
بحزن بالغ ننعي إليكم وفاة المناضل الصلب أكثم نعيسة الرجل الذي استمر بالإيمان الدائم بالقيم الديمقراطية. و هو الممثل الوقور للتيار الديمقراطي في سوريا الذي التزم به منذ أكثر من خمسين عام.
هو أحد المؤسسين للجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا (CDF) المنشأة عام 1989
يعتبر الكثيرين في العالم العربي هذا التاريخ بداية انطلاق الحركة الحديثة لحقوق الإنسان في سوريا. و قد شارك أيضا أكثم نعيسة في نشر قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان و خلال كل هذه السنوات قام بكتابة العديد من المؤلفات كما اعتلى بشجاعة منابر المؤتمرات الوطنية و الإقليمية و الدولية في مجال حقوق الإنسان. و قد أوقف ست مرات علي التوالي بسبب مطالبته باحترام حقوق الإنسان كما تم حبسه انفراديا و تعذيبه.
ولد أكثم يوم 28 ديسمبر 1951 في مدينة اللاذقية في سوريا ودرس في مصر، هو رئيس منظمة جمعيات الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان والتي شارك بتأسيسها في سنة 1989.
ويشغل حاليا وظيفة المنسق السياسي ل آمارجي _ لجان الديمقراطية السورية
أعتقل عدة مرات من قبل النظام الطغمة في سوريا، أولها كان في شباط/فبراير 1982 لأربعة أشهر حيث عذب فيها، في سنة 1989 أنشأ إذاعة صوت الديمقراطية السرية، ونادى بإقامة انتخابات حرة، أعتقل مرة أخرى في ديسمبر 1991، وحكم عليه بالسجن 9 سنوات في سجن صيدنايا.
أطلق سراحه في يوليو 1998 وحرم من ممارسة مهنة المحاماة بعد ذلك، شارك في تظاهرات 2004 المناوئة لتمديد حالة الطوارئ أمام البرلمان السوري، في أبريل 2004 أعتقل مرة أخرى وأرسل مرة أخرى إلى سجن صيدنايا وسجن لأربعة شهور تحت التعذيب أدت لإصابته بالجلطة والشلل الجزئي.في أكتوبر 2004 فاز بجائزة لودوفيك ترايرو الدولية لحقوق الإنسان في بروكسل وفي 2005 فاز بجائزة مارتن إينالس للمدافين عن حقوق الإنسان. وسافر بعدها بفترة إلى فرنسا.
أسس مع نخبة من الشخصيات الديمقراطية السورية “آمارجي” لجان الديمقراطية السورية عام 2020 وشغل وظيفة منسقها العام وعمل من خلالها على توحيد جهود القوى والشخصيات الديمقراطية السورية عبر طاولة مستديرة واحدة ،بغية المساهمة الفعلية في حشد وتجميع القوى الديمقراطية السورية، على أهداف مشتركة ومحددة تسمح بإخراج الشعب والبلاد من محنتيهما.
إذ غادرنا صبيحة هذا اليوم في أحد مشافي فرنسا بعد صراع شديد مع المرض ، المناضل الديمقراطي والشخصية الثورية أكثم نعيسة نعزي أنفسنا في أسرة تحرير الخط الأمامي على رحيلك ، كما نعزي أسرته الصغيرة و الكبيرة سوريا ، بهذا المصاب الأليم.
لروحه السلام و السكينة و لمحبيه و أصدقائه و رفاقه وأسرته خالص العزاء .
فريق التحرير

▫️لقد غدرت بنا يا أكثم (إلى أكثم نعيسة)
▪️كنت أظنّك تهذي حالماً بالعودة إلى ما تبقى من الوطن، بعد أن كشف لك المنفى، بمحطتيه التركية والفرنسية، ما كان الأباء يرمونه في وجهنا مثلاً: الحجر في مكانه قنطار.
▪️آباؤنا أيضاً هم أبناء منفى ما، فقد جاء بعضهم لاجئاً إلى سوريا، وترك بعضهم مدنهم البعيدة، ليعملوا موظفين صغاراً في العاصمة، مع أحلام دائمة بالعودة إلى المكان الأول.
▪️سألت إحدى مضيفاتنا في لقاء كولن عن تناولك الطعام من دون ملح، وأجابتني بأنك ممن زرعوا كلية، بعد أن تعطّلت كليتيك، ومشهد تناولك الطعام بلا ملح كان مألوفاً لدي، فقد كان أخي الذي سرقه السرطان قبل سنوات وسنوات ممن زرعوا كلية، وكانت حياته، تقريباً كلّها بلا ملح، فالمرض ينتزع الكثير من بهجة الحياة، وأحياناً كلّها، لكن لم تكن أنت إلا واحداً ممن أصروا أن يكونوا مبتسمين سخرية، ليس فقط في وجه المرض، بل في وجه الاعتقالات المتعدّدة، والفقر الأخلاقي لكثر من رفاق الأمس.
▪️ رغم كل شيء، مدّدت لسانك ساخراً من سنينك السبعين، شاباً يفكر ويخطط لما سيبدأه هناك: رحلة كفاح جديدة من أجل الديمقراطية، تلك التي أخذت منك أحلى وأرشق سنين شبابك، ولم تمنحك سوى لقب المناضل، اللقب الذي لم يعد ربما يحتاجه اليوم أحد.
▪️كانت خطّتك السوريالية تقتضي بعودة جميع الديمقراطيين على متن طائرة واحدة، تأخذهم معاً إلى دمشق، لتحرج النظام، وأي نظام ذاك الذي يحرج!
▪️أنت تعرف مثلي، مثلنا، وربما أكثر، بأن ما نسميه خطاً في أدبياتنا النظام هو شيء آخر، وأنه منذ أن عرفناه لا يصيبه الحرج، فالحرج سمة من يمتلك قليلاً من الخجل، والأنظمة كنظامنا ولدت منزوع منها جين الخجل.
▪️طوال وجودك في المشفى، في إقامتك ما قبل الأخيرة، حيث لا زيارات ولا وجوه من تحب، كنت أفكّر في خطّتك السوريالية، في رغبتك أن تعود، وكنت أخشى أن يحصل ما حصل: أن تغدر بنا عائداً لتحجز مكانك في بسنادا، هناك حيث تراب الطفولة وذكرياتها وما تبقى من أهل.
▪️أخيراً استعادك الوطن في نعش، بعد أن أرسلك في خريف العمر منفياً، أم أنّك عدت بإرادتك، ولو في نعش، فالعودة تستحق، والوطن يستحق، وإلأ ما معنى أن يكون المرء مناضلاً!
▪️هل سنعود مثلك في نعش، لنقول إننا لا نقوى على الموت تحت تراب لا يعرفنا، لا موتى أعزاء يجاوروننا، أم إننا لن نجد من حولنا من يهتم كما اهتّم بجسدك المسجى أقارب وأحبة ورفاق؟
▪️كنت أفكر في كتابة نصّ أطول من هذا، لكنني لا أقوى، ليس لأن استحضارك جلب أحزان العالم كلّها إلى كلماتي، ودموعه كلّها إلى عيني، بل لأن الاستمرار في الكتابة يتطلّب وعداً لا أجدني قادراً عليه.
▪️هناك بين هضبتي بسنادا، وعين الماء المتدفقة من كهفٍ قديم، نم قرير العين، قريباً من هواء البحر، أما نحن فسنبقى عالقون في الفخ، بين حياتنا في المنفى وبين حلم العودة.
▫️لقد غدرت بنا يا أكثم.
حسام ميرو