
تقرير: ظلام عام.. الكهرباء في مناطق سيطرة نظام الطغمة
“جاءت الكهرباء”!، عبارة كهذه كفيلة لتعلن مغامرة وفرحة تدوم أقل من 60 دقيقة من الحياة بالنسبة إلى المواطن السوري، ينهي فيها جميع أشغاله بهذه الدقائق المعدودة، هكذا تصف دينا حداد (28 عامًا) من سكان ريف طرطوس رحلة حياة السوري في أثناء ساعة وصل الكهرباء.
في تلك الدقائق، بحسب “حداد”، يجب على السوري شحن مدخرات الإنارة، والجوالات، وتشغيل غسالة الملابس، وصولًا إلى تحضير الطعام باستخدام الأدوات الكهربائية، ومتابعة التلفاز، وتقليب سريع في منشورات وسائل التواصل الاجتماعي، علّه يذكره بأنه جزءٌ من عالم يعيش مرحلة من مراحل التطور التكنولوجي.
مع بداية فصل الشتاء تغير واقع الكهرباء، في طرطوس كغيرها من مناطق سيطرة نظام الطغمة، من سيئ إلى أسوأ، إذ زادت ساعات التقنين، وطالت فترات انقطاع الكهرباء أكثر.
تساءلت “حداد” باستياء: “هل يعقل أن نعيش أكثر من اثنين وعشرين ساعة دون كهرباء مقابل أقل من ساعتي وصل؟”.
بحسب “حداد”، فإن الاستحمام في ظل غياب الكهرباء وانعدام المحروقات، أمسى يوصف بأنه ”المعاناة الكبيرة”، حتى أن بعض الأسر وضعت جدولًا لدور الاستحمام، إذ بات حُلمًا لدى السوريين.
إثر ذلك، ضجت مواقع التوصل الاجتماعي، بمنشورات الكوميديا السوداء، وكتب أحدهم: “للبيع 20 ليتر مي (ماء) سخنة للاستحمام.. الليتر 1750 ليرة.. للجادين فقط”، في رسالة توضح حلم الوصول إلى الماء الساخن مع تردي وضع الكهرباء الذي حوَّل حياة غالبية السوريين إلى ظلام دامس، وعبث حقيقي.
لكن حكومة نظام الطغمة تولّت الرد على تردي وضع الكهرباء وتذمر الشارع السوري.
إذ برر وزير الكهرباء في الحكومة السورية، غسان الزامل، خلال اجتماع هيئة المكتب الاقتصادي في القيادة المركزية لحزب البعث الحاكم، أن سبب التراجع الحاد في التغذية الكهربائية يعود إلى “ارتفاع الحمولات نتيجة انخفاض درجة الحرارة إلى 40 بالمئة، إضافة إلى نقص توريدات الغاز وقصور عمل بعض محطات التوليد”.
مستقبل قاتم
كأن الظروف اللاإنسانية التي يفرضها نظام الطغمة على غالبية السكان لا حد لها، إذ يتخوف الكثير من سكان مناطق سيطرة نظام الطغمة من ازدياد ساعات التقنين خصوصًا بعد انخفاض درجات الحرارة، إذ يصل التقنين إلى سبع ساعات قطع، ويختصر سوريون ذلك الواقع بالمصطلح الشعبي “سبعة بلمعة“.
رغم تعالي أصوات السكان بتحميل نظام الطغمة وطبقته السائدة مسؤولية الفساد والخراب والنهب الذي أوصل إلى هذا المستوى المريع من الإهمال والنقص في تأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة و الخدمات الأساسية، فإن نظام الطغمة مستمر في الامعان بحربه الطبقية على الطبقات العاملة وعموم الكادحين.
أواخر الشهر الماضي، أصدر رئيس نظام الطغمة بشار الأسد، قانونًا جديدًا أدخل بموجبه تعديلات على قانون الكهرباء، يسمح بالاستثمار في ذلك القطاع.
تسمح تعديلات القانون لوزارة الكهرباء، بترخيص مشاريع المستثمرين الراغبين بالاستثمار في مشاريع التوليد التقليدية والمستقلة.
يقول يعقوب عبد المجيد (اسم مستعار) لمراسل الخط الأمامي في مدينة دمشق، إن هذا القانون يعد بداية الإعلان عن خصخصة قطاع الكهرباء، ولصالح طبقة الطغمة طبعًا.
مضيفًا: “أصبحت الكهرباء حكرًا على نظام الطغمة ودوائره المستفيدة. وصل هذا البلد إلى انقسام طبقي حاد جدًا، يجب على المتضررين أن يتضامنوا بوجه هذه الانقضاض على مصالح ومقومات حياة الطبقات العاملة والشعبية”.
في الوقت الذي لا تنقطع فيه الكهرباء ليلًا نهارًا عن أحياء وبيوت الطبقة البورجوازية للطغمة الحاكمة، أقر مدير المؤسسة العامة لتوليد الكهرباء في الحكومة السورية، علي هيفا، خلال لقاء مع إذاعة “المدينة إف إم” المحلية، أنهم يستطيعون تأمين الفيول لتوفير الكهرباء “إن كان المواطن السوري قادرًا على دفع 500 ألف عوضًا عن 5 آلاف ليرة”. دون أن ننسى أن شوارع المدن الكبرى في مناطق النظام ترتادها عشرة آلاف سيارة من أغلى وأحدث الماركات العالمية، تخص الطبقة الحاكمة، بينما تعاني غالبية الشعب السوري من القهر والفقر والبرد والظلمة.
قطاعات تتهاوى كأحجار الدومينو
لعل انعدام الكهرباء في مناطق النظام لم يقتصر على قطاع واحد، فقد انعكس على خدمات المياه والاتصالات.
يقول (م) من أبناء الريف الجنوبي لمدينة حماة “بسبب عدم وجود خطوط كهرباء خاصة تغذي الآبار، توقفت عملية ضخ المياه”.
انعكس الوضع أيضًا، بحسب ”م” على الاتصالات، إذ أصبحت شبه معدومة خلال اليوم بسبب عدم تأمين محروقات خلال ساعات التقنين الكهربائي الطويلة، وبذلك أمست حياة السكان تعسة وبدائية تفتقد لأبسط مقومات المعيشة من مياه وكهرباء واتصالات”.
في حين تعاني البلاد من أزمة اقتصادية حادة منذ سنوات طويلة، تشمل الوقود والطاقة والخبز، إضافةً إلى انهيار الليرة وسياسات النهب المستعر لنظام الطغمة وبعض أمراء الحرب، خصوصًا بعد فرض عقوبات دولية عليهم، ما عاد بآثار كارثية على كل مفاصل الحياة، وجعل غالبية الشعب على حافة المجاعة. لوقف هذا الجنون المدمر الذي يمارسه نظام الطغمة، تحتاج الجماهير الشعبية إلى تنظيم نفسها، والجرأة على المقاومة، رغم قساوة الشروط الراهنة.
الخط الأمامي