
يصل مصرف “سيليكون فالي” الأميركي إلى مرحلة الإفلاس تحت وطأة طلبات السحب الكثيفة للمودعين، فكيف حدث ذلك؟
شهد مصرف سيليكون تضخمًا في حجم الودائع عام 2021، إذ بلغت قيمتها 189 مليار دولار، فقد استثمر بكثافة في سندات الخزينة التي كان مردودها منخفضًا جدًا، بسبب تدني سعر فائدة الأساس قبل عامين.
في نهاية العام 2022، بلغت قيمة سندات استثماراته 91.3 مليار دولار، أما مجموع أصوله فوصلت إلى 209 مليار، وقيمة الودائع كانت في حدود 175.4 مليار دولار.
أعقب ذلك بدء الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأميركي) رفع الفائدة، ما جعل المودعين يرغمون على سحب قسم من ودائعهم لتغطية النفقات المترتبة على خدمة ديونهم، وسط قلق من ركود اقتصادي يلوح في الأفق.
اضطر المصرف أيضًا إلى تسييل قسم من استثماراته، ليعلن الأربعاء الماضي عن خسارة ضريبية بقيمة 1.8 مليار دولار.
في اليوم نفسه، أعلنت مجموعة “سيليكون فالي بنك المالية” أنها بصدد جمع 2.25 مليار دولار من طريق بيع الأسهم، فضلًا عن بيع سندات من محفظتها الاستثمارية بقيمة 21 مليار دولار.
بلغ العائد الاستثماري في محفظة المجموعة نسبة 1.79 بالمئة، وهو أقل من عائد سندات الخزينة الأميركية لعشر سنوات البالغ 3.9%، ما أدى إلى تكبد خسارة 1.8 مليار دولار، فاضطرت المجموعة إلى التوجه إلى السوق لجمع استثمارات جديدة ببيع أسهم.
لم تجر الأمور كما اشتهى المدير التنفيذي للمصرف، المستثمرون فقدوا الثقة، واشتموا رائحة الإفلاس، وسارعوا بتوصية من شركات استثمارية (أبرزها “فاوندرز فندز”)، لسحب أموالهم؛ سواء ببيع الأسهم التي هوت قيمتها 60% أولًا، ثم 20% بعد إقفال البورصة يوم الخميس، أو بسحب الودائع، أو نقلها إلى مصارف أخرى، مثل بريكس وفيرست ريبابليك.
إثر ذلك، انهار البنك تحت وطأة طلبات السحب الكثيفة، ووضع تحت الحراسة القضائية بعد أقل من 48 ساعة من بدء أزمته.
مصرف “سيغنيتشير” يفلس أيضًا
في الوقت ذاته أقفل مصرف سيغنيتشير، وهو أحد مصرفين أميركيين تتعامل معهم شركات العملات المشفّرة نتيجة إفلاس بنك سيليكون فالي وفقدان الثقة بقطاع التكنولوجيا وبسلامة أوضاع المصارف المتعاملة مع الاستثمارات غير المحسوسة.
ليكون بالنتيجة ثاني مصرف أميركي يفلس في غضون بضعة أيام، وهو الثالث منذ إفلاس “واشنطن ميوتشوال” الأميركي في 2008، وبلغت قيمة الودائع في “سيغنيتشر” في نهاية العام الماضي نحو 89 مليار دولار.
يُشار إلى أن السلطات الأميركية كانت قد اتخذت قرارًا الجمعة الماضية، بإغلاق مصرف “سيليكون فالي” وفرضت عليه رقابتها، حتى إعادة فتحه الإثنين باسم جديد، إثر عجزه عن أداء حقوق عملائه، مما أحدث حالة شديدة من القلق والذعر في الأسواق العالمية.
يتزايد القلق لدى بعض المسؤولين التنفيذيين والمستثمرين بالقطاع المالي من أن يكون لانهيار مصرف “سيليكون فالي” تأثير الدومينو على المصارف الأخرى في الولايات المتحدة، ما لم تجد الجهات التنظيمية مشتريًا مطلع هذا الأسبوع لحماية الودائع غير المؤمنة.
تدخلت الإدارة الأميركية، أمس الأحد، بسلسلة من تدابير الطوارئ لتعزيز الثقة في القطاع المصرفي بعدما أنذر إفلاس بنك “سيليكون فالي” بإثارة أزمة ممنهجة على نطاق أوسع.
بعد مطلع أسبوع حافل بالأحداث، قالت الجهات التنظيمية الأميركية إن عملاء البنك المفلس سيتمكنون من الوصول إلى ودائعهم بدءًا من الإثنين (الماضي)، كما أنشأت الجهات التنظيمية منشأة جديدة حتى يمكن للمصارف الحصول على تمويلات الطوارئ.
اتخذ مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) قرارًا للتيسير على البنوك والاقتراض منها في حالات الطوارئ.
سيلكون فالي من الوادي إلى المجرور

بات بنك سيلكون فالي في كاليفورنيا أكبر بنك يفلس منذ الأزمة المالية التي حصلت عام 2008. الإنهيار المفاجئ الذي صدم الأسواق المالية، أدى إلى خسارة الشركات والمستثمرين مليارات الدولارات.
استقبل البنك ودائع المودعين وقدم قروضاً لشركات أساسية عاملة في قطاع التكنولوجيا الأميركي. تعمل المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع الآن كوكيلة قضائية. المؤسسة هي وكالة حكومية مستقلة تؤمن الودائع المصرفية وتشرف على المؤسسات المالية، ما يعني أنها ستصفي أصول البنك لتعويض زبائنه، من بينهم المودعين والدائنين.
ماذا حصل لهذا البنك؟ هل هي حالة منفردة أو إنذار لانهيارات مالية آتية؟ كان الدافع هو إعلان البنك عن بيعه بخسارة سندات الدين التي استثمر فيها، وزيادة رأس ماله بمقدار 2،25 مليار دولار بهدف تحقيق التوازن في موازنته العامة. ما أثار حالة من الذعر في أوساط شركات التكنولوجيا الأساسية في كاليفورنيا التي كانت قد أودعت أموالها في البنك وقد أسرعت لسحب أموالها منه. فانهار سعر سهم الشركة، ما أدى إلى هبوط أسعار البنوك الأخرى. وتوقف التداول بأسهم البنك الذي تخلى، في الوقت عينه، عن مساعيه الرامية إلى رفع رأس المال أو البحث عن مشترٍ، ما أدى إلى سيطرة المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع عليه.
على الرغم من أنه غير معروف نسبياً خارج أوساط سيلكون فالي، إلا أن البنك كان ما زال ضمن أكبر 20 مصرف تجاري في أميركا (تحديداً البنك السادس عشر)، وبحسب المؤسسة الفيدرالية لضمان الودائع بلغ مجموع أصوله 209 مليار دولار خلال العام الماضي. وهو أكبر بنك يفلس منذ إفلاس واشنطن موتيول، الذي أفلس خلال الأزمة المالية عام 2008. وعلى العكس من بعض المعلومات، إن بنك سيلكون فالي ليس عادياً. فقد قدم الخدمات لحوالي نصف شركات الرعاية الصحية والتكنولوجية الممولة من رأس المال المغامر في الولايات المتحدة. احتفظ البنك بأموال “الرأسماليين المغامرين” (أي الذين يستثمرون في الشركات الناشئة الحديثة).
لكن البنك استثمر من خلال الودائع النقدية التي ضَمنها، وقدم في بعض الأوقات قروضاً خطرة لمؤسسي شركات التكنولوجيا، سواء قروض شخصية لهم أو لشركاتهم. ولكن استثماراته بدأت تعاني من العجز. راهن البنك على شراء سندات حكومية أميركية آمنة مسبقاً. في هذا الوقت، وعندما بدأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي دورته في رفع أسعار الفائدة من أجل “التحكم بالتضخم”، انخفضت قيمة هذه السندات الحكومية بشكل كبير وبدأ العجز يظهر في ميزانية البنك. وعندما أعلم البنك الأوساط المالية أنه كان يبيع هذه السندات بخسارة لقاء السحوبات النقدية من زبائنه، بدأ التهافت إلى البنك. وبعد فشله في الحصول على أموال إضافية من خلال بيع الأسهم، كان على البنك إعلان إفلاسه ووضع نفسه تحت وصاية المؤسسة الفيدرالية لضمان الوادئع.
يرفض البعض فكرة أن إفلاس البنك سيكون مؤشراً لأزمة مالية شاملة. إذ أعلن رئيس أبحاث الأسهم الأوروبية في أموندي، سياران كالاهان “كان البنك صغيراً، وقاعدة ودائعه محصورة للغاية”. وتابع قائلاً: “لم يكن مستعداً لتدفق الودائع، ولم يكن لديه النقد الكافي لتغطية مدفوعات الودائع، وبالتالي أرغم البنك على بيع السندات، ما أدى إلى زيادة رأس ماله وخلق العدوى. إنها حالة معزولة وخاصة للغاية”. لذلك، سيكون حالة فريدة من نوعها.
ولكن هل هذا ما حصل فعلاً؟ في الحقيقة، يعود انهيار البنك إلى سياق أشمل، وعائد إلى زيادة شديدة في أسعار الفائدة من قبل [نظام] الاحتياطي الفيدرالي خلال السنة المنصرمة. عندما كانت الفوائد قريبة من الصفر، سارعت البنوك، مثل بنك سيلكون فالي، إلى شراء سندات الخزينة الطويلة الأمد التي بدت أنها منخفضة المخاطر. ولكن عندما رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة لـ”محاربة التضخم” تراجعت قيمة تلك الأصول، ما أوقع بالبنوك خسائر غير محققة.
كما أثر ارتفاع أسعار الفائدة للغاية على قطاع التكنولوجيا، ما أدى إلى تراجع قيمة الأسهم في القطاع، وجعل صعباً جمع الأموال. لذلك بدأت شركات التكنولوجيا في سحب ودائعها النقدية من البنك لدفع فواتيرها.
وعلق كبير محللي السوق في أواندا، إد[وارد] مويا: “كان الجميع في وال ستريت يعلمون أن حملة رفع سعر الفائدة التي فرضها الاحتياطي الفيدرالي ستؤدي إلى كسر شيء ما، والآن تضررت البنوك الصغرى من ذلك”. التشقق الآخر في الجدار المصرفي هو عملات الكريبتو. حيث أجبر بنك عملات الكريبتو، سيلفرغايت، على تصفية أعماله بعد انهيار أسعار البيتكوين والعملات الكريبتوية الأخرى.
كما أعلن المؤسس الشريك لمجموعة كلاروس، كونراد ألت: “تعكس التحديات المؤسساتية التي يواجهها البنك مشكلة ممنهجة أوسع وأكثر انتشاراً: فالقطاع المصرفي يقوم على أطنان من الأصول ذات المردود الضعيف والتي، وبفضل العام الأخير حين رفعت أسعار الفائدة، تراجعت قيمتها- وهي في طريقها للانهيار. يقدر ألت أن رفع أسعار الفائدة “قد قضى فعلياً على 28 بالمئة من مجمل رأس المال في القطاع المصرفي عند نهاية العام 2022”.
قد يكون إفلاس البنك حالة فريدة النوع، ولكن الانهيارات المالية تبدأ دائماً عند الأضعف أو الأكثر تهوراً. المسألة تتعلق ببنك وقع في قبضة أزمة قريبة الحدوث: انخفاض الأرباح في قطاع التكنولوجيا وانخفاض أسعار الأصول بسبب ارتفاع أسعار الفائدة. أثبت البنك، الذي بلغت أصوله حوالي 209 مليار دولار والذي تركز زبائنه ضمن شركات جديدة في مجال التكنولوجيا، أنه معرض على نحو خاص لتأثير أسعار الفائدة المتزايدة على نحو سريع. ولكن خسائر البنك، في مبيعات السندات تتكرر عند الكثير من المصارف الأخرى. فقد أعلنت المؤسسة الفيدرالية لضمان الوادئع أن البنوك الأميركية تخسر 602 مليار دولار على شكل خسائر غير محققة في محافظ الأوراق الخاصة بها.
خلال ذلك، وبعد أن استمرت أرقام الوظائف الأخيرة في إظهار “ضِيق” سوق العمل، يبدو أن الاحتياطي الفيدرالي على استعداد لمواصلة رفع أسعار الفائدة بشكل أسرع وأعلى مما توقعه المستثمرون الماليون. في شهادته امام الكونغرس الأميركي خلال الأسبوع الماضي، أوضح رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جاي باول: “العمالة، وإنفاق المستهلكين، والانتاج الصناعي والتضخم قد أظهرت بشكل جزئي الاتجاهات الضعيفة التي رأيناها في البيانات المنشورة قبل شهر فقط”. كما أفاد المعلم الكينزي ووزير الخزانة السابق، لاري سومرز: “علينا أن نستعد لمواصلة فعل ما هو ضروري لاحتواء التضخم”. ومن المحتمل أن يؤدي ما حصل [مع بنك سيلكون فالي] إلى انهيار أجزاء من قطاع البنوك والشركات.
GARY HIGGINS / BOSTON BUSINESS JOURNAL
—
نشر النص “سيلكون فالي من الوادي إلى المجرور” في مدونة الكاتب بتاريخ 11 آذار/مارس 2023
النص هو للخبير الاقتصادي الماركسي مايكل روبرتس حول إفلاس بنك سيلكون فالي الذي أقلق القطاع المالي الأميركي والعالمي وأثار مخاوف من حصول أزمة مالية جديدة.
—وقد قامت مدونة كتابات وترجمات مشكورة بترجمته