
تيار اليسار الثوري في سوريا
غياث نعيسة
(أخذ من الحوار المتمدن- العدد: 6155 – 2019 / 2 / 24)
تبلور خلال النقاشات، ومتابعة المواقف، مع عدد من السياسيين المعارضين ” الديمقراطيين” العرب السوريين تجاه الموقف من مناطق الإدارة الذاتية، أن مواقفهم تندرج تحت عدة عناوين يمكن اختصارها بالتالي:
1. الموقف الاعتزالي: هنالك عدد من المناضلين الديمقراطيين واليساريين الجيدين والمحترمين، الذين توصلوا إلى نتيجة مفادها أن كل المتصارعين في سورية سيئين، ولا يوجد طرف جيد، ولا يوجد أصلاً في الوضع الراهن ما يمكن فعله. وكفا الله المؤمنين شر القتال، فجلسوا ينتظرون ما تأتي به الأيام. ولا يمكننا تسميتهم، مع كثير من المبالغة، بالمعتزلة، لأن الأخيرين كانوا نشطين وفاعلين سياسياً في زمانهم. بينما جماعة اليوم يمكن أن نطلق عليهم صفة الانتظاريين السلبيين.
2. هنالك آخرون، لسان حالهم التالي: لتأتي الحركة الكردية( لأن الإدارة الذاتية بالنسبة لهم كردية فقط) وتتبنى البرنامج الوطني ، يقصدون برنامجهم، وما نقوله لهم، حينها لكل حادث حديث. وبشيء من التمعن تجد أن القائل إما تابع لمعارضة تابعة لتركيا، مثل الائتلاف وأمثاله، وإما شخص وحيد أمضى السنوات الماضية متنقلاً بين هيئات المعارضة الفاشلة والتي تفككت، وأن سألته من أنتم وما هو برنامجكم، تسمع اجتراراً لخطاب لم يعد له حامل سياسي. أشخاص تبحث ، وتستجدي، عن دور ومكان ومنصب جديد لها لدى الادارة الذاتية ، أو غيرها، بنفس الممارسة الانتهازية التي تميزت بها هذه الأشخاص في السنوات الثمانية الماضية، لا أكثر.
3. هنالك، مجموعات سياسية، رغم هشاشتها وضعفها، والتباس مواقفها خلال الثورة، مثل هيئة التنسيق وغيرها كحزب الشعب وآخرين من المعارضة العربية، تعاني من مرض الشوفينية القومية، فهؤلاء ، مثلاً، يفضلون الأحزاب الكردية التابعة لتركيا أو البارزاني عن الاتحاد الديمقراطي، الحزب الأكبر في مناطق الإدارة الذاتية، والسبب الحقيقي لموقفهم هو اعتقادهم بأن حزب الاتحاد الديمقراطي يملك مشروعاً سياسياً مستقلاً وغير تابعاً لدولة، بينما الأحزاب الكردية التابعة للبرزاني أو تركيا، فلا تملك من قرارها شيئاً .
هكذا الشوفينية القومية عندهم تشكل مرضاً مزمناً، لديهم صعوبة في التخلص منه. لكن لا بد من محاولة مساعدتهم في الشفاء منه أو التخفيف من غلوائه. هنالك مجموعات صغيرة، منعزلة تعتقد أنها تمتلك نصاب الحقيقة في كل ما تفعله وتقوله، كانت مع التدخل الأمريكي في بداية الثورة وأصبحت ضده مع هزيمة الثورة، كانت ليبرالية جداً في بداية الثورة وأصبحت تجتر خطابا ماركسياً متحجراً، ولا سيما أنها تضم ماركسيين سابقين أصبحوا ليبراليين متشددين إضافة الى “ليبراليين” لا يعرفون ماهيتهم، دخلوا إلى الائتلاف ونهلوا من خيراته وكانوا من عوامل تفسخه حتى مات فغادروه.
مزيج من الدوغمائية والانتهازية المفرطة. لا وجود أو نفوذ فعلي لهم، لكنهم يطالبون بتغير في شمولية نظام الإدارة الذاتية و”تحديد التخوم”، قبل بدء حوار مع الإدارة الذاتية… ما زالوا أسرى وهم أن “الكلام ” له قوة الفعل. ما ننصه بهم بداية ، انهم يحتاجون أولا إلى أن يطبقوا على أنفسهم ما ذكروه في بيانهم أن يدركوا ” تخومهم” هم أنفسهم قبل أن يحاوروا الاخرين، وأيضا ينطبق عليهم ما ذكروه عن ماركس” ليس المهم ما تقوله بل ما تفعله”. بعد ذلك يمكن ، وبتواضع، فتح حوار مع الإدارة الذاتية.
4. هنالك أفراد ثورية مخلصة ونزيهة، تفتقر للتكوين السياسي الصلب، ولكنها نتيجة الأفكار الموروثة، والتهييج الشوفيني من قبل كلا من نظام الطغمة والمعارضة المذكورة، يعتقدون فعلاً بأن مشروع الإدارة الذاتية هو مشروع انفصالي لتقسيم سوريا، ويعتقدون أن الحركة الكردية بشكل أو بآخر ” عميلة” لكل من أمريكا والنظام، في نفس الوقت. وأن الكرد يدعمون النظام وبقائه. في حالات هؤلاء نجد مزيج من الموقف الغرائزي وغياب الوعي والتحليل العلمي، ولا بد من نقاشهم بهدوء وروية، دون ضمان نتيجة ايجابية بالضرورة. يغيب عنهم وعن غيرهم، أن الإدارة الذاتية ومشروعها وبقائها، هو العامل الوحيد اليوم، بعد هزيمة الثورة السورية، الذي يمنع امكانية استمرار النظام الاستبدادي، وأن وجودها هو الضمان الوحيد اليوم لتغيير ديمقراطي في بلادنا، وأن وجود الإدارة الذاتية هو الذي منع انشطار البلاد وتمزقها إلى إمارات ومشايخ، كما كان الحال في الأعوام الخمس الماضية ، والحال الذي هي عليه إدلب اليوم.
من لم يدرك بعد أن مشروع الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، هو ملجأنا الوحيد اليوم وعتلة كفاحنا المشترك لتحرر كل السوريين وإعادة توحيد البلاد على أسس ديمقراطية لا مركزية ، من لم يدرك ذلك بعد ليتنحى قليلاً ، بعد أن ساهم في هزيمة الثورة، أمام مشروع استنهاض كفاح السوريين مجدداً ضد نظام الطغمة وإحياء روح الثورة الشعبية السورية ومطالبها بالحرية والكرامة والمساواة، ونظام ديمقراطي لا مركزي واجتماعي جديد ، حجر الزاوية فيه هو الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا. من يرغب بمتابعة الكفاح التحرري وإحياء الثورة، يجد فيها البوابة لذلك، ولا مكان اخر. فتعالوا!
