
شهدت الأشهر الأولى من هذا العام منعطفًا ملحوظًا في عملية التطبيع بين الأنظمة في الإقليم. بين تركيا والعديد من الأنظمة العربية التي كانت في صراع معها، وكذلك بين إيران والسعودية. وترافق ذلك مع تسارع عملية تطبيع الأنظمة العربية (الأصح أغلبها) مع النظام السوري، وما رافقه من قدوم المسؤولين العرب إلى دمشق، ومسؤولي الأخيرة إلى عدد من العواصم العربية. ما يعطي لسياسة تطبيع أنظمة الإقليم مع النظام الحاكم في دمشق سمة الجدية والديمومة. هذا التطبيع لازمه مزيد من الإجراءات التمهيدية لعقد لقاء يرجح أنه سيعقد بين رئيسي النظامين التركي والسوري بعد إعلان نتائج الانتخابات التركية القريبة.
لا يخفف تحفظات عدد من الأنظمة العربية، وهي الأقلية، على إعادة النظام السوري إلى حضن الجامعة العربية من حقيقة أن النظام السوري عاد إلى إطار النظام الإقليمي العربي الرسمي إلى حد كبير، وعودته إلى الجامعة العربية، سيكون لها طابع رمزي وشكلي أكثر منه فعلي حقًا.
يجري ذلك في سياق ما سبق لجريدتنا أن أشارت إليه، بمعنى أن الصراع العالمي الدائر بين الإمبرياليات يدفع بالدول الإقليمية إلى تجميد صراعاتها بانتظار أن تتجلى صورة النظام العالمي الجديدة. يضاف إلى ذلك أن الأنظمة في منطقتنا تعمل ما في وسعها على إغلاق حقبة الثورات عليها، وهي تواجه في ذلك صعوبات جمة، لأن أسباب ودوافع الثورات الشعبية التي اندلعت قبل نحو عقد لم تحل بعد بل تفاقمت، وكابوس الأنظمة من الثورات لن يغيب عنها ولمرحلة طويلة.
اكتفت ردات فعل بعض القوى المعارضة والمثقفين السوريين تجاه عملية التطبيع الجارية مع نظام الطغمة السوري، بإصدار بيانات وعرائض تتوسل الأنظمة العربية أن لا تطبع مع النظام السوري، لأنه “مجرم” قتل شعبه، وكأن الأنظمة العربية الأخرى لم تفعل ذلك. متناسين أن الأنظمة لا تتعامل بالعواطف، بل بالمصالح، وأن الأنظمة العربية كافة، مثلها مثل النظام السوري معادية لشعوبها، والفرق فيما بينها ينحصر بعدد قبور ضحاياها.
أيضًا، ارتفعت عقيرة وسائل إعلام النظام ومواليه، بأنه انتصر، وأن هذا التطبيع سيحسن أحوال غالبية السوريين المنهكين من الحرب والقهر والجوع والعوز. وحقيقة الأمر خلاف ذلك تمامًا، فأي انتصار هذا والبلاد مقسمة والسوريون يعانون من التشرد والبؤس، في حين تنهب طغمة ضيقة ما تبقى من خيرات. خير مثال على أن هذا النظام عصي على التغيير وعاجز عن تحسين أحوال السوريين، هو ما فعله، مؤخرًا، بالمساعدات الإنسانية التي وصلت إلى مناطق النظام بعد الزلزال، وكيف سطا عليها نظام الطغمة وتجاره لصالحهم، ليعاد بيع معظمها للناس بأسعار باهظة. هكذا نظام يفرط بسيادة الشعب السوري على أرضه وسيادته ويستدعي المحتلين إليها، ويسرق رمقة خبزه، إنما هو نظام غير مؤهل إطلاقًا، لا على استعادة وحدة البلاد ولا على إصلاح ذاته، فما بالكم بتحسين أحوال السوريين.
في الوقت عينه، أصدرت الإدارة الذاتية في شمال سوريا وشرقها إعلانًا يعبر عن وجهة نظرها لحل سياسي ديمقراطي يخرج سوريا من الكارثة الراهنة.
شكل هذا الإعلان حدثًا هامًا، إذ أكد على الطابع السوري العام (الوطني) لمشروع الإدارة الذاتية وعلى تمسكها بحل يحقق سلميًا انتقالًا ديمقراطيًا ووحدة سوريا أرضًا وشعبًا، وعودة كل النازحين والمهجرين إلى ديارهم، ما يسمح بدمج قوات سوريا ضمن المنظومة الدفاعية للنظام الديمقراطي القادم.
تشكل هذه المبادرة حدثًا محوريًا، تحظى بدعمنا، وندعو إلى تبينها بوصفها الموقف السياسي البديل المرحلي في وجه مسار تعفين الوضع السوري، عوضًا عن التباكي والتوسل الذي تقوم به المعارضة المرتهنة، غير المجدي أصلًا، لدى كافة الأنظمة لوقف تطبيعها مع النظام.
يحتاج الشعب السوري إلى التقاط أنفاسه، وأن يعيد تنظيم نفسه وقواه السياسية الديمقراطية واليسارية، فالتحديات الكبرى ما تزال أمامنا وليست خلفنا، وحزبنا يقف بحزم في خضم هذا الصراع دفاعًا عن مصالح الشعبية السورية في كل أماكن وجودها.
تيار اليسار الثوري في سوريا
نيسان/أبريل 2023