اللحظة الراهنة من الثورة السورية
تيار اليسار الثوري في سوريا
11/9/2011
-
غياث نعيسة
-
(أخذ من الحوار المتمدن- العدد: 3483 – 2011 / 9 / 11)
-
أثار التحول النسبي في الخطاب الرسمي للحكومة الإيرانية وبعض التحول في خطاب حزب الله في دعوتهما للحوار بين الحكومة السورية والمعارضة من أجل الإصلاحات في سورية ، والجلجلة الدبلوماسية من تركيا الى قطر وروسيا وأخيراً إلى الجامعة العربية ومبادرتها الأخيرة حول سوريا ، إلى عدة تساؤلات تخص الواقع السوري.
-
كما شهدت الدوحة عدة اجتماعات للمعارضة السورية برعاية قطرية ، تسارعت بالأخص بعد زيارة أمير قطر لإيران، تسعى إلى لململة العديد من أطراف المعارضة العديدة والمختلفة في إطار واحد باسم المجلس الوطني أو ما أشبه، لينطق باسم المعارضة السورية كلها.
ما الأمر وماذا يجري؟
-
يشير الواقع على الأرض ، أن الانتفاضة الشعبية السلمية السورية وبعد ستة أشهر من اندلاعها وبالرغم من التضحيات الهائلة التي قدمتها في مواجهة آلة القتل للسلطة الدكتاتورية لم تسقط النظام الدكتاتوري بعد ، وأن النظام ما يزال يحتفظ باحتياطي للعنف والقتل كبير جداً .
-
ورغم ذلك فان الانتفاضة السورية الرائعة ما تزال مستمرة ولن تتوقف رغم كل أشكال القهر والقمع التي تمارسها الطغمة الحاكمة. إنه وضع ثوري مستمر، بمعنى أن الشرائح الشعبية لم تعد تقبل أن تحكم كما كانت من قبل ، وأن الشرائح الحاكمة لم تعد تستطيع أن تحكم كما كانت تفعل من قبل، والشرائح الوسطى في حالة تأرجح بين الاثنين ، وإن بدأت تميل الى الشرائح المنتفضة.
-
من جهة النظام ، فإنه وإن كان لم يسقط بعد إلا أنه أصبح أكثر ضعفاً بكثير ، كما إنه فقد شرعيته داخلياً ويتعرض إلى حالة من الإدانة الدولية لممارساته الوحشية ، ولم يستطع – ولن يستطيع- أن يسحق الانتفاضة الشعبية المستمرة.
-
في حين إن ردود فعل الدول الامبريالية والأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات الدولية إضافة إلى القوى الإقليمية لم يكن أبداً يعبر عن قرار اتخذته بإسقاط النظام السوري بقدر ما إن ردود فعلها النقدية تجاه النظام هي نتيجة لصعوبة استمرارها بالصمت على مجازر النظام السوري بحق المدنيين بعد أشهر طويلة ، فأصدرت عدداً من العقوبات والتصريحات النارية، ولأنها وجدت فيها فرصة سانحة لها لفرض شروط علاقاتها بالنظام الحاكم . ولكنها في الأسابيع الأخيرة عادت إلى ما يشبه الصمت.
-
ليس بوسع أي عاقل إلا أن يلحظ أن ما يسمى بالمجتمع الدولي(القوى الامبريالية) والقوى الاقليمية أعطت وما تزال تعطي النظام مهل متواصلة لإخماد الانتفاضة الجماهيرية، على حساب بحار من الدماء والآلام لجماهير الشعب السوري.
-
لهذا يأتي تحول خطاب الحكومة الإيرانية والروسية وحلفائهما بإقرارهما بحق الشعب السوري بالحرية من جهة وبضرورة الحوار بين النظام السوري الحاكم والمعارضة ، من جهة أخرى، ليضعهما في موقع الوسيط في عملية الحوار هذه ، وقد اندفعت بعض أوساط المعارضة للتعامل مع هاتين الحكومتين على هذا الأساس والمساعي القطرية تندرج في السياق نفسه.
-
وعلى ما يبدو، فإن الهدف الواضح من التوافقات الروسية –الإيرانية –القطرية هو جر المعارضة (وإلى حد ما طمأنة النظام الذي يرفض حتى الآن أي نوع من أنواع التنازلات الشكلية) إلى حوار يسمح بإيجاد مخرج للمأزق الذي وقعت فيه الطغمة الحاكمة في سوريا ، ويمنع انهيار النظام السوري وإنقاذ أسسه مع إدخال بعض التعديلات عليه وخاصة فيما يخص بمشاركة المعارضة في الحكومة.
-
في المقابل ، تشهد المعارضة السورية غلياناً كبيراً يشمل إعادة التحالفات والمؤتمرات وخرائط الطرق للخروج من (الأزمة) ، وإن كان لهذا تفسيره بعد غياب طويل للنشاط السياسي بسبب الاستبداد ، لكن شعوراً سائدا بدأ يغزو الخطاب السياسي المعارض هو أن تشكيل تحالف ناطق وحيد باسم المعارضة (مجلس انتقالي أو ما شابه ذلك) هو شرط للنصر(كذا) . لكن ، ولكثرة ما أعلن عن تشكيل مجالس وفشلها أصيب الوسط المعارض وحتى الثائرين الميدانيين بنوع من الاحباط . والحقيقة هي أن تشكيل صوت واحد ناطق باسم المعارضة (الموحدة) هو بالدرجة الأولى مطلب اقليمي ودولي وليس شرطاً لتقدم الانتفاضة أو انتصارها.
-
كما أنه يبدو، من خلال فشل كل المحاولات السابقة، أن تحقيق تحالف يضم الجميع ليس بالضرورة ممكناً . ولعل ما هو مطلوب وأجدى هو نوع من ائتلاف لقوى الثورة الفاعلة على الأرض حول عدد من المبادئ والأسس المشتركة ، والأهم هو توحيد كافة الجهود في نضالات مشتركة على الأرض من أجل اسقاط الدكتاتورية، وليس المطلوب بالضرورة تشكيل أطر سياسية جديدة وإضافية للمؤتمرات واللقاءات التلفزيونية والاعلامية، لأن فكرة توحيد الجميع في إطار واحد كناطق رسمي ووحيد(على طريقة منظمة التحرير الفلسطينية) قد لا يكون ممكناً ولا نعتقد أنه ضروريا. المهم معرفة من؟ ومن أجل ماذا؟ وخاصة، كيف؟ لأن المعارضة تضم أصواتاً مختلفة بعضها يدعو للحوار مع السلطة(وإن كان ببعض الشروط) وأخرى تدعو إلى مرحلة انتقالية مع النظام وثالثة تدعو الى اسقاط النظام ، وهنا أيضا هل يكون الاسقاط بفعل الشعب السوري وحده(سلمياً أم مسلحاً) أم بتدخل عسكري خارجي؟ أم باستراتيجية ثورية تسمح للجماهير السورية بإسقاط النظام وبناء سلطتها الديمقراطية، وهذه الاستراتيجية الاخيرة هي ما تفتقر له الثورة الشعبية السورية حتى الآن، وليس كما يشاع الإعلان عن هذا المجلس أم ذاك.
-
والحال، فإن التفات التنسيقيات الميدانية والثوريين على الأرض نحو المعارضة لتوحيد نفسها إنما ينبع من احتياجها المذكور أعلاه لاستراتيجية عملية وواضحة لإسقاط النظام الدكتاتوري ، واعتقاد بعضهم أنه بإمكان قوى المعارضة تقديمها.
-
غير أنه ، وبعد ستة أشهر من اندلاع الانتفاضة الجماهيرية العفوية، أدرك الثوار أن حاجتهم الماسة إلى هذه الاستراتيجية الثورية التي تسمح بانتصار الثورة قد لا توفرها قوى المعارضة التقليدية، التي تلف وتدور حول قضية غير جوهرية هي لزوم توحيد نفسها بأي ثمن وكيف ما كان.
-
وفي كل الاحوال ، وفي هذه اللحظة التي يمارس فيها النظام الاستبدادي بوحشية كل أنواع القتل والتنكيل والقهر بحق الجماهير المنتفضة ، وفي الوقت الذي لم تحقق فيه الانتفاضة الشعبية بعد ميلا ًواضحاً في موازين القوى لصالحها، ما يجعلها الطرف الأقوى في الصراع ، فإن أي حوار مع هذه الطغمة الدموية لن يكون إلا إذعاناً واستسلاماً لها ولشروطها وخيانة للثورة ولتضحيات جماهير شعبنا المنتفضة.
-
إننا ندعو إلى توحيد اليسار السوري المنخرط في الثورة في إطار نضالي موحد ليكون أكثر تأثيراً وفعالية في دعوته إلى ضرورة القيام منذ الآن ببناء أجنة بنى الحكم الشعبي الثوري من الأسفل من خلال بناء مجالس او تنسيقيات العمال والفلاحين والأحياء والجنود وغيرها، بحيث تدير قضايا النضال اليومي والحياة اليومية للمناطق المعنية، ومراكمة سلسلة من الاضرابات وأشكال العصيان المدني وصولاً إلى الاضراب العام الجماهيري . مع الدعوة إلى قيام حكومة شعبية ثورية، تعبر عن مصالح الشرائح الشعبية العريضة، نابعة من هذه المجالس والتنسيقيات من اجل اسقاط النظام الدكتاتوري والدفع بالسيرورة الثورية إلى مآلاتها.
