
جين.. جيان.. آزادي (المرأة.. الحياة.. الحرية)
افتتاحية العدد 66 من جريدة الخط الأمامي ، لسان حال اليسار الثوري في سوريا
هكذا دوت هتافات الجماهير الإيرانية منذ شهر أيلول/سبتمبر الماضي في انتفاضتها ضد النظام الثيوقراطي الحاكم. وكانت كردستان هي منطلقها، لتعم بعدئذ جميع المناطق الإيرانية.
كانت الجماهير الثائرة في تركيا، قد رفعت الشعار ذاته في مواجهتها لقمع الدولة التركية قبل نحو عقدين من الزمن. مثلما رفعته المقاومة الشعبية في مواجهة داعش والمستبدين في سوريا والعراق بين عامي 2012 و2014.
أصبح هذا الهتاف/الشعار يعبر بامتياز عن روح المقاومة والتحرر للجماهير في منطقتنا -وأوسع منها- كأنه يحمل في طياته أهداف التحرر نفسه وجوهره.
إذ نرى أن تحرر المرأة ودورها البارز يشكلان مؤشرين جوهريين عن مدى تحرر المجتمع. كما أن الحياة الكريمة والحرة القائمة على العدل والمساواة إنما هي هدف الكفاح التحرري، الذي لا ينفك عن الكفاح الايكولوجي، لأن النظام الرأسمالي العالمي قد وصل إلى مرحلة مريعة من تدمير مقومات الحياة في كوكبنا، مهددًا وجود البشرية نفسها. وبالتأكيد فإن التحرر الشامل للإنسانية -وهو الشرط الواجب الوجود لكفاح جماهيري كهذا- يعني تحديدًا -بالنسبة إلينا- الاشتراكية من الأسفل، وعلى مستوى العالم.
كان الفضل الأول في طرح هذا الشعار الكفاحي الرائع يعود إلى الجماهير الكردية الثائرة: “جين.. جيان.. آزادي”، ولكنه أصبح اليوم ملكًا لكل الثائرين على أنظمة الاستغلال والنهب والاستبداد والتمييز والفساد، وفي مواجهة الشعبوية والفاشية الناهضة عالميًا. إذ أصبحت ترفعه الجماهير الثائرة، بتلويناته المتعددة، في كل نضالاتها.
الحال، فإنه في الوقت الذي ينشغل فيه النظام الحاكم في إيران بمواجهة الانتفاضة الشعبية التي هبت ضده، التي تصدرتها المرأة. تقوم الدولتين الأخريين في مسار أستانة، روسيا وتركيا، بترتيب استراتيجيتهما في سوريا، على ضوء الصراع العالمي الجاري بين الضواري الإمبريالية الذي يشهد تعبيره الأكثر دموية في أوكرانيا. ومن بين واحدة من طيات هذه الترتيبات بين هاتين الدولتين نجد مسعاهما في الدفع قدمًا بمسار تطبيع العلاقات بين النظامين التركي والسوري، إذ شهد هذا الشهر تطورًا بارزًا تمخض عنه اجتماع لوزراء الدفاع ومسؤولي المخابرات في موسكو شمل روسيا وتركيا ونظام الطغمة، بوصفه أول لقاء على هذا المستوى السياسي الرفيع منذ أكثر من عشر سنوات، تلاه إعلان المشاركين فيه على أن لقاءات أخرى أعلى مستوى يجري الإعداد لها.
هذا الحدث المهم، كشف، من جهة، عن هشاشة وتبعية العديد من هياكل المعارضة المرتهنة، التي يقتصر دورها على تنفيذ ما تطلبه منها الدول الراعية لها. وأيضًا أوضح أن الهدف من هذا التطبيع هو تعزيز دور كل من روسيا وتركيا في رسم مستقبل سوريا، على حساب الدول الأخرى، كالولايات المتحدة وإيران والدول الخليجية شبه المغيبة، من جهة أخرى.
ولكن، وإن كان في هذا المسار للتطبيع بين النظامين التركي والسوري مصالح خاصة تسعى كل دولة منها إلى تحقيقها، بيد أنه توجد نقطة مهمة تتقاطع فيها مصالحها جميعًا، وهي: توافقها على تهديد مناطق الإدارة الذاتية ورغبتها المشتركة في القضاء عليها، لكون هذه الدول -ولا سيما تركيا ونظام الطغمة- تعادي بشدة طموح الشعب الكردي في انتزاع حقوقه القومية.
في مواجهة هذه الاصطفافات الجديدة للدول والنظام الحاكم في دمشق، التي -وفي جميع الأحوال- تأتي في تعارض تام مع مصالح الشعب السوري برمته، وتضحياته الهائلة من أجل حريته وكرامته، شهدت مناطق عدة من البلاد مظاهرات ووقفات احتجاجية على تلاعب الدول بقضية الشعب السوري وحقه في الحرية والاستقلال والعيش الكريم. إذ شهدت السويداء مظاهرات شعبية مستمرة منذ نحو شهر، لقيت صدى تضامنيًا معها في مظاهرات احتجاجية في مناطق الاحتلال التركي، وكذلك في مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، كما تشهد معظم المناطق السورية أشكالًا متعددة للاحتجاج والتعبير عن تذمرها المتزايد من الكارثة العامة التي تتفاقم، وتتحمل الجماهير الشعبية وحدها عبأها. هذا الحراك الشعبي المتجدد، وإن كان ما يزال ضعيفًا ومعزولًا، ولكنه يحمل بشائر إمكانية تطوره ونموه، ويحتاج إلى توحيده، وتوحيد مطالبه وديناميته، ويستدعي تنسيقًا أكبر على الصعيد الوطني، وهو ما نعمل عليه.
لا بد لنا من التذكير، بأنه في نضال السوريين من أجل تحررهم تتكرر خبرات سنوات كفاحهم، وأولها، أن على السوريين الاعتماد على أنفسهم، وتنظيم أنفسهم بأنفسهم وبناء أداتهم السياسية القادرة على قيادة هذا النضال باستراتيجية تحررية مستقلة تمامًا عن مصالح الضواري الإمبريالية الدولية والإقليمية المتدخلة في الوضع السوري.
في هذه الظروف الشاقة والصعبة الذي تخوض فيها الجماهير السورية نضالاتها في مناطق وجودها المتعددة، فإنها لا تفعل ذلك من العدم، لأنها تمتلك قوى وأحزاب ثورية وتحررية عدة، منها حزبنا، كما أن لها ساحة ارتكاز لكفاحها العام هي الإدارة الذاتية، المطلوب تطويرها. في خضم ومعمعة هذا الصراع العظيم لتصدح عاليًا الجماهير في سوريا : جين.. جيان.. آزادي (المرأة.. الحياة.. الحرية).
كانون الثاني/يناير 2022
اليسار الثوري في سوريا