الآن على الموقع الرسمي . وتوسعت صفوف الحزب واغتنت بأجيال شابة من المناضلين والمناضلات.
الحزب هو ذاكرة الطبقة العاملة، فلا قيمة لأي تجربةٍ مهما كانت نتائجها إذا لم يتم التعلم منها والبناء عليها واستخلاص الدروس منها.
يجمع أرشيفنا ذاكرتنا وذاكرة رفاقنا الذين غادرونا شهداء أو معتقلين وذاكرة كفاح الجماهير الثائرة وذاكرة صراعنا مع نظام الطغمة والمنظومة الرأسمالية العالمية وأطراف الثورة المضادة والارتزاق السياسي من المعارضة المرتهنة.
فالممارسة الثورية العملية التي تستند إلى نظرية ثورية والتي اختبرت في الواقع هي هوية الحزب الثوري. لذلك فإننا ندعوا الأحرار , الشغيلة , العمال , المهجرون, المنتفضون , أصحاب القهر والوجع ,إلى الانضمام الى صفوفنا في تيار اليسار الثوري في سوريا، لمتابعة النضال التحرري الشامل للشعب السوري.
المجد للثوار, المجد للعمال والكادحين , المجد للشهداء
كل الثروة والسلطة للشعب
تيار اليسار الثوري في سوريا
16 نيسان 2024