الحرب على غزة تصعّد حدة التناقضات داخل المجتمع الاستيطاني الصهيوني ودولته
– أصبحت الحرب والعملية العسكرية في غزة -المستمرة إلى يومنا هذا-، عاملاً أساسياً في الأزمة السياسية والاقتصادية والعسكرية التي يعاني منها الاحتلال الإسرائيلي.
– تاريخياً, كان الاحتلال الإسرائيلي (عندما تتصاعد تناقضاته الداخلية واضطراباته السياسية) يتخذ من الحرب على غزة أحد سبل حل أزماته الداخلية والتعامل مع تناقضاته الذاتية، أما الآن فقد انقلبت تلك العلاقة وأصبحت معاكسة لما كان عليه الوضع تاريخياً.
فمنذ طوفان الأقصى, ومجريات الحرب تلعب دوراً مفاقم لأزمات الاحتلال الداخلية وتزيد من استعصاء تناقضاته الذاتية, بدلاً من أن تكون الحرب سبيلاً لتصديرها ومحاولة حلها.
– تدعي دولة الاحتلال “ظاهرياً” أنها تريد (من خلال الحرب على غزة) تحقيق عدد من الأهداف، ومنها:استعادة الأسرى بالقوة العسكرية: أظهرت مجريات الحرب أن هذا الهدف عالق في تناقض يستحيل حله: فالعملية العسكرية لم تؤدي (في سياق هذا الهدف) إلا إلى مقتل عدد من الأسرى الاسرائيليين، وأكدت أن الحرب هي الوسيلة المناقضة تماماً لتحقيق هذا الهدف. وأدى استعصاء ملف الأسرى, إلى تحويله لملف مهم في (الاستثمار السياسي) من قبل الأقطاب الصهيونية المتصارعة على السلطة , وإلى نمو حدة التناقضات داخل المجتمع الاستيطاني الصهيوني وداخل دولته ، (القطب الصهيوني المنافس للقطب الذي يمثله نتنياهو) استثمر بذوي المحتجزين ودفعهم للخروج في مظاهرات واحتجاجات تنادي بعقد صفقة عاجلة لاستعادة أبناءهم أحياءً، ووقف مؤقت للعملية العسكرية على غزة بهدف الحفاظ على حياة بقية الأسرى، ووصلت مطالب بعضهم إلى تنحي (نتنياهو ) عن الحكم، واتسعت رقعة هذه الاحتجاجات عندما أعلن رئيس الوزراء لدولة الاحتلال, عن تجميد المفاوضات في القاهرة (بخصوص اتفاق الهدنة ووقف اطلاق النار وعقد صفقة تبادل مع حماس)، مؤخراً تراجع الاحتلال عن قراره وأرسل للوفد الاسرائيلي الى باريس لاستئناف المفاوضات.
– أي أن: استخدام ملف الأسرى كذريعة لاستمرار الحرب, وفشل تحقيق الهدف عسكرياً, ومن ثم استثمار الفشل سياسياً بين الخصوم داخل كيان الاحتلال, أدى إلى تعزز التفكك والانقسام بين الأقطاب الصهيونية داخل الدولة, وبين الدولة الصهيونية الاستيطانية ومجتمعها.
– الهدف الآخر: انهاء وجود المقاومة الفلسطينية في غزة:- قام الاحتلال بإصدار تصريحات -منذ بداية الحرب- تدعي تحقيق تقدم كبير في غزة، ويتمثل هذا التقدم في التمكن من تفكيك مجموعات للمقاومة الفلسطينية في معظم مناطق قطاع غزة، وإعلانه عن بدء استعداد الجيش الاسرائيلي للتوجه الى منطقة رفح من أجل استكمال تحقيق أهداف الحرب، لكن هشاشة التصريحات وخلوها من الاثباتات أدى الى تراجع مستوى ثقة المجتمع الصهيوني الاستيطاني والأقطاب الصهيونية والامبريالية العالمية والمحلية في حكومة الاحتلال الحالية. والسؤال الذي يطرح هل انتهى وجود المقاومة في شمال القطاع وهل قضى عليها في الوسط وفي خان يونس؟
– يكذب الاحتلال فتجيب المقاومة على هذا السؤال, بالتصريحات المدعمة بالإثباتات التي تنفي كل الإنجازات الوهمية التي أعلن عنها الاحتلال، وتثبت أن المقاومة ما تزال تتحكم بمجريات الحرب, بمعنى ان المقاومة مستمرة في دك جيش الاحتلال واغراقه في طين غزة, وبالتالي اثبات عدم قدرة الاحتلال على تحقيق أي هدف من أهداف الحرب المعلنة، وتأكيد أن العملية العسكرية تعرض حياة ما تبقى من الرهائن في يد المقاومة الفلسطينية إلى مزيد من الخطورة واستمرار تضخم عداد موت الأسرى واستمرار تدمير قطعان الجيش الإسرائيلي على أيدي المقاومة.
– يسعى (القطب الصهيوني الامبريالي) من خلال قرار رفض وقف اطلاق النار والرغبة في استمرارية العملية العسكرية في غزة ,لتحقيق مكاسب تعود على ذاك القطب بالمنفعة (وتستخدم الأسرى كذريعة, والمفاوضات كإلهاء), وأهم هذه الأهداف هي محاولة إعادة الاستيطان إلى غزة وتوسيعه في الضفة والإمعان في الإبادة الجماعية والتهجير القسري، إضافة إلى تلبية رغبات الطغمة المالية العالمية الامبريالية وامتداداتها في دولة الاحتلال في استمرار الحرب أطول فترة ممكنة ، فاستمرار الحرب يشكل عامل جوهري في استمرار وجود دولة الاحتلال ومجتمعها الاستيطاني واستمرار هيمنة رأس المال المالي الإجرامي العالمي الذي يشكل جوهر الامبرايلية العالمية (القطب الأمريكي -الأوروبي) والتي تشكل إسرائيل حربته الأساسية في ذبح الشعوب المضهدة تنتهج دولة الاحتلال سياسات مخادعة داخلياً وخارجياً,في إطار محاولتها اليائسة لتخفيف من حدة التناقضات البنيوية داخل مجتمع الاحتلال التي تتعمق كلما استمرت الحرب, وبين تنفيذ مهمتها في إطالة أمد الحرب لخدمة مصالح الامبريالية العالمية في إطار محاولته البائسة باستمرار هيمنتها العالمية أحادية القطب.
إن قرار استمرار الحرب هو ليس قرار فردي متعنت من نتنياهو (الابن الضال للديموقراطية البرجوازية الصهيونية) , بل هو قرار القطب الصهيوني الامبريالي الذي تشكل أمريكا مركزه وإسرائيل رأس حربته , وهذا الصراع الإعلامي بأبواقه وتظاهراته ما بين القطب للصهيوني الذي يريد الحرب بذريعة استعادة الأسرى, والقطب الصهيوني الذي يريد الحرب ولكن بعد استعادة الاسرى, ما هو إلا تناقض على مستوى الشكل لا على مستوى المضمون , ولا يتجاوز ظاهرة النزاع الانتخابي في أمريكا بين ترامب وبايدن , فكلاهما إمبريالي صهيوني وتنافسهم الانتخابي يفرض عليهم الدخول في سباق تحت عنوان, من هو الأكثر صهيونية؟ تلك الإشكاليات التي تُضخم إعلامياً ,هي جزء من الدعاية الصهيونية التي تحاول اختزال مشكلة دولة ومجتمع الاحتلال بوجود نتنياهو وسياساته, وأن إسرائيل دولة ديموقراطية قابلة للحياة كدولة طبيعية ديموقراطية مسالمة وأن الرأي العام الاسرائيلي قادر على التأثير وإيجاد الحلول لتلك الدولة والمجتمع الديموقراطي؟….
وتُظهر الدعاية الصهيونية, النزاعات بين بعض أعضاء الحكومة الصهيونية الحالية، أنها نتيجة للقرارات التي يصدرها رئيس حكومة الاحتلال بعيداً عن الاستشارات، أو دون مشاركة مجلس الحرب والمجلس الوزاري المصغر (الكابينيت )، وأن بعض الوزراء والأعضاء في هذين المجلسين يرى هذه القرارات بأنها تقود اسرائيل إلى الهاوية, وعملياً تدرك كل الأقطاب الصهيونية المختلفة بالمصالح الذاتية و المرتبطة موضوعياً بمصير القطب الصهيوني الامبريالي , أن دولة الاحتلال قد أُدخلت في الهاوية فعلاً منذ 7 أكتوبر ,ولا تملك وسيلة للخروج منها إلا من خلال أطول حرب ممكنة , وأكبر إبادة وأوسع تهجير فتفكك دولة الاحتلال ومجتمعه الاستيطاني الصهيوني على علاقة جدلية بتفكك المنظومة الرأسمالية العالمية , والصراع ما بين الإمبرياليات الصاعدة والهابطة يوفر اللحظة التاريخية الأهم لتفكك الصهيونية العالمية المرتكزة على هيمنة القطب الإمبريالي الواحد، واعتراض قطب صهيوني على “سياسات نتنياهو” هو في إطار نزاع (صهيوني/ صهيوني) حول من يحق لها ممارسة “الواجب المقدس” بإبادة الفلسطينيين ليحصد الأرباح المأمولة في الانتخابات القادمة ويحظى بدور جزار الصهيونية القادم تحاول إسرائيل استدراك فشلها السياسي والعسكري والاقتصادي من خلال محاولة إرغام المقاومة في غزة على التنازل عن مكتسبات الواقع الجديد الذي فرضه طوفان الأقصى من خلال الخسارة السياسية بالمفاوضات تحت ضغط الوسطاء والابتزاز بالإبادة الجماعية (وهي ورقة الضغط الوحيدة لدى الصهيونية).
وبالتالي كيف سيحل الصهاينة هذه المعادلة: لا مخرج لإسرائيل والامبريالية الداعمة لها إلا من خلال حرب طويلة الأمد, ولكن الحرب طويلة الأمد تحمل خطر تفكك وسقوط دولة الاحتلال.
محسن موسى بدوي / فلسطين _ فرات السياب / سوريا
