
إن شعوب العالم ستدفع في حروب جديدة وثورات جديدة ثمن الجرائم التاريخية التي ارتكبها الإصلاحيون.
تروتسكي، الثورة المغدورة/
في وصفه للمثقفين و المروجين و المعجبين بتجربة الاتحاد السوفياتي (رأسمالية الدولة ) في زمن ستالين و بجملة ثانية بما معناه أن الاتحاد السوفياتي يحصل على المركز الأول من حيث عدد الحفاة
الإصلاحية
الإصلاحية بتعريف بسيط هي تنظيمات سياسية واجتماعية وإعلامية تسعى إلى تحسين أو تعديل النظام القائم من داخله، عبر إصلاحات تدريجية (مثل سنّ قوانين جديدة أو تحسين الخدمات أو توسيع بعض الحقوق)، دون السعي لتغييرات جذرية للنظام القائم، وفي أغلب الأحيان لا تتطرق للبعد الطبقي لا في التحليل ولا في السعي للتغيير.
في معنى أكثر دقة، في أحسن أحوالها تدافع عن شكل قد يبدو ديمقراطيًا بالشكل، لكنه يوازن بين السلطة وتجارها وأدواتها وبين أكثرية الشعب (عمال، فلاحين، صغار الكسبة)، بحيث تكون متطلبات التغيير وقتية ومتدرجة على أنها مكاسب، وليست حقوقًا بديهية.
هي مسك العصا من المنتصف أمام مكتسبات هامشية على الأغلب لا تغيّر شيئًا جذريًا بالنسبة للأكثرية.
النموذج السوري قبل الثورة
قبل انطلاق الثورة السورية عام 2011، كان القمع هو الأداة الوحيدة لأي حركة فردية أو جماعية تدعو لتغييرات جذرية أو حتى ديمقراطية في بنية النظام. فقد تم اعتقال مئات آلاف السوريين من توجهات مختلفة: إسلاميين، شيوعيين، وقوميين، وحتى بعثيين رأوا سوريا بعين مختلفة عن النظام، طوال سنين حكمه.
وبالتوازي مع كل ممارسات النظام القمعية، كانت الجبهة الوطنية التقدمية (1972) هي التحالف الذي جمع العديد من الأحزاب “الاشتراكية” و”القومية” و”الديمقراطية” تحت قيادة حزب البعث، بهامش لا يُذكر من الامتيازات وحرية التنظيم العلني.
فقد مُنعت هذه الأحزاب من النشاط العلني في مؤسسات الدولة والمدارس والمعامل والجيش، بينما القيادة والدولة للبعث حسب نص القانون رقم 8 لعام 1973، وحتى يوم سقوط النظام.
لهذه الأحزاب مقاعد محدودة في البرلمان وسقف سياسي لا يمكن تجاوزه تحت سقف “الوطن” (البعث). طوال 52 عامًا لم تكن سوى واجهة سياسية للنظام الحاكم، تعيش على فتات ما يمنح لها من النظام البائد وتقدمه للمجتمع وللخارج كنظام تشاركي تقدمي وديمقراطي. كما دافعت عنه أمام خصومه باعتبارها “حليف” وليس تابع، ولم يغيّر شيئًا من مواقف هذه القوى لا مجازر حافظ الأسد ضد السوريين، ولا مجازر الوريث.
ثورة 2011 وبروز التنسيقيات
التنسيقيات كانت الشكل التنظيمي البدائي للجماهير التي شاركت بالمظاهرات و أشكال المقاومة السلمية لنظام الطغمة.
هذه التنسيقيات لم تأخذ شكل التنظيم السياسي، بقدر ما كانت شكلًا تنظيميًا لوجستيًا يتطور مع تطور الحراك الشعبي والظرف الموضوعي للمكان.
بدأت التنسيقيات بتحديد وقت ومكان المظاهرة وتغطيتها إعلاميًا بالإمكانيات المتاحة، وصولًا للعمل الإغاثي: تأمين أماكن للعيش وسبل الحياة للمهجرين من المناطق التي كانت تتعرض حينها لحملات عسكرية.
ومع ازدياد القمع والتدمير الممنهج، بدأ يظهر على المستوى الداخلي تنظيمات بأسماء “التنسيقيات” أو أسماء أخرى تعمل بتمويل خارجي تحت صفة دعم الثورة السورية، حيث بدأت بإجراء دورات تدريبية أغلبها في تركيا (اسطنبول وغازي عنتاب).
دور التمويل الخارجي
في كثير من الحالات، لم يكن التدريب محايدًا، بل كان يُقدَّم ضمن إطار يتماشى مع الخط التحريري للجهة المانحة أو الصحيفة المستقبلة للمحتوى، بالإضافة للشكل الأكاديمي.
بالتالي، يتحول الناشط الصحفي في كثير من الحالات إلى أداة تدعم رواية ورؤية الممول، لا حقيقة ما يجري على الأرض. ومع تدريب آلاف الناشطين، تصبح رواية وعقلية الممول هي الأكثر انتشارًا.
المعارضة الخارجية التقليدية
المعارضة التي تشكلت بناءً على إرادة وتوازنات دولية لم تعبّر بشكل حقيقي عن الجماهير الثائرة. ابتداءً من المجلس الوطني، ومن ثم الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية، الذي تحول مع مرور الزمن لمؤسسة متخشبة مبنية على الفساد والصراعات الداخلية والولاءات للدول، وبالأخص تركيا، التي بقيت الداعم الأساسي وصاحبة الأرض التي تحتوي مقر الائتلاف.
ما بعد انهيار نظام الأسد
مع صعود هيئة تحرير الشام للسلطة بصفتها من حرّر سوريا من نظام الأسد، وخلعها ثوب السلفية الجهادية، وجدت أمامها جيشًا من الإصلاحيين المدربين على الانضباط تحت إطار يتماشى مع “خط التحرير”: صحفيين، سياسيين، مثقفين، يتحدثون عن إصلاح الأخطاء والمحافظة على الدولة الجديدة.
وفي الوقت الذي ترتكب فيه جرائم ممنهجة: مجازر طائفية مصوّرة، اعتداءات يومية على كرامة وحرية السوريين/ات، طرد عشرات الآلاف من وظائفهم، وبناء سلطة الشيوخ في كل المفاصل و على رأسها الجيش الطائفي ، و أستخدام كل المنابر حتى الرسمية منها في الحشد الطائفي و العشائري … تتحدث طبقة الإصلاحيين عن المشاريع الاستثمارية القادمة!
تنتقد عدم تنظيم السير وخطأ مترجم على التلفزيون الرسمي، وتحتفل بسياسي جلس جانب الوزير الجديد، وبأقل الحقوق الممنوحة من السلطة “المحرِّرة”.
وتروّج وتطلب من الجماهير الاحتفال معها ، و تنشر الخوف و الرعب من تغيير رأس السلطة لكونه حامي السوريين من رجاله ! ، والانتظار، وترك سياسات الدولة لأصحابها، مكرّرين تجربة الجبهة الوطنية التقدمية في النظام البائد ، دون اكتمال أركانها حتى الآن، لكون السلطة الجديدة لم تعترف حتى بالإصلاحيين ولم تشاركهم حتى بالشكل الصوري، ما عدا بعض “اليوتيوبرز” الذين يشكلون واجهة السلطة.
اليسار الثوري: الموقف والمهام
منذ البداية، تشكل تيار اليسار الثوري على أساس التنظيم من الأسفل، من منطلق الدفاع عن حقوقنا نحن، الأكثرية الساحقة في سوريا: طبقة العمال والكادحين ، تيار اليسار الثوري شارك ويشارك منذ انطلاقه و بكل الامكانيات المتاحة ثورة السوريين وحياتهم اليومية و نضالهم على الديكتاتورية و الاستبداد
يهدف التيار إلى مناهضة جميع أنواع الاستبداد والاستغلال عن طريق بناء حركة جماهيرية واعية بموقعها الطبقي، تناضل للوصول إلى مجتمع أكثر عدالة اجتماعية وحرية وكرامة، لا تراهن إلا على النضال الشعبي والعمالي لتحصيل الحقوق كحقوق، لا كمنحة.
مهمتنا في كل وقت ومكان وبكل الأساليب أن نكون ليس فقط عثرة في وجه أدوات الهيمنة الثقافية للسلطة (إصلاحيين، إعلام…)، بل علينا أيضًا السعي لمزيد من التنظيم، لأن أعداءنا منظمون جدًا، ولا يمكن مواجهة التنظيم إلا بالتنظيم.
نقابات مستقلة , لجان أحياء منتخبة , اعلام شعبي
تنظموا… تنظموا في تيار اليسار الثوري
كل الثروة والسلطة للشعب.
الرفيق مصطفى عرعور
