
تفترض الليبرالية أن الفرد حرّ، وله حرية الاختيار… ولكن هذه الحرية زائفة ومزيفة فالفرد في المجتمع الليبرالي قبل أيّ شيء هو مستهلك يُفرض عليه ما سيستهلكه مع حمله على الاعتقاد (إيهامه) بأنه حر في هذه العملية.
الفرد في المجتمع الليبرالي حر ظاهرياً ومستلب ضمنياً فعلى جميع الأصعدة مصيره ليس في يده وقراره ليس بيده فكل شيء مرسوم له وهو دوماً وأبداً “يجب أن يكون ويجب أن يملك”، إنه موضوع مفعول به لا ذات فاعلة.
الفرد في المجتمع الليبرالي هو إنسان مَدين، والاقتصاد الليبرالي والنيوليبرالي قائم على “اقتصاد الديّن” أي على علاقة ثنائية “دائن-مدين” على حد تعبير عالم الاجتماع الإيطالي موريزيو لازارتو في كتابه “صناعة الإنسان المدين”، الفئة الدائنة هم أقلية (الطبقة الحاكمة حلفائها من الرأسماليين) والفئة المدينة هم الأكثرية (عامة الشعب).
ولازارتو لم يقدّم قراءة اقتصادوية بحتة للمجتمع الليبرالي بل تحليل من منظور ماركسي يربط بين الاقتصاد والفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس، فيقول:” لا يمكن فصل الإنتاج الاقتصادي عن إنتاج ومراقبة الذاتية وأنماط وجودها”، وهذا الاقتصاد القائم على الديون (دائن ومدين) يعتمد بشكل كبير على إعادة تشكيل الفرد نفسياً وسلوكياً واجتماعياً كي لا يكون فرد حرّ وإنما فرد مستهلك، لا بل فرد مفرط في استهلاكه.
فبعد أن كان الإنسان يُنتج ويستهلك وفقاً لحاجاته الأولية الضرورية أصبح الاستهلاك بحد ذاته حاجةً، ثم تطورت الحاجة لتصبح متعةً، متعةٌ في الشراء والاختيار، ومتعةٌ في التملك والاستحواذ.
مع التطور الرأسمالي ظهرت تحولات كبيرة في ثقافة الاستهلاك، حيث انتقل نموذج الاستهلاك التقليدي الذي كان يعتبر سلوك المستهلك هو سلوك عقلاني مدروس يقود الفرد كي يجمع المعلومات عن السلعة ثم يشتريها لامتيازاتها الوظيفية، إلى نموذج أوسع يتعامل مع عملية التسوق والاستهلاك باعتبارها سلوكًا ثقافيا يُعبّر عن نظرية مادية للحياة ترتبط بالحاجة للتميّز واكتساب المكانة الاجتماعية المرموقة من خلال التملّك.
عزام أمين