
40 عامًا على «صبرا وشاتيلا».. لا زال الدم ساخنًا
“يا ملوك العرب.. وينكن يا ملوك العرب؟”.. كانت صرخة العجوز الفلسطينية هي ما استفاق عليه العالم صباح 18 سبتمبر 1982. إلا أن الصرخة لم تجد من يرد عليها. كان ملوك العرب مشغولون ببطولة كأس العالم التي تأهلت لها الجزائر أخيرا، فلم يستفيقوا من نشوتهم الرياضية إلا على دماء ما يزيد عن 3000 شهيد فلسطيني ولبناني.
ما قبل المذبحة
منذ وطأت قدم وزير الدفاع الصهيوني أرييل شارون أرض ثاني عاصمة عربية تقع تحت الاحتلال، بيروت، عام 1982، شكلت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية “جمول”، التي ضمت مختلف الفصائل اليسارية والقومية اللبنانية، مفاجأة للعدو الصهيوني، الذي وصل لبيروت من الحدود الجنوبية دون مقاومة كبيرة تحت غطاء “جيش لبنان الجنوبي” الموالي لإسرائيل بقيادة سعد حداد، وقوات حفظ السلام الدولية المكلفة من الأمم المتحدة. إلا أن وصوله بيروت كان بداية لمواجهات نارية مع القوى المقاومة المشكلة حديثا، التي خاضت حرب شوارع بطولية رغم الحصار المطبق على بيروت الغربية، والذي ساعدت فيه قوى اليمين اللبناني خاصة حزب الكتائب اللبنانية، بقيادة بيار الجميل وابنه بشير الجميل.
دبلوماسيًا، كان ثمة ثمن لابد أن يُدفع لفك الحصار عن بيروت. فتم السير على خطين متوازيين. الأول عسكري وهو انسحاب كل المقاتلين الفلسطينيين من لبنان، وهو ما حدث بضغط أمريكي ولبناني مباشر من رئيس الحركة الوطنية وليد جنبلاط. والثاني سياسي وهو انتخاب بشير الجميل، الذي كان قد زار إسرائيل عدة مرات للتنسيق العسكري والمخابراتي معها، رئيسا للبنان.
عقب انسحاب المقاتلين الفلسطينيين، تمركزت قوة من المارينز الأمريكي والجيشين الفرنسي والإيطالي في بيروت لضمان أمن عائلات المقاتلين. وكان ذلك قبل أيام من مقتل بشير الجميل في انفجار مقر حزب الكتائب وسط بيروت بعد أقل من أسبوعين من انتخابه، تحديدا يوم 14 سبتمبر 1982.. وفجأة أعلنت القوة الدولية لحفظ السلام انتهاء مهامها في لبنان رغم أنها كانت مقررة بستة أشهر.
بداية المجزرة
بحجة لبنانية بالانتقام لمقتل بشير الجميل، وأخرى إسرائيلية بملاحقة عدد من المقاتلين الفلسطينيين المختبئين في مخيم صبرا وشاتيلا.. بدأ حصار المخيم مساء 15 سبتمبر 1982، الذي يسكنه لاجئون فلسطينيون وفقراء لبنانيين. وعلى الرغم من غموض الكثير من تفاصيل المجزرة، إلا أن معظم القصص تجمع على أن الحصار وإضاءة المخيم بالقنابل المضيئة نفذته القوات الإسرائيلية بقيادة ميدانية مباشرة من قائد الأركان رفائيل إيتان ووزير الدفاع أرييل شارون. بالإضافة لميليشيات جيش لبنان الجنوبي. أما تنفيذ المجزرة فكان مسؤولية الذراع العسكري لحزب الكتائب اللبنانية حينها، “القوات اللبنانية” بقيادة إيلي حبيقة.
لأكثر من 72 ساعة، بقي المشهد ثابتا.. مقاتلو القوات اللبنانية يغتصبون النساء ويعذبون الأطفال والرجال ويقتلون الجميع.. ثم يهدمون البيوت على الجثث. ويعتقلون من قد يكون لديه معلومة ما، فيسلموه للقوات الإسرائيلية المرابطة عند حدود المخيم. وانتهت المجزرة، مخلفة ورائها ما يتراوح بين 2500 و3000 شهيد.. والكثير من تفاصيل الخطف والقتل والتنكيل. لدرجة أنه حتى يومنا هذا لا زالت العديد من الأسر تأمل معرفة مكان بعض المفقودين في المجزرة.
على جثث الضحايا
انتهت المجزرة بعد الأيام الثلاثة بما بدأت عليه.. الكثير من خطابات الشجب والإدانة، ولا أكثر. لم يتحرك أي مسئول عربي عندما ملأت صرخة العجوز الفلسطينية شاشات الإعلام الأجنبية. حتى أن في فلسطين المحتلة نفسها تظاهر العديد من الإسرائيليين خوفا من أن يكون لحومتهم “يد في المجزرة”.. وقام الكنيسيت الإسرائيلي بتشكيل لجنة “كاهان” التي حمّلت شارون والمتعاونين اللبنانيين معه المسئولية. أما في لبنان، فتوج إيلي حبيقة، وزيرا عامي 1992 و1996، قبل أن يلقى حتفه إثر انفجار غامض استهدفه عام 2002.
رغم مرور 40 عامًا على مجزرة صبرا وشاتيلا، إلا أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لا زالوا يعانون الأمرين. من حصار لبعض المخيمات مثل “عين الحلوة” وأنقاض “نهر البارد” و”البداوي”. إلى القوانين المحلية التي تمنعهم من العمل في عشرات الوظائف، غير استبعادهم من العديد من حقوق التأمين والضمان الاجتماعي. لم تكن المجزرة هي البداية ولم تكن النهاية. ففي لبنان كما في مصر، يُصور الشعب الفلسطيني كشيطان يسعى لسلب حقوق الآخرين واستيطان أراضيهم.. رغم أن العدو الحقيقي واضح وعلى مرمى حجر منّا جميعًا.
الاشتراكيون الثوريون