
مظاهرة في أوروبا ضد الاحتلال التركي لعفرين
مرت خمس سنوات على سيطرة الاحتلال التركي والمجموعات السورية من المرتزقة التابعة له على منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية من السكان في شمال غربي سورية، وكان التهجير والانتهاكات أبرز عناوين هذه السنوات التي تخللتها عمليات اقتلاع وتهجير وصدامات دامية وتفجيرات عمّقت من معاناة السكان.
أعلن الاحتلال التركي في 18 مارس/آذار 2018 السيطرة على منطقة عفرين شمال غربي حلب، بعد عملية عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية، التي كانت تسيطر على المنطقة منذ عام 2012، وحملت العملية اسم “غصن الزيتون”، وقد بدأت في 20 يناير/كانون الثاني 2018.
الإدارة الذاتية تتهم أنقرة بالإبادة في عفرين
في الذكرى الخامسة للاحتلال التركي لعفرين، قالت الإدارة الذاتية في شمال شرقي سورية، في بيان لها يوم السبت، صباح الذكرى إن تركيا وفصائل المرتزقة مستمرة “في سياسة الإبادة ضد عفرين وشعبها من خلال الخطف والقتل الممنهج، وعمليات التتريك والتغيير الديمغرافي من طريق بناء المستوطنات وتهجير السكان الأصليين”. وفضحت قيام الاحتلال التركي بعمليات “إبادة وتطهير عرقي واضح المعالم”.
من جهته، طالب مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، بالعمل على “إنهاء الاحتلال التركي وإخراج الفصائل الموالية له وتقديمهم إلى المحاكم الدولية، وتأمين عودة كريمة للسكان الأصليين وتعويض المتضررين”.
في السياق ذاته، قال المجلس الوطني الكردي في بيان “خجول” إن “الأبناء الأصليين لعفرين من الكرد أصبحوا معرَّضين للممارسات والانتهاكات اليومية بحقّهم من قبل بعض تلك الفصائل المسلحة هناك، منطلقين من الحقد القومي باستهداف المواقع الأثرية والتاريخية بهدف طمس الهوية الكردية فيها”.
أشار البيان إلى أنه تمّ “استقدام عشرات العوائل من سكان مختلف مناطق الصراع المسلح في سورية وتسجيلهم على قيود المنطقة بهدف إحداث تغيير ديمغرافي فيها”، مؤكدًا أن أهالي عفرين يتعرضون “إلى أعمال السرقة والنهب والاختطاف والابتزاز المالي، وقطع أشجار الزيتون وفرض الإتاوات الباهظة”. وطالب المجلس بوقف “الانتهاكات المستمرة بحق أهلنا في عفرين والمناطق التابعة لها”، داعيًا إلى “إخراج المجموعات المسلحة من المدن والقرى والبلدات، وتسليم إدارتها إلى سكانها الأصليين”.
من جهته، قال سيهانوك ديبو، الرئيس المشترك لمكتب العلاقات العامة في حزب الاتحاد الديمقراطي، أبرز الأحزاب الفاعلة في شمال شرقي سورية، إن “عناوين الذكرى الخامسة لاحتلال عفرين هي التغيير الديمغرافي والقتل والاستيلاء على مقدرات المدنيين وخلق واقع سياسي وإداري جديد”. وأضاف في حديث مع الصحافة: “تركيا ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تجاه عفرين وعموم المناطق السورية المحتلة من قبلها”.
أشار ديبو إلى أن “قضية عفرين وتحريرها إلى جانب باقي المناطق المحتلة كرأس العين وتل أبيض وجميع الأراضي المحتلة هي قضيتنا الأولى”، مؤكدًا سعي حزبه إلى “تدويل هذه القضية وإيصالها إلى المحافل الدولية من خلال عشرات التقارير الدولية والحقوقية التي وثّقت جرائم الاحتلال التركي ومرتزقته في عفرين”.
تواصلت الانتهاكات منذ 2018 بحق السكان المحليين من قبل الاحتلال التركي ومجموعات المرتزقة المحسوبة على المعارضة الائتلافية التابعة لتركيا.
طالب ديبو بعودة مهجري منطقة عفرين إلى بلداتهم ومنازلهم، داعيًا ما أسماه “القوى الديمقراطية والجامعة العربية” إلى التحرك والمطالبة بتحرير “جميع المناطق التي قامت تركيا باحتلالها وإدانة كل منظمة ومؤسسة عربية تشرف على تغيير ديمغرافي في المناطق الكردية”.
عمليات انتقامية وانتهاكات بحق الأكراد
دفعت وحشية الاحتلال التركي ومرتزقته عشرات آلاف السكان الأكراد في عفرين إلى مغادرة ديارهم، والتوجه إلى مناطق سيطرة الإدارة الذاتية في مدينة حلب وريفها الشمالي وخصوصاً منطقة تل رفعت.
كانت الانتهاكات بحق السكان المحليين من قبل الاحتلال التركي ومرتزقته، التي لا تزال مستمرة، هي العنوان الأبرز لمرحلة تمتد من عام 2018. إذ استولت فصائل المرتزقة على أرزاق وممتلكات سكان عفرين الأصليين، كما فرضت إتاوات على من بقي منهم، فضلًا عن عمليات اعتقال بحجة الانتماء إلى حزب العمال الكردستاني، بهدف الابتزاز المالي وعمليات القتل والسلب.
علاوة على ذلك، شهدت منطقة عفرين صراعات دامية على النفوذ بين فصائل المرتزقة السورية تكللت أواخر العام الماضي بسيطرة “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقًا) على المدينة بعدما تقدمت قواتها من إدلب المجاورة نصرة لفصائل تدور في فلك هذه الهيئة، أبرزها فصيل “سليمان شاه” والمعروف باسم “العمشات”، وفصيل “فرقة الحمزة” والمعروف باسم “الحمزات”. وانسحبت الهيئة لاحقًا من عفرين بطلب تركي، ولكنها ما تزال تحتفظ بنفوذ في المنطقة من طريق الفصيلين المذكورين ومجموعات أخرى.
وصف الناشط السياسي إبراهيم مسلم، الأوضاع في عفرين بـ “المزرية”، مضيفًا أنها “خمس سنوات من الظلم والقهر بحق سكّان عفرين وكل السوريين الذين سكنوا في المنطقة بعد السيطرة عليها”.
متابعًا: “الاحتلال خلق شرخًا كبيرًا بين مكونات الشعب السوري. التغيير الديمغرافي ومخيمات الأمر الواقع والسيطرة على الأراضي والممتلكات له تبعات سلبية على العلاقة بين سكان المنطقة”.
مراسل الخط الأمامي يرصد ممارسات الاحتلال التركي خلال خمسة أعوام
من جهته، بيّن مراسل “الخط الأمامي” في عفرين، أن المدينة “منكوبة من جوانب عدة اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا”، مشيرًا إلى أن الاحتلال التركي يضيّق حتى نشاط تلك الهياكل السياسية السورية التي تعمل مرتزقة عند الدولة التركية مثل الائتلاف وحكومته المؤقتة، مثلًا: منع الجامعات التابعة لمجلس التعليم العالي في الحكومة السورية المؤقتة من العمل فيها.
تابع مراسلنا: “لكل فصيل من المرتزقة قطاع يسيطر عليه بموافقة الأتراك، والخدمات المدنية بعهدة المجالس المحلية الضعيفة أصلًا، والتعليم والصحة فيها بانهيار شبه تام”. وأشار إلى أن “الهشاشة الأمنية الميدانية أيضًا ظهرت مع غزوها العام الماضي من قبل هيئة تحرير الشام”، مضيفًا أن عفرين “سقطت بيد هيئة تحرير الشام بسرعة رهيبة، ما يشير في البداية إلى مباركة تركية لها، ومع نكبة الزلزال زاد الخراب والنهب والعنف وانكشفت جوانب أخرى من الكارثة والهشاشة الأمنية والمدنية التي يعيش تحت وطأتها السكان المدنيين”.
أشار مراسلنا إلى أن “سنوات مريرة ثقيلة مرت على السكان الأصليين من الكرد في تلك المنطقة السورية التي باتت عبارة عن أشبه بولاية تركية يُرفع فيها العلم التركي ويُجبر أهاليها على تعلّم لغتها وتصادر أراضيهم وبيوتهم لصالح الفصائل الموالية للاحتلال”.
مضيفًا: لابد من التذكير أن السيطرة التركية على عفرين وريفها دفعت مئات الآلاف من أهلها -أي أكثر من 310 آلاف (56%) من الأهالي- إلى النزوح والهروب من انتهاكات الجماعات المسلحة الموالية لتركيا، بينما لم تسلم ممتلكاتهم من انتهاكات الفصائل الموالية لأنقرة، ومن اختار المكوث بعفرين من أبنائها رافضًا التهجير، تعرض للاعتقال وعانى شتى أنواع الانتهاكات، فعمليات الاعتقال مستمرة، والخطف بهدف الفدية متواصل، ومصادرة المواسم قائمة، والاستيلاء على المنازل والمحال والسيارات بات خبرًا يوميًا، وذلك في إطار اقتصاد حرب تشرف عليه حكومة الاحتلال التركي، الذي يهدف بنحو رئيسي إلى دفع من تبقى من أهالي المنطقة إلى الخروج من مناطقهم بغية استكمال عملية التغيير الديمغرافي التي تسعى لها تركيا.
وثقت منظمات حقوقية مقتل 668 مواطن كردي في عفرين بينهم 97 طفل و88 مواطنة في انفجار عبوات وسيارات مفخخة وتحت التعذيب على يد فصائل عملية “غصن الزيتون”، وفي القصف الجوي والمدفعي والصاروخي التركي، وفي إعدامات طالت عدة مواطنين في منطقة عفرين، وذلك منذ الـ 20 من كانون الثاني/يناير من العام 2018 وحتى يومنا هذا.
كما وثقت اختطاف واعتقال أكثر من 7898 من كورد عفرين، من بينهم 1082 لا يزالون قيد الاعتقال، فيما أفرج عن البقية بعد دفع معظمهم فدية مالية باهظة، تفرضها فصائل “الجيش الوطني” التابعة للاحتلال التركي.
إلى جانب حالات الاختطاف والاعتقال التعسفي، وثقت المنظمات على مدار 5 سنوات أكثر من 3336 انتهاك بأشكال عدة.
تتبع مدينة عفرين العديد من البلدات الكبيرة، أبرزها: الشيخ حديد، وبلبل، وجنديرس، وراجو، ومعبطلي، وشران. كما تتبع لهذه البلدات مئات القرى المتناثرة في جغرافيا تبلغ مساحتها أقل من 4 آلاف كيلومتر مربع، لتغطي نحو 2 بالمئة من مساحة سورية. قبل عام 2011، كانت تضم نحو 500 ألف سوري. وتعد عفرين التابعة من الناحية الإدارية لمحافظة حلب، من التجمعات السكانية للأكراد السوريين، ولكنها بعيدة عن التجمعات الكردية الأخرى ضمن سورية في منطقتي عين العرب/كوباني والقامشلي الواقعتين شرقي نهر الفرات.
تحاذي منطقة عفرين من الغرب محافظة إدلب، ومن الجنوب والشرق ريف حلب، ومن الشمال الأراضي التركية. وما يميّز عفرين عن بقية المناطق هي مزارع الزيتون، إذ تضم ملايين الأشجار يقدرها البعض بنحو 22 مليون شجرة، وكانت تنتج نحو 270 ألف طن من الزيتون. وتعادل مزارع الزيتون في عفرين نحو 20 بالمئة من مزارع الزيتون في عموم سورية.
الحرية لعفرين ولكل المناطق المحتلة في سوريا، والحرية لكل السوريين، وعاشت وحدة كفاح الشعب السوري للخلاص من الاستبداد والاحتلالات.
وكالات_ الخط الأمامي