
مقاضاة جلّادي الأسد.. المؤبد لسفاح اليرموك ومحاكمة طبيب في ألمانيا
في قرار جريء، حكمت المحكمة الإقليمية في العاصمة الألمانية برلين في 23 من فبراير/شباط 2023، على الفلسطيني السوري موفق دواه، بالسجن مدى الحياة، لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سوريا عام 2014.
إذ وجهت لـ “دواه” تهمة إطلاق قذيفة صاروخية على مدنيين فلسطينيين في أثناء تجمعهم لتسلم مساعدات إنسانية داخل مخيم اليرموك جنوب العاصمة دمشق، خلال فترة الحصار في مارس/آذار 2014، ما أسفر عن مقتل وجرح عدد منهم.
انضم “دواه” الذي يلقب بسفاح اليرموك، في بداية الثورة السورية إلى اللجان الشعبية، التي كانت تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، وقد ساندت قوات الأسد في حربه ضد السوريين.
تمكنت الشرطة الألمانية من اعتقال موفق دواه في أغسطس/آب 2021، ووجهت له تهمًا بارتكاب جرائم اعتقال وتعذيب وعنف جنسي بحق المدنيين على الحاجز الذي كان يترأسه في مخيم اليرموك بدمشق.
جاء الحكم بعد تقديم شكوى إلى السلطات الألمانية من قبل ضحايا “دواه” في مخيم اليرموك، بعد تسببه باعتقال ابن امرأة مقيمة في الأردن، من حاجز المخيم.
اعتمد قرار الاتهام على الأدلة وشهادات الضحايا المدعين والشهود التي جمعها المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية (SCLSR) وبدعم كبير من المركز الأوروبي للدستور وحقوق الإنسان (ECCHR).
كان المتهم عضوًا في مليشيات “الجبهة الشعبية – القيادة العامة” التي يقودها أحمد جبريل، وبعدها في مليشيات “فلسطين حرة” بقيادة المدعو ياسر قشلق التابعة للنظام السوري.
أكد القرار أنه شارك منذ بداية المظاهرات والاحتجاجات الشعبية في مخيم اليرموك، بقمع المظاهرات وضرب واعتقال المتظاهرين السلميين.
بعدها، شارك “دواه” في السيطرة على المخيم وإخضاع المدنيين وبحصار المخيم ومنع الدواء والغداء عن سكانه، مما أدى لوفاة عشرات المدنيين.
وكان كذلك مسؤولًا عن نقطة تفتيش في مدخل مخيم اليرموك، عند دوار “البطيخة” جنوب دمشق، بعد أن جرى إقرار هدنة في بداية عام 2014 من أجل دخول بعض الأغذية والأدوية لسكان المخيم عبر منظمة الأونروا التابعة للأمم المتحدة.
وفي 23 مارس/آذار 2014 استهدف “دواه” عمدا تجمعًا لمدنيين يحاولون تسلم الدعم الغذائي منها، بإطلاق قذيفة سلاح مضاد للدبابات عليهم مما أدى لمقتل سبعة على الأقل وجرح العشرات.
في مرافعته الختامية، تطرق المدعي العام لكل شهادات الشهود، مؤكدًا، بما لا يدع مجالًا للشك، أن المتهم هو من أطلق القذيفة، وطلب الحكم عليه بالسجن المؤبد أو بالسجن خمسة عشر عامًا دون إمكانية إطلاق سراحه.

محاكمات مماثلة
وينضم هذا الحكم الجديد في إطار محاسبة المتورطين من نظام الأسد بقتل السوريين، إلى أحكام سابقة جرت على الأراضي الألمانية لضباط وعناصر وموظفين في نظام الأسد.
إذ سبق لمحكمة كوبلنز الألمانية أن حكمت على الضابط السابق في جهاز الاستخبارات التابع لنظام الأسد أنور رسلان بالسجن المؤبد، في 13 يناير/كانون الثاني 2022.
وعدت المحاكمة حينها سابقة عالمية في محاسبة نظام الأسد على جرائم التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.
لجأ رسلان البالغ من العمر 59 عامًا إلى ألمانيا بعد فراره عام 2012 من سوريا، وقد بدأت محاكمته في 23 أبريل/نيسان 2020 أمام محكمة كوبلنز بتهمة تعذيب معتقلين في مركز احتجاز سري تابع للنظام السوري في العاصمة دمشق.
هذا الضابط السابق في جهاز أمن الدولة متهم خصوصًا بالضلوع في قتل 58 شخصًا، واغتصاب آخرين وتعذيب نحو 4 آلاف معتقل في السجن التابع لقسم التحقيقات – الفرع 251، والمعروف باسم “أمن الدولة – فرع الخطيب”.
كان رسلان محور أول محاكمة في العالم تختص بفظائع متهم بارتكابها نظام بشار الأسد عقب اندلاع الثورة السورية.
لكن برلين، خطت خطوة جديدة في هذا المسار القانوني، لمحاكمة هؤلاء السوريين المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في بلدهم، عبر تطبيق المبدأ القانوني للولاية القضائية العالمية الذي يسمح لقضائها بمحاكمة مرتكبي الجرائم الخطرة، بصرف النظر عن جنسيتهم أو مكان ارتكاب الجرائم.
ومن نتائج ذلك، وفي سابقة تاريخية، أعلن القضاء الألماني، في 24 فبراير/شباط 2021، أول حكم ضد عسكري سابق في استخبارات نظام الأسد يدعى إياد الغريب، وجرت محاكمته في قضية تتعلق بانتهاكات نسبت إلى نظام بشار الأسد.
وحكمت محكمة كوبلنز الإقليمية العليا، على السوري الغريب (44 عامًا) بالسجن أربع سنوات ونصف السنة لإدانته بـ “التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية”.
وأدانته بالمشاركة في اعتقال ثلاثين متظاهرًا على الأقل في دوما بريف دمشق، في سبتمبر/أيلول أو أكتوبر/تشرين الأول 2011، ونقلهم إلى مركز احتجاز تابع للاستخبارات.
كان الغريب مسؤولًا في أدنى مستويات الاستخبارات السورية، قبل أن ينشق عام 2012، ويهرب في نهاية المطاف من سوريا في فبراير 2013.
وقد وصل في 25 أبريل/نيسان 2018 إلى ألمانيا بعد رحلة طويلة في تركيا ثم في اليونان ولم يخف ماضيه يومًا.
وعندما روى الغريب رحلته الشاقة للسلطات المسؤولة عن البت في طلب اللجوء الذي قدمه، أثار اهتمام القضاء الألماني ما أدى إلى اعتقاله في فبراير 2019، ولا سيما أنه كان تحت إمرة ابن خال بشار الأسد والمقرب منه حافظ مخلوف المعروف ببطشه بحق السوريين عقب الثورة.

شكاوى في أوروبا
كما حاكمت السلطات الألمانية، الطبيب السوري علاء موسى المختص بالجراحة العظمية والمنحدر من محافظة حمص، ويبلغ من العمر 36 عامًا.
وجهت إلى موسى اتهامات بتعذيب مدنيين في أثناء عمله طبيبًا في سجن عسكري يتبع لنظام الأسد ومستشفيات في محافظتي حمص ودمشق بين عامي 2011 و 2012.
ألقت السلطات الألمانية القبض على موسى الذي غادر سوريا، منتصف عام 2015، ووصل إلى ألمانيا على غرار مئات آلاف السوريين آنذاك، في يونيو/حزيران 2020.
اتهم الشخص المذكور بتعذيب المعتقلين وحرق أعضائهم التناسلية خلال عمله طبيبًا في مستشفيات عسكرية تابعة للنظام السوري، وتسبب بوفاة العشرات.
بدأت جلسات محاكمة “موسى”، في 19 يناير/كانون الثاني 2022، ورجح مدير “المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية” أنور البني، أن يصدر الحكم النهائي بحقه، عام 2023.
للمفارقة، فإن الطبيب علاء موسى مارس مهنته في ألمانيا، قبل أن يتعرف عليه عدد من ضحاياه أو أقاربهم، ويقوده عمله إلى المحاكم.
تشكل الفظائع المتهم بارتكابها النظام السوري محور شكاوى عديدة في أوروبا رفع القسم الأكبر منها ناشطون سوريون فروا من بلدهم ولجأوا إلى القضاء الفرنسي أو الألماني أو السويدي أو النمساوي. كذلك، رفعت دعاوى ضد نظام الأسد تتهمه بشن هجمات بأسلحة كيميائية.
في يونيو/حزيران 2020 أعلنت المنظمة الألمانية غير الحكومية “إي.سي.سي.إتش.آر” أن سبعة سوريين ممن تعرضوا للتعذيب أو ممن شهدوا عمليات اغتصاب واعتداءات جنسية في مراكز احتجاز تابعة لنظام الأسد، تقدموا بدعوى قضائية.
تستهدف هذه الدعوى خصوصًا تسعة من كبار المسؤولين في جهاز “المخابرات الجوية”، بينهم الرئيس السابق للجهاز (عام 2019) جميل حسن المقرب من بشار الأسد.
وهذا الأمر الذي دفع ألمانيا وفرنسا إلى إصدار مذكّرتي توقيف دوليتين بحق حسن. كذلك قدمت شكاوى في النمسا والنرويج، وأيضا السويد التي أصبحت في العام 2017 أول بلد يدين قضاؤه عنصرًا سابقًا في قوات النظام بجرائم حرب.
وفي السويد، تقدمت أربع منظمات غير حكومية في أبريل 2021 بشكاوى قضائية ضد الأسد وعدد من كبار مسؤولي النظام إثر هجومين كيميائيين وقعا في عامي 2013 و2017.
وتواصل “آلية دولية” مكلفة بتسهيل التحقيقات في أخطر الانتهاكات للقانون الدولي المرتكبة اعتبارًا من مارس 2011، عملها في جمع الأدلة لتسهيل محاكمة المتورطين. وكانت الأمم المتحدة قد أنشأت هذه الآلية نهاية العام 2016.
كل ذلك مؤشرات على أن الجناة والمجرمين، من كل أطراف الثورة المضادة، بحق شعبنا لن يفلتوا من العقاب أينما كانوا وفي أي وقت كان. وأن الخوف الذي ساط به النظام كل صوت حر قد غير من موقعه، فليرتعد السفاحون والطغاة، والعدالة الكبرى ستكون حينما تقوم جماهير شعبنا، بإقامة عدالتها، في ثورتها الاجتماعية القادمة، ليحل مكان الخوف والقهر الحرية والمساواة والعدل.
المصادر:
1
ألمانيا.. السجن المؤبد للفلسطيني موفق دواه لارتكابه جرائم حرب في سوريا
2
“أعطى أخي حبة قتلته فوراً”.. شهادة جديدة ضد الطبيب السوري علاء موسى
3
النيابة الألمانية تطلب السجن مدى الحياة لضابط سوري سابق متهم بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية
4
بيان صحفي حول قرار الحكم بحق المتهم موفق. د