
23/8/2008
▫️”لا يمكن فهم المستوى السياسي إلا باعتباره مجال التنظيم الاجتماعي”
ج.م فنسان (الدولة المعاصرة والماركسية).
▪️لم تعر الحكومة السورية في نهاية العام الفائت أدنى اهتمام بالاحتجاجات والمطالبات التي صدرت عن هيئات وشخصيات عديدة، ومنها المقربة لها، تطالبها بأن لا ترفع الدعم عن العديد من المواد الغذائية وأيضا عن المواد النفطية.
▪️بل قامت وبتعنت واضح برفع أسعار هذه المواد بشكل مذهل في بداية العام الجاري. وهذا ما كان متوقعاَ، فالحكومة السورية، بخلاف ما يعتقد البعض، هي من بين افضل تلامذة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في منطقتنا، وسياساتها في لبرلة متسارعة للاقتصاد السوري أثارت إعجاب هذه المؤسسات الرأسمالية الكبرى. لدرجة أن دبلوماسيا بريطانيا كبيرا أعرب عن إعجابه “بالإصلاحات الاقتصادية الجارية في سوريا التي لا تلغي حقيقة وجود خلافات سياسية”.
▪️في الواقع، إن التحولات الاقتصادية – الاجتماعية التي تشهدها سوريا في السنوات الثمانية الماضية هي من الأهمية لدرجة كبيرة، لأنها تمثل أنموذجاَ لصيرورة انتقال إلى “اقتصاد السوق” توشك أن تنجز َ. وهذه العملية تمت بسرعة ملحوظة فاقت ما حصل في بلدان أخرى مجاورة مثل مصر أو غيرها.
▪️حقاَ، لقد جرى، خلال السنوات الماضية، نقل سوريا من مرحلة “رأسمالية الدولة” إلى مرحلة دولة رأسمالية “متخلفة” تقليدية، ولكن وفق الوصفات الليبرالية الجديدة و”المتوحشة”. وحققت الحكومة السورية هذا التحول الكبير بوتيرة عالية وبأقل ما يمكن من ردود الفعل الجماهيرية.
▪️ومن أهم سمات هذا التحول هو إنجاز السلطة لما يمكن أن نسميه “خصخصة” الطبقة المالكة السورية، ولا سيما الشق الأساسي منها وهو القسم “البيروقراطي” الذي راكم ثرواته من خلال النهب والفساد بفضل احتكاره للسلطة السياسية، وكان أقواها بفضل إضعافه لأقسام البرجوازية الخاصة منذ استلام البعث للسلطة عام 1963 ولغاية عام 1991 حيث بدأت بشكل خجول عملية تعزيز مواقع هذه البرجوازية الخاصة، من جديد، من خلال قانون الاستثمار رقم 10، مما سمح له بضخ أمواله واستثمارها مجدداَ في قطاعات التصنيع أو الخدمات أو التجارة، ليصبح هو نفسه قسم تقليدي من أقسام البرجوازية الخاصة.
▪️لهذا يمكن اليوم الحديث عن طبقة برجوازية خاصة سورية قوية متعددة الأقسام ولكنها طبقة سائدة ومالكة وحاكمة تشبه شقيقاتها في الدول الرأسمالية “المتخلفة”، بل قد تبز بقوتها وديناميتها شقيقاتها في دول عربية أخرى مثل مصر أو المغرب أو تونس.
▪️لا يمكن فهم هذا التحول الكبير، إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الطبقة البرجوازية السورية كانت – وما تزال- بحاجة إلى سلطة قوية استبدادية لتحقيق هذه الصيرورة بالشروط التي وصفناها (والصين نموذج آخر لاستخدام السلطة السياسية في إعادة بناء البنية الاقتصادية – الاجتماعية). لأن سلطة قوية ومستبدة تسمح للبرجوازية الخاصة السورية بالاندراج في السوق الرأسمالية العالمية بمنافسة اقل وبشروط افضل، من جهة، وبتكلفة اقل من الاحتجاجات الشعبية، من جهة أخرى.
▪️ وهذا الأمر ما يزال عصي على فهم بعض النخب المعارضة الليبرالية السورية التي انشغلت في السنوات الماضية في نحت مفهوم “الهوية” ليتوصل بعضها – في نهاية المطاف- إلى أن كل مواطن هو في جوهره “هوية طائفية ومناطقية” مما عنى عندهم أن العمل التحالفي السياسي المعارض “الليبرالي جدا” إنما يقوم على لم شمل “الهويات الطائفية والمناطقية” في تحالفات فضفاضة و/أو مراهنة البعض الآخر منها على الوضع الدولي والإقليمي والقوى الإمبريالية وحلفائها الإقليميين كفاعل أساسي للتغيير “الديمقراطي” المنشود في سوريا، مع يقينها شبه الديني بالسقوط القريب للنظام السوري.
▪️وما كان، في الواقع، لهذه النخب المعارضة “الليبرالية” المقموعة التي تنحدر غالبيتها العظمى من شرائح برجوازية وسطى وصغيرة، شكلت في العقود الماضية العماد الأساسي للنشاط السياسي ومنها أتى طاقم السلطة السياسية منذ استلام البعث لها وإقامته لشكل من أشكال رأسمالية الدولة، لتجد نفسها منذ نحو عقد في حالة تأكل اجتماعي وتهميش وتضييق لدورها السياسي، ما كان لها وهي التي عانت وتعاني الأمرين – ومنه الاعتقال التعسفي- من خلاف حقيقي وعميق مع السلطة (الليبرالية فعلاَ في سياساتها الاقتصادية والاجتماعية) سوى قضية المشاركة السياسية.
▪️لكن، ومع إثبات الوقائع المحلية والإقليمية والدولية مدى خطأ هذه النخب المعارضة “الليبرالية” في رهاناتها، فإنها تجد نفسها حاليا في طريق مسدود.
▪️والحال، فان الغائب الأكبر في سوريا عن اهتمامات النخب الليبرالية الحاكمة أو المعارضة هو مصالح وهموم جماهير الناس الواسعة.
▫️تفاقم الوضع الطبقي
▪️لا تترد الحكومة السورية في الادعاء بان نسبة من يعيش “بأقل من دولار في اليوم لا تتجاوز 0.6 في المائة ” كما ذكر عبدالله الدردري المشرف الرئيسي على تطبيق سياسات اعادة الهيكلة الليبرالية في سوريا، ولكنه يضيف بأن النسبة تصبح 10 في المائة إذا تحدثنا عن العيش بدولارين في اليوم – وهذا تحت خط الفقر المتعارف عليه دوليا- ونحن بدورنا نتساءل كم تصبح هذه النسبة، إذن، لو تحدثنا عن العيش بدولارين ونصف في اليوم، مثلاَ؟
▪️المعروف أن اكثر من ثلث سكان سوريا يعيش تحت مستويات “خط الفقر” وهذا التدهور المعيشي يتفاقم مع عام 2008 الذي شهد “تحرير الأسعار ورفع الدعم”، مع انتشار أحزمة الفقر حول المدن السورية، وخصوصاَ إذا عرفنا أن نصف سكان سوريا يقطنون في ثلاثة أكبر مدنها. ولكن، لا نية للحكومة السورية أن تأخذ بعين الاعتبار البؤس والفقر الذي تدفع إليه جماهير واسعة من السكان.
▪️فالدردري نفسه يقول رداَ على ذلك بأن لا خيار للحكومة السورية سوى “تعميق الإصلاح الهيكلي وتسريعه ومزيد من التحرير”، معترفاَ في الوقت نفسه بأن “ظاهرة التفاوت بين الطبقات باتت أكثر بروزاَ”(جريدة الحياة 1/3/2008).
▪️لقد أصبحت حصة القطاع الخاص و”رجال المال والأعمال (أي البرجوازية الخاصة) من الناتج المحلي الإجمالي من 63،4 %عام 2005 إلى 70% عام 2007 ” مما يدل بشكل قاطع على مدى قوة وجبروت الطبقة البرجوازية السورية الخاصة الذي وصلت إليه، ولا سيما أنها تسيطر على 65% من قطاع الصناعة و75% من القطاع التجاري (صحيفة النور 9/1/2008).
▪️ولهذا لم تجد الحكومة من حرج في القول بأن “الأغنياء في سورية يزدادون غنى” (الدردري، الحياة، 8/3/2008).
في مقابل هذه البرجوازية التي تحوز على 70% من إجمالي الناتج المحلي، يقف العمال والمأجورون الذين لم يبق لهم من هذا الناتج سوى الفتات.
▪️الطبقة الأهم في مواجهة البرجوازية هي الطبقة العاملة السورية وهي طبقة شابة لأن نحو 30% منها له من العمر اقل من ثلاثين عاماَ، وخبرتها النقابية والنضالية ما تزال أسيرة اتحاد نقابات العمال الملحق بالحزب الحاكم بشكل وثيق تحت شعار “النقابية السياسية بديلاَ للنضال المطلبي” منذ مؤتمره في أيلول /سبتمبر عام 1974.
▪️ولكنها طبقة قوية عددياَ، إذ تبلغ نحو خمسة ملايين عامل، الثلث يعمل في القطاع العام والثلثين في القطاع الخاص، علاوة على نصف مليون عامل سوري يعملون في لبنان يضاف على كونهم ضحايا لاضطهاد مزدوج تعرض العديد منهم لاعتداءات عنصرية.(المجموعة الإحصائية السنوية لعام 2007).
▫️نمو نضالات الجماهير
▪️بالرغم من هيمنة السلطة على النقابات، لكن بيروقراطية اتحاد العمال تجد نفسها في مواجهة الإجراءات الليبرالية المتسارعة للحكومة، في حالة توتر دائم، تعرضت خلاله إلى ضغوط هائلة من السلطة لتمرير هذه السياسات في وسط العمال دون احتجاجات، من جهة. والى ضغوط القواعد العمالية التي تعاني من تدهور يومي في مستوى حياتها، من جهة أخرى. ولجأت في العديد من الأحيان إلى المذكرات والعرائض وحتى الإضرابات للتعبير عن غضبها، وعلت أصوات نقابية غير معهودة لتندد “بالدور الجديد لوزارة العمل في سوريا ضمن المفهوم الليبرالي يعكس بشكل واضح التحالف مع أرباب العمل بشكل مطلق”.
▪️ فطرحت الحكومة السورية “بدعة” جديدة وشعار جديد هذه المرة هو “أن الحكومة والنقابات فريق عمل واحد”!. لكن القواعد والكوادر العمالية الوسطى لم تعد تستطيع أن تخفي تململها المتصاعد.
▪️فقد جردت الحكومة اتحاد العمال من استقلاليته تحت مقولة النقابية السياسية وبحجة أن “اقتصاد الدولة هو اقتصاد اشتراكي”، وكما ينص دستور سورية عام 1973 على أن “اقتصاد الدولة يسير باتجاه إقامة النظام الاشتراكي” بينما ترى جماهير العمال أن ما يحصل هو نقيض ذلك تماما، فهو انتقال سريع وشبه منجز لاقتصاد السوق بوصفاته الليبرالية الجديدة.
▪️في الواقع، لم تفعل القوى “الشيوعية” الرسمية المتحالفة مع السلطة شيئاَ يذكر في مواجهة تفاقم تدهور الوضع المعيشي للجماهير الواسعة بسبب السياسات الحكومية، بالرغم من أنه معروف أن خطابها يقوم بالأخص على التركيز على “تحسين الوضع المعيشي للمواطنين”.
▪️ ومن الطريف أن قدري جميل، أحد قيادي هذه القوى الشيوعية الموالية ( اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، واحد من انشقاقات الحزب الشيوعي السوري جناح بكداش) صرح بأنه في وجه “طرح موضوع رفع الدعم رفعت الأوساط الشعبية والنقابية البطاقة الصفراء، وإذا أرادوا (يقصد الحكومة) الآن الاستمرار في هذا الموضوع سوف تتحول البطاقة الصفراء إلى حمراء” (موقع سيريا نيوز ك2 /ديسمبر 2007). وبالرغم من لغة التحذير الواضحة في هذا التصريح فان هذه القوى “اليسارية” الموالية لم تفعل شيئاَ يذكر ولم ير أحد من راياتها أمام استمرار الحكومة في رفع الدعم والأسعار سوى الرايات البيضاء.
▪️لكن، وبخلاف ما تعتقده النخب السورية فان جماهير المأجورين والمفقرين أثبتت نهوضاَ ملحوظاَ في نضالاتها ووعيها.
▪️فقد أرسلت نقابة عمال النقل البحري والجوي في اللاذقية، مثلاَ، مذكرة احتجاج بتاريخ 9/1/2008 احتجاجا على قيام الحكومة بتأجير جزء من ميناء طرطوس ونيتها تأجير جزء من ميناء اللاذقية، وأشارت بشكل صريح ينم عن مدى اتساع حالة التململ في أوساط الطبقة العاملة السورية إلى “أننا كتنظيم نقابي ممثلين لعمال المرفأ.. نرفض هذا المشروع جملة وتفصيلاَ كوننا نرى فيه إجحافا بحقوق العمال وعليه نخشى فقداننا للسيطرة على ردة فعل عمالنا باعتباره يمس لقمة عيشهم” (كلنا شركاء 26/1/2008). وفي مواجهة تعنت الحكومة في مشروعها لتأجير المرفأ قام عمال المرفأ بإضرابهم (حوالي مائتي عامل) في 18/8/2008 بهتافات مثل “لا تأجير ولا استثمار ولا رجعة للاستعمار”.
▪️وفي منطقة الضبية في ضواحي دمشق، احتج غالبية سكانها في 17/1/2008، ويقدر عددهم بثلاثة آلاف، على قطع الحكومة للكهرباء والمياه عنهم لدفعهم لإخلاء مساكنهم، وقد قام المتظاهرون أيضا بإغلاق الطرقات وإحراق الإطارات ومصادرة صهاريج مياه الإطفائية لاستخدامها للشرب. وفي مواجهة قوى الأمن رفع المتظاهرون، بحس عفوي ولكن ذو مدلول سياسي مذهل ورائع، هوياتهم الشخصية “احتجاجاَ على المعاملة السيئة التي يعاملون بها”.
▪️وحصلت أيضا مواجهات بين جماهير منطقة الزبداني قرب دمشق وقوى الأمن في 25 أيار/مايو 2008 فقد قام السكان “بإغلاق الطرق العامة وإقامة السواتر الترابية وإحراق الإطارات” احتجاجا على قرار السلطات إقامة وحدة تنقية مياه الاسيقة وتحويل أحد منابع المياه دون الاهتمام بمصالح سكان المنطقة. وصرخ المحتجون “لن نتوقف حتى تجاب مطالبنا”.(سيريا نيوز25/5/2008).
▪️واليسار؟
▪️ لا يلقى تصاعد النقمة في أوساط النقابات العمالية وجماهير الكادحين حتى الآن صدى له ملموس لدى القوى السياسية التقليدية.
▪️لكن نضال الجماهير اثبت انه في عدة قطاعات أكثر تقدما من العديد من هذه القوى السياسية التي تصف نفسها باليسارية. فالنضال العمالي المتنامي بدأ يشيع وعياَ لدى الطبقة العاملة السورية بأهمية أن يستعيد العمال استقلالية نقاباتهم عن الحزب الحاكم، وان النضال العمالي وحده هو القادر على وقف تدهور مستوى حياتهم وتحقيق بعض مطالبهم، وفي الوقت نفسه تتسع النضالات الجماهيرية “العفوية” للاحتجاج على الاجحاف الذي تتعرض له جماهير المأجورين والفقراء وتتراكم خبراتها النضالية من خلال التعلم مما استطاعت نضالاتها تحقيقه أو الإخفاق فيه.
▪️لكن سورية، بلا شك، تفتقر إلى يسار اشتراكي نضالي يبنى من خلال النضالات الجماهيرية وداخلها ويسعى إلى توحيدها. وهذه هي المهمة الملحة والضرورية التي تستدعي كأولوية بناء هذا اليسار الاشتراكي الأممي، والعمل على توحيد اليسار النضالي.
▪️والمهم، برأينا، كخطوة أولى لتوحيد اليسار النضالي هي تحديد مكونات هذا اليسار، ليس كما يوصف كل نفسه أو استنادا إلى ما كان عليه تاريخه أو النظرية التي يستند إليها. بل بالدرجة الأولى، استنادا على ما هي عليه فعلاَ مواقفه وإجاباته اليوم على التحديات التي تطرحها الوقائع.
▪️المهمة قد تبدو شاقة وعسيرة ولكن لا طريق لليسار الاشتراكي الأممي من اجل بناء نفسه ونموه سوى التعلم والارتباط بنضالات جماهير بلادنا من أجل الحرية والكرامة والعدل والمساواة.
سوريا: الثورة و تحولات الخريطة الاقتصادية – الاجتماعية
13/8/2013
حينما تتحدث الارقام الصادرة عن الامم المتحدة عن نزوح داخلي لنحو ثمانية ملايين سوري علاوة على مليونين هاجروا خارج البلاد وخاصة الى تركيا والاردن ولبنان ومصر، في بلد يقدر عدد بسكانه بحوالي 23 مليون نسمة ، دون ان نتحدث عن عدد القتلى الدي تجاوز 100 الف قتيل والجرحى ضعف هذا العدد والمفقودين نحو ربع مليون. فاننا نكون امام لحظة مرعبة من تفكك واعادة هندسة النسيج الاقتصادي – الاجتماعي عبر ممارسة العنف الصرف العاري والواسع ساهم فيه بشكل اساسي وحشية نظام الطغمة الدكتاتوري الذي مارس منذ بداية الثورة التي كانت سلمية، حربا وحشية ضد الجماهير الشعبية والمناطق الثائرة مطبقا بشكل واعي ومقصود استراتيجية الارض المحروقة، في محاولة منه لتجفيف البيئة الاجتماعية الحاضنة للثورة. وهو بفعله ذلك يقوم بنفس الوقت ، بإعادة رسم التكوين الاقتصادي – الاجتماعي لسوريا بما يخدم مصالح الطغمة البورجوازية الحاكمة وامكانيات بقائه واستمرار حكمه، مهما كان الدمار والخراب الذي سيسببه.
لم تزدهر البورجوازية السورية في تاريخ سوريا الحديث مثلما ازدهرت في ظل حكم الاسد الاب وبشكل اخص في العشر سنوات الاولى من حكم الاسد الابن، فمن بضعة مئات في الستينات تحولت وبتسارع مذهل من التسعينات والسنوات الاولى للالفية الثالثة ، بفضل السياسات النيوليبرالية لبشار الاسد التي افقرت اكثر من نصف سكان سوريا ،من جهة ، الى طبقة برجوازية واسعة وقوية ومزدهرة . ومرتبطة عضويا بالنظام الحاكم، من جهة اخرى. حيث تشكل حصة البورجوازية نحو 70 بالمئة من اجمالي الناتج المحلي.(1)
لقد كان هذا التفاوت الاجتماعي المذهل بكل آفاته من افقار وتهميش وبطالة وتدهور حاد وعام لمستوى المعيشة ولكل المكتسبات الاجتماعية، اضافة الى نظام مستبد ودكتاتوري عسكري- بوليسي في الجذور الاساسية لثورة الجماهير الشعبية في اذار 2011 .
وما يستدعي التساؤل هو انه رغم ضعف النظام الحاكم وفقدانه لسيطرته على مساحة واسعة من الارض تقدر ب60 بالمئة، لكنه ما يزال قائما بل ويستعيد زمام المبادرة العسكرية ويستمر في تدميره لكل المناطق الثائرة واعتقاله للناشطين، والمحافظة على هيكلية السلطة والدولة ودفع الرواتب…الخ.
والسؤال الذي يطرحه العديدون هو كيف ولماذا والى متى؟
في الواقع، ان هذا النظام الدموي توفرت له عوامل داخلية وخارجية ساهمت في بقائه مترنحا حتى كتابة هذه الاسطر.
على الصعيد الخارجي، توفر له حلفاء لم يتخلوا عنه بل يقدمون له كل اشكال الدعم السياسي والدبلوماسي والامني والعسكري والاقتصادي مثل روسيا وايران والعراق وحزب الله، دون أن ننسى الصين. علاوة على ان الدول ممن يسمون انفسهم “بأصدقاء الشعب السوري” مثل دول الخليج والسعودية التي ترى ما يجري بعين طائفية، اما اصيبت بذعر وحقيقي لها من انتصار الثورة بصفتها الشعبية والوطنية لما يشكل ذلك من خطر انتشار الثورات اليها وهي مركز الظلامية والرجعية والثورة المضادة في المنطقة. في حين ان الولايات المتحدة والدول الغربية الاخرى فان لها حساباتها الاخرى التي لا ترغب من خلالها سقوط النظام تماما وتحول سوريا الى بلد فاشل يشكل بؤرة عدم استقرار وتهديدا لمصالحها و بالأخص مصالح كلب حراستها الدولة الصهيونية في المنطقة، فما ترغب به هذه الدول هو “انتقال منظم” اي تغيير فوقي في النظام فحسب.
على الصعيد الداخلي، يستند النظام على جيش وقوى امنية مذهلة بعددها وعديدها ومتماسكة في ولائها للطغمة الحاكمة وهي قلب السلطة الحاكمة وجوهرها، وتم بنائها بحذاقة خلال اربعة عقود، هذه القوى العسكرية والامنية ما تزال موالية بالمطلق للنظام ولم تتعرض الا لانشقاقات ضئيلة بلا اهمية كبيرة.
ويستند هذا النظام الى موالاة ومساندة كل المؤسسات الدينية الرسمية لكل الاديان والمذاهب . لقد اظهرت الثورة حلال ثلاثة اعوام التفاف المؤسسات الدينية الرسمية بعامتها حول النظام، مما ساهم ،اضافة الى ارتفاع الخطاب الطائفي الحقير والغبي في اوساط المعارضة المرتهنة ، الى حالة من تخوف و تردد بل وحيادية في اوساط واسعة من الاقليات الدينية والعرقية ،بل وفي اوساط الغالبية السنية نفسها.
وما ادام في حياة النظام الدكتاتوري حتى الآن ، هو أيضا غياب قيادة ثورية جماهيرية حقيقية للثورة، لأن ما تكرس اعلاميا ودبلوماسيا هي اشكال رديئة جدا للمعارضة السياسية بدءا من المجلس الوطني وصولا الى الائتلاف الوطني، لأنها هيئات مرتهنة لإرادات الدول الراعية وخاصة قطر وتركيا ومن ثم السعودية أساسا، وهي التي سوقت لفكرة غبية ورعناء بالتدخل العسكري الخارجي الوشيك منذ بداية الثورة، وايضا سوقت لخطاب طائفي مقيت ، مع غياب قاتل لأي استراتيجية واضحة سوى الانحناء لمطالب الدول الراعية لها، وانغمست في فساد مالي اسوأ من فساد النظام نفسه، في حين ان هيئة التنسيق الوطني في الداخل ارتهنت لاستراتيجية حلفاء النظام من روسيا وايران وفقدت مصداقيتها.
مثلما يستند هذا النظام ويعبر عن طبقة بورجوازية كبيرة وواسعة، و رغم ان بعض المثقفين الليبرالين المعارضين اضجوا اذاننا بحديثهم عن كون هذه الثورة هي ثورة بوجوازية ديمقراطية فحسب، وان رجل الاعمال هذا او ذاك يدعم الثورة او يتحمل تكلفة هذا المؤتمر او ذاك، لكن السؤال هو ما حال الطبقة البرجوازية المالكة والحاكمة في ظل التحولات الثورية و الاقتصادية- الاجتماعية الجارية؟ وأين تقف من الثورة في خضم الصراع الطبقي العنيف الدائر في بلادنا؟ .
مؤشرات التدهور المريع للوضع الاقتصادي
في العام الثالث من الثورة، ونتيجة لسيات الدمار والقتل والتهجير التي يمارسها النظام تدهورت وساءت بشكل مريع الحياة اليومية للغالبية العظمى من السكان ، فاقت بما لا يقاس ما كانت عليه سابقا، اصبح الجوع والعوز عدو يومي للجماهير الشعبية في عموم سوريا يضاف لها قنابل النظام الحاكم وصواريخه.
قبل الثورة ، وفي عام 2009 كان اجمالي الناتج المحلي يتوزع بالنسب التالية: الزراعة 19 بالمئة والصناعة 34 بالمئة والخدمات 47 بالمئة.
بينما نجد اليوم أنه، رغم الدمار، ما يزال هنالك بعض النشاط في القطاع الزراعي وخاصة في المناطق التي يسيطر عليها النظام، في حين يعاني قطاعي الصناعة والخدمات من حالة انهيار حقيقي، مع نسبة تضخم مذهلة فقد ارتفع معدل الاسعار في عام 2012 وحده لأكثر من 50 بالمئة. فقطاع السياحة، مثلا ، الذي كان يساهم ب10 بالمئة من اجمالي الناتج المحلي كان يوفر عام 2010 نحو 6 مليار دولار، اصبح اليوم اثرا بعد عين. في حين أن قطاع النفط قد انخفض انتاجه الى 50 بالمئة خلال العامين الاولين من الثورة (2)، فمن جهته صرح محمد صالح مسلم زعيم الاتحاد الديمقراطي الكردستاني ، فرع حزب العمال الكردستاني في سوريا، وهو حزب عضو في هيئة التنسيق الوطنية ذات الموقف الملتبس من النظام والثورة، بان الكرد يسيطرون على 60 بالمئة من النفط (تصريح نقلته شبكة المعلومات الحرة بين الرافدين بتاريخ 8 ايار 2013) ، في الوقت الذي تسيطر فيه بعض القبائل والمجموعات الجهادية على ابار النفط، وخاصة الخمسة عشر بئرا، في محافظة دير الزور، وتمارس بيع جزء منه للنظام نفسه، وتهريب جزء اخر الى تركيا، وهي تستخرجه بوسائل بدائية مع انتشار لفساد رهيب ونهب للثروات الطبيعية في المنطقة المعنية اضافة الى اضرار بيئية يصعب تقديرها اليوم.
ولهذه الاسباب المذكورة ،يضاف لها الحصار الاقتصادي الاوربي المفروض على سوريا ،فان اوربا التي كانت تستورد 95 بالمئة من النفط الخام السوري قبل فرض الحظر والحصار الاقتصادي توقفت عن استيراده ، فقد انخفض انتاج النفط المحلي الى اقل من النصف ليصبح 160 الف برميل يوميا، مما جعل البلاد من مصدر للنفط الى مستورد له ولمشتقاته من فنزويلا وايران بشكل خاص .
وذكر صندوق النقد الدولي بأن صادرات سوريا التي كانت تقدر ب12 مليار دولار عام 2010 اصبحت تصل فقط الى 4 مليارات عام 2012. مع العلم بان التجارة الخارجية تشكل 70 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي، وهذا يدلل على الهوة الهائلة التي انحط اليها الاقتصاد السوري عموما ، ورغم ادعاء الحكومة بانها لا تزال تملك احتياطا نقديا اجنبيا بحوالي 14 مليار دولار، لكن عدد من المصادر تشير الى انها لم تعد تملك اكثر من مليار واحد وهو يفسر القروض(واحد مليار دولار عام 2012 و 3.6 مليار عام 2013 قدمتها ايران ، وفق الموقع الحكومي داماس بوست في 3 آب 2013) او خطوط الائتمان التي تقدمها لها ايران وايضا العراق وروسيا. وتأكد الانهيار المتواصل لقيمة الليرة السورية الذي يقدر بحوالي 50 بالمئة عام 2012 . مع ما يحمله من ارتفاع للأسعار لتأكل الاخضر واليابس، مما تبقى من امكانية العيش لغالبية السكان.
كما قدر صندوق النقد الدولي نسبة تدهور الناتج المحلي الاجمالي لعام 2012 بحوالي 4،6 بالمئة بينما تقدره مؤسسات مالية اخرى بانه وصل الى 20 بالمئة (3) .
ويمكن تلخيص الاثار الاجتماعية لهذا الانهيار الاقتصادي استنادا على بعض الاحصائيات التي وردت في تقرير المركز السوري لبحوث السياسات الصادر هذا العام والذي اورد بان اجمالي الخسائر الاقتصادية منذ بدء الثورة السورية عام 2011 حتى الربع الاول من العام الحالي 2013 بلغت حوالي 84.4 مليار دولار ، وازدادت اعباء الدين العام لتصل الى نسبة 65 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي في عام 2012 مقارنة بنسبة 23 بالمئة في عام 2010.
وخسر سوق العمل (اي اصبح عاطلا عن العمل) حتى الربع الاول من العام الحالي 2.3 مليون فرصة عمل(اي عامل) بسبب توقف الكثير من المعامل والشركات والورش الصغيرة عن العمل بشكل كامل او جزئي(وهروب رجال الاعمال خارج البلد برؤوس اموالهم بعد بيع العديد منهم مصانعه وشركاته وتسريحهم التعسفي للعمال) فكانت النتيجة ارتفاع معدل البطالة الى 48,79 بالمئة.
وذكر التقرير في ما يخص معدل الفقر ان 6.7 مليون شخص (اضافي) اصبحوا تحت خط الفقر، وهو ما يعادل 30 بالمئة من الشعب السوري، وان من بينهم 3.6 مليون شخص يصنف ضمن دائرة الفقر المدقع، وتعرضت 2963 مدرسة الى دمار جزئي او كلي جراء القصف ليصل تراجع نسبة الحضور وارتفاع معدل الغياب الى نسبة 45 بالمئة، في الوقت الذي تراجع فيه الانفاق على التعليم من 35.4 مليار ليرة سورية عام 2010 الى 26 مليار ليرة عام 2011 ليصبح 19.5 مليار ليرة عام 2013. (4)
مما سبق أعلاه، نريد أن نشدد على أن الديناميات الاقتصادية – الاجتماعية التي كانت المحرك الاساسي للثورة الشعبية، هي اليوم أكثر حدة مما كانت عليه قبل الثورة، ما يعني أنه لا يمكن تجاوزها أو تجنب ضرورات الرد على تحدياتها لأي كان، ومهما كانت عليه تقلبات الثورة او القوى السياسية الفاعلة. يقع على عاتق اليسار الثوري دور أساسي في حمل مهمة التغيير الاجتماعي العميق والدفع الى اقصى تجذير للدينامية الثورية الجارية على الصعيدين الديمقراطي والاجتماعي، وهذا يستلزم ليس فقط الانخراط في الفعل الثوري والجماهيري للشرائح الشعبية ، بل التركيز، في سياق الممارسة الثورية، على بناء الحزب العمال الاشتراكي الجماهيري كمهمة ملحة.
الطبقة البورجوازية السورية والثورة الشعبية
1\1\2014
تقترب الثورة الشعبية السورية من اختتام عامها الثالث، مستمرةً في مواجهتها لآلة القتل والدمار للنظام الدكتاتوري الحاكم، وتواجهها العديد من التحديات والمخاطر. وقد قدمت الجماهير الشعبية خلال هذه الفترة تضحيات هائلة، حيث يضاف الى عدد القتلى الذي تجاوز مائة الف جرحى ومفقودون بمئات الآلاف، و هنالك حوالى نصف سكان سوريا اصبحوا مهجرين داخل البلاد، او لاجئين في البلاد المجاورة.
ومن الجدير بالذكر ان هذه الصورة القاتمة تعني خريطة المناطق الثائرة وبالتالي المدمرة، وهي مناطق حياة وعمل الطبقات الشعبية ومنها الطبقة العاملة. وهذه الخريطة الجغرافية تتطابق الى حد كبير مع طبيعة القوى الاجتماعية المحركة للثورة.
ما يميز الفهم السياسي لأوساط اليسار التقليدي القومي والستاليني، قبل موجة الثورات التي تجتاح المنطقة وخلالها، انه خليط من مقولات تتحدث عن أن الثورة القادمة – الجارية- هي ثورة وطنية ديمقراطية، والبعض الاخر يتحدث عن ثورات على مراحل، بمعنى انه يقر بأن المرحلة الاولى هي ثورة وطنية ديمقراطية، ولكنها «بأفق اشتراكي»، سيأتي ذات يوم بعيد جداً، بما هو استعادة لنقاشات سبق ان دارت في صفوف القوى اليسارية من خلال تجارب ثورات القرن العشرين، وكأنه لم يقتبس منها أي درس كان.
هذان المفهومان، وهما في الحقيقة مفهوم واحد، ستاليني الاصل والمنبع، يقومان على فكرة وجود برجوازية، أو رأسمالية، وطنية، لدينا. ما يتطلب، وفق هذا الطرح الستاليني، التحالف معها من اجل الوصول الى هذه المرحلة الوطنية الديمقراطية المنشودة، لبناء اقتصاد قوي وصناعة وتنمية…الخ. وتتفرع من هذا الطرح الفكري الستاليني الاصل جملة من المدارس العالمثالثية ، التي تدين برجوازية مافيوية وكمبرادورية أو ريعية …لتمايزها عن برجوازية صناعية وطنية سيكون لها دور تنموي، وبعضٌ منها يرى ضرورة قيادة «الحزب الثوري» لتحالف طبقي (شعبي- برجوازي وطني) لهذه المرحلة الوطنية الديمقراطية. وهذا هو في الواقع تكرار للديماغوجيا التي رأينا بؤس تجاربها، تحت عنوان حركات التحرر الوطني، وما كان يسمى بالديمقراطيات الشعبية، التي انكشفت حقيقتها كدكتاتوريات رأسمالية صرفة، او رأسماليات دولة.
ليس موضوعنا سجالاً فكرياً مع هذه الاطروحات المذكورة، التي نقف على النقيض منها، بتبنينا لمفهوم الثورة الدائمة، ولكون كل الثورات الجماهيرية تحمل في طياتها، في عصر الرأسمالية، التي تهيمن على كل العالم، دينامية الثورة الاجتماعية، أي راهنية الثورة الاشتراكية في عصرنا. بل لنرى من خلال الواقع أين هي اليوم هذه البرجوازية السورية، المفترض، وفق المواقف المذكورة اعلاه، انها معنية بالثورات «الديمقراطية»، وما هو موقفها السياسي والطبقي؟
بورجوازية قوية مالكة وحاكمة
لقد استطاع نظام الاسد الاب والابن، خلال اربعة عقود، اعادة تكوين طبقة برجوازية قوية وواسعة، ولكن ما فعله الدكتاتور الاب خلال ثلاثة عقود في هذا الخصوص تميز بالحذر و بإعادة الروح البطيئة للبرجوازية الكبيرة، من خلال اجراءات مدروسة وبربطها العضوي بالسلطة. واستعمل في هذا الخصوص اداتين هما قانون الاستثمار رقم ١٠ لعام ١٩٩١، من جهة، واقامته لنظام فساد عام، ونهب معمم، تحول من خلاله كبار بيروقراطيي الدولة، وخاصة الطغمة الحاكمة وشركائها، من خلال نهب الثروات، الى برجوازية كبيرة عقارية وتجارية وصناعية. ولكن الاسد الاب حافظ الى حد ما على الدور الاجتماعي للدولة من خلال الحفاظ على نظام للصحة والتعليم المجانيين، ودعم السلع الاساسية لمعيشة الغالبية العظمى من الطبقات الكادحة، كما انه امتص جزءاً من البطالة من خلال ضخها في بيروقراطية دولة واسعة لا وظيفة انتاجية عقلانية لها، ولا سيما في الجيش والاجهزة الامنية وموظفي الإدارة.
هذا الحذر على صعيد الابقاء على شيء من المكتسبات الاجتماعية الذي حافظ عليه الاسد الاب، تخلى عنه بشار الاسد الذي خلف اباه في تموز ٢٠٠٠، حيث قام بتحولات اقتصادية نيوليبرالية عنيفة وسريعة، باستخفافٍ مزرٍ بأي ردود فعل اجتماعية متوقعة، لاعتقاده بأن اجهزة السلطة القمعية قد اجهزت، وخلال عقود من الزمن، على كل محاولة احتجاج عليها. وهو خطأ فادح، لأن الاحتجاجات الاجتماعية لم تتوقف بل تزايدت منذ عام ٢٠٠٦.
وقد اطلق النظام على سياسته النيوليبرالية اللااجتماعية، لصالح البرجوازية الكبيرة السورية، اسم «اقتصاد السوق الاجتماعي». فقد اوصل نظام الطغمة بعد توريث الابن عدداً ممن يعيشون تحت حافة الفقر من ١١ الى ٣٣ بالمائة، واذا اضفنا الذين يعيشون بأقل من دولارين في اليوم، يصبح عدد الفقراء في سوريا عام ٢٠٠٩ ،وفق احصائيات الامم المتحدة، نحو نصف السكان.
هذه البرجوازية الصاعدة استحوذت على ٧٠ بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي بحسب احصائيات عام ٢٠٠٩(5)، في الوقت الذي كان بينها وبين سلطة الطغمة الحاكمة نوع من العقد غير المكتوب تقول فيه الاخيرة للطبقة البرجوازية الصاعدة: «اغتنوا كما تشاؤون ولكن دعوا السلطة لنا». وهذا ما جرى خلال العقود الاربعة الماضية. حيث ادخلت السلطة رمزياً عدداً من رجال الاعمال إلى مجلس الشعب، الذي لا دور فعلي له. وعززت من قدرات الاتحادات الصناعية والتجارية، بل وشكلت مجالس رجال الاعمال مع ٦٩ دولة عام ٢٠٠٩، بما يسمح للأخيرين بالتعامل والتواصل مباشرة مع الشركات والمؤسسات التجارية والمصرفية والصناعية في هذه البلدان (وهي المجالس نفسها التي تم حلها في حزيران من هذا العام نتيجة الحصار والمقاطعة الاقتصادية المفروضين على سوريا وتلاشي دورها).
هذا ويُعَدُّ الشكلُ الاستبدادي للحكم الشكلَ الملائم للبرجوازية السورية الصاعدة، حيث لا مكان للاحتجاج على استغلالها ونهبها، ولا عوائق قانونية او نقابية امام جشعها.
أي بورجوازية وطنية؟
مع اندلاع الثورة الشعبية في آذار ٢٠١١، كان مثيراً للانتباه ان قسماً من هذه البرجوازية الكبيرة السورية عبَّر بوسائل الدعاية والاعلانات عن دعمه للنظام الحاكم، في تلك المرحلة من الاشهر الاولى للثورة، التي كانت فيها مظاهرات التأييد للطغمة ما تزال حاجة ملحة للنظام، كما استمر قسم آخر منها في تمويل وتجييش ميليشيات موالية للنظام، وخاصة ذلك القسم البرجوازي الشريك للطغمة العائلية الحاكمة.
لكن من المعروف أن رأس المال لا وطن له ولا دين سوى أرباحه، فمنذ نهاية العام الاول للثورة بدأت حركة متصاعدة لتهريب اموال هذه البرجوازية نحو لبنان، وغيره من الدول العربية والاجنبية، وبدأت هذه، في العام الثاني، بإغلاق مصانعها والتسريح التعسفي لعشرات الآلاف من العمال، او نقل مصانعها او بيعها.
لم تتردد البورجوازية طويلاً في ادراك خطر الثورة الشعبية عليها، حيث بدأت فوراً بتسريحات تعسفية واسعة للعمال، منعاً لهم من المشاركة في اضرابات داخل مصانعهم، وايضاً من اجل تأمين رؤوس أموالها بأفضل الشروط لضمان مصالحها. فلقد نشرت صحيفة الوطن شبه الرسمية خبراً عن «تسريح أكثر من ٨٥ ألف عامل خلال العام الأول من الثورة، ونصف عدد المسرحين من محافظتي دمشق وريفها، وتشير الارقام الرسمية الى ان ١٨٧ منشأة من القطاع الخاص تم اغلاقها بشكل كامل في الفترة من ١/١/٢٠١١ ولغاية تاريخ ٢٨/٢/٢٠١٢». ويشير الخبر الى «ان هذه الارقام لا تحمل اي مصداقية فعدد الورش والمصانع المغلقة يقدر ب٥٠٠ مصنع وورشة…»(6).
وكانت جريدة الفايننشال تايمز البريطانية قد اكدت «أن رجال الاعمال السوريين نقلوا بهدوء اموالهم للخارج منذ بداية الازمة في البلاد، واكد اقتصاديون ان العملية تسارعت مع اجتياح العنف المراكز التجارية في دمشق وحلب…»(7).
وقدَّر الباحث سامر عبود قيمة ما تم سحبه من ايداعات في المصارف السورية من قبل المودعين (ولا سيما كبار البرجوازيين)، مع نهاية عام ٢٠١٢، بما يقارب ١٠٠ مليار ليرة سورية(8).
لكن احداً لا يملك تقديراً دقيقاً لحجم رؤوس الاموال التي هربتها البورجوازية، ومنها ذلك القسم وطيد الصلة بالطغمة العائلية الحاكمة، ولا يوجد تقدير صحيح لعدد المصانع التي تم نقلها الى الخارج لتشغيلها او بيعها، او تلك المدمرة والمتوقفة عن العمل.
فوفق تصريحات غرفة تجارة دمشق، تؤكد هذه «هروب رؤوس اموال سورية تقدر ب٢٠ مليار دولار»(9)، وهو رقم نعتقد انه اقل بكثير من الواقع وخصوصاً انه صدر في بداية العام الجاري.
في الواقع، فإن عدد المصانع الخاصة التي توقفت عن العمل في حلب وحدها، التي تشكل صناعتها نحو ٣٦ بالمئة من مجمل الصناعة الوطنية، هو اكثر من الف معمل، ما يعني تسريحاً تعسفياً لأكثر من ٥٠٠ الف عامل.(10)
كما ان البرجوازية الصناعية لم تقم بتهريب اغلب مصانعها في ظلمة الليل، بل ان العديد من المعامل التي تم نقلها الى خارج البلاد كان بموافقة السلطات السورية نفسها، وما اكد ذلك هو تصريح وزير الصناعة والتجارة الخارجية المصري حاتم صالح، في نهاية شهر آذار ٢٠١٣ ،حيث اعلن عن «ان ٨٠ مصنعاً سورياً قد انتقلت الى مصر»، مشيراً الى « وجود ٣٠٠ مصنع آخر في انتظار الحصول على الاراضي»(11). وما يدل على ذلك ايضاً هو قرار الحكومة السورية منع تصدير المعامل، الذي صدر في آذار من هذا العام(12)، وما صرحه الخبير الاقتصادي السوري محمد سعيد الحلبي، الذي اكد بأن «حوالى ٩٠ بالمئة من المنشآت الصناعية نقلت بسماح من الدولة وموافقة اصحابها…الى الخارج»(13).
لم تبع او تنقل غالبية البورجوازية السورية منشآتها ومعاملها فحسب، بل انها هربت القسم الاكبر من رؤوس اموالها ايضاً. والاهم من ذلك ان هذا القسم الكبير من البرجوازيين هرب هو نفسه خارج البلاد ليضع نفسه وامواله في مأمن، متفرجاً على الدمار والقتل الجاري، الذي يدفع ثمنه ابناء الفقراء والكادحين، أكانوا من المدنيين، او من مقاتلي «المقاومة الشعبية»، او جنود الجيش النظامي. هذا في حين يزدهر و ينتشي القسم الباقي في البلاد من الطبقة البورجوازية من اقتصاد الحرب، أكان بشراء الاراضي او البناء او التهريب او المضاربة او الاحتكار، وغير ذلك من النشاطات الربحية التي توفرها الحروب. والبعض منهم اصبح يعتاش من هذه النشاطات حصراً، ممَّن اصبح يطلق عليهم اسم امراء الحرب.
اننا نشهد ما يشبه نزوح «طبقة»، او قسم كبير منها، الى خارج البلاد، بانتظار ان تنهك طبقات اخرى نفسها (من بينها ذلك القسم منها الذي يمسك بتلابيب السلطة السياسية)، في صراعها العنيف، ولحين تستتب الامور بشكل يسمح لها لكي تعود وتسود مرة اخرى، وبشروط اكثر من مناسبة لها، على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وهي الطبقة التي حافظت على نفسها جسدياً وعلى كامل طاقاتها الاقتصادية والمالية.
اذ تقدر معلومات متطابقة في بداية عام ٢٠١٣ ان عدد «رجال الاعمال السوريين الذين وصلوا الى مصر بنحو ٣٠ بالمئة من اعداد رجال الاعمال الذين فروا من سوريا البالغ عددهم ٥٠ ألف مستثمر»(14).
وهو ما يؤكده، رغم بعض التفاوت في التقديرات، العديد من التصريحات الرسمية السورية، فقد اعلن مازن حمور عضو مجلس ادارة غرفة تجارة دمشق: « غادر البلد ٦٠ بالمئة من رجال الاعمال في اوج ازمتها وتكبد الاقتصاد خسائر تقدر بنحو ٢٠ مليار دولار»(15). هذا في حين اعلنت مروة الايتوني، عضو مجلس ادارة غرفة صناعة دمشق وريفها، أن « ٧٠ بالمئة من رجال الاعمال السوريين اصبحوا خارج البلاد وهذا شيء مرعب»(16).
الطبقة العاملة والكادحون وعموم الشعب
تعرضت الطبقة العاملة السورية الى تأطير رسمي لنشاطها الكفاحي والنقابي منذ استلام البعث للسلطة، ولكن السلطة الحاكمة انجزت الحاقها للنقابات العمالية بها، وهنا نقصد القيادات النقابية العليا، في عام ١٩٧٤ تحت شعار «النقابية السياسية»، وهو حال بقية التنظيمات النقابية والمهنية مثل اتحاد الفلاحين او الطلبة وغير ذلك.
في الاشهر الاولى للثورة عام ٢٠١١، استخدمت السلطة البرجوازية الحاكمة هذه الهياكل الصفراء للنقابات، اضافة الى تراث عريق من الترهيب والقمع، من اجل حشد العديد من العمال والموظفين والمعلمين للمشاركة في مظاهرات مؤيدة لبشار الاسد، لكن السلطة خوفاً من ان ترتد هكذا مظاهرات ضدها، من جهة، وبسبب انزالها لقوات الجيش لمواجهة المظاهرات الجماهيرية المعارضة، من جهة اخرى، اوقفت استخدامها لمظاهرات التأييد لها التي نكرر، بالمناسبة، أنها كانت تحظى بدعم وتمويل من العديد من كبار البرجوازيين السوريين.
ومعروف ان للسلطة السورية كرهاً وخشية معلنين لشريحتين اجتماعيتين أساسيتين هما العمال والطلبة، فقد ادرجت في الوثيقة التأسيسية للجبهة الوطنية التقدمية الحاكمة، التي تضم اضافة الى حزب البعث بعض الاحزاب الصغيرة القومية، والشيوعيين الستالينيين، فقرةً تؤكد التزام هذه الاحزاب عدم النشاط في هذه القطاعات، اضافة الى الجيش.
لكن تفاقم الوضع المعيشي لقطاعات واسعة من السكان، ادى بدءاً من عام ٢٠٠٦ الى تفاقم الاحتجاجات والمظاهرات العمالية والجماهيرية بشكل ملحوظ، بل وصل التذمر الى صفوف النقابات الرسمية نفسها. فقد كان ملاحظاً، مع بداية الثورة، ان عنف النظام ودماره مس بشكل اساسي اماكن سكن وعمل الجماهير العمالية والكادحة، في ريف دمشق ودرعا وحمص وحلب ودير الزور، كما قامت البورجوازية بتسريحات تعسفية ومتواصلة للعمال حتى في المعامل التي هي بمنأى عن العنف وفي المناطق الموالية للنظام.
من جهته، يقوم النظام بحصار المنشآت العمالية المتبقية بميليشياته واجهزته، ويحاول تجيير قطاعات عمالية في معاركه، مانعاً على أفرادها امكانية التواجد او التصرف كطبقة لها مصالحها المتميزة. وخصوصاً مع زيادة الانهيار الاقتصادي والمعاشي في البلاد، التي تدفع بمن بقي له عمل إلى التمسك به، وبمن فقده إلى البحث عن عمل آخر لم تعد توفره الشروط الاقتصادية والسياسية الراهنة. فالبعض ممن اصبح عاطلاً عن العمل اضطر اما الى الالتحاق بالمجموعات المعارضة المقاتلة، التي تدفع معاشاً لمقاتليها، أو التحق بما يسمى الجيش الوطني السوري، وهو شكل من الميليشيا التابعة للنظام، ليس عن قناعة، بالضرورة، بقدر ما يكون ذلك وسيلة للعيش ومحاولة البقاء.
إن الصورة العامة للوضع الاقتصادي الاجتماعي في سوريا اصبحت اكثر من مأسوية، فقد وصل عدد العاطلين عن العمل، مع انتهاء الربع الاول من عام ٢٠١٣ ، إلى حوالى ٢،٩٦ مليون عاطل عن العمل، ما يرفع نسبة البطالة الى ٤٨،٧ (17)، في حين تقلصت قوة العمل الفعلية، اليوم، الى حوالى ٣،١ مليون عامل، بعد ان كانت نحو ستة ملايين عامل في عام ٢٠١٠. وهو ما يؤدي الى ارتفاع عدد العاملين في القطاع الاقتصادي غير النظامي، كالباعة الجوالين لكافة انواع البضائع والسلع، ومنها النفط، أو المهربين.
لقد تفاقمت الاوضاع المعيشية لقطاعات واسعة من العمال والطبقات الشعبية الى حد دفع باتحاد عمال دمشق الى نقد الاوضاع الراهنة في تقريره السنوي لهذا العام، الذي قدم فيه ارقاماً عالية جداً تؤكد هذا التدهور الحاصل في مستوى المعيشة. وهو يشير مثلاً الى ان الدولة زجت كتلة هائلة من النقد، ما جعل نسبة التضخم تتجاوز ٧٥ بالمئة، وأدى إلى ارتفاع مذهل لأسعار السلع وخاصة الغذائية والمشتقات النفطية. ويشير التقرير المذكور الى «ان هروب رؤوس الاموال تسبب بإغلاق آلاف المنشآت والمعامل في سورية وبالتالي بارتفاع نسبة البطالة الى معدلات قياسية وظهور الآفات الاجتماعية»، مؤكداً تدهور المستوى المعيشي لنحو ٦،١ مليون شخص، وارتفاع قيمة الايجارات بنسبة تزيد عن ١٠٠ بالمئة. وطالب الاتحاد العمالي «الرسمي» بتحسين الوضع المعيشي للطبقة الافقر في المجتمع وهي العمال، بزيادة اجورهم بنسب تتراوح بين ٣٠ و ٣٠٠ بالمئة.(18)
ومن النافل التذكير بأنه استناداً الى المعطيات المذكورة اعلاه، اضافة الى التحول المسلح لجزء كبير من الثوار، وعنف النظام ووحشية المعارك الدائرة، كل ذلك جعل حتى الآن تحرك الطبقة العاملة، بصفتها الطبقية هذه، وفي أماكن عملها، ضعيفاً للغاية. مع أننا رصدنا عام ٢٠١٣ اول اضراب عمالي في معامل المتوسط للأدوية في دمشق بتاريخ ٢٩ تموز. ولكن هذا لا ينفي ابدا ان العمال والكادحين يشكلون الكتلة الاساسية من ثوار الحراك الشعبي والمسلح.
إذاً، في هذه الظروف الشديدة العنف من الصراع الطبقي الجاري، نشهد من جهة هروب جزء أساسي من الطبقة البرجوازية بكل مكوناتها الى الخارج للحفاظ على نفسها وأموالها، وذلك الجزء الباقي يزداد اغتناء نتيجة اقتصاد الحرب، بل وتشجعه السلطة الحاكمة على نقل معامله ومنشآته الى ما تسميه المناطق الآمنة بشروط سخية. ومن جهة اخرى، نشهد في المقابل بزوغ شريحة جديدة من اغنياء الحرب وأمرائها، وخاصة في المناطق «المحررة»، وهي شريحة برجوازية جديدة لا تقل فساداً عن شقيقاتها.
ما هو الموقف السياسي للبرجوازية السورية؟
ان برجوازية الحرب الجديدة تجد مصلحة لها بامتداد الصراع امداً اضافياً، بشرط ان يكون ذلك لصالح امكانية اعادة تدوير الاموال التي نهبتها، ونجد بعضاً من ممثليها في عدد من الهيئات السياسية للمعارضة، ولا سيما المجلس الوطني السوري وائتلاف قوى الثورة والمعارضة، ولكنها لا تمانع ايضاً بالتعامل مع النظام نفسه، فعدد منها ممن وضع يده على عدد من آبار النفط يقوم ببيع إنتاجها للنظام الذي يقول انه يحاربه، ويهرب قسماً آخر إلى تركيا. والحال، فإن البرجوازية السورية بكتلتها الأساسية بقيت ترى في النظام «نظامها»، ولم تقدم على أي خطوة سياسية تعبر عن موقف مناهض له أو مميز لها عنه. فيمكن القول إن مبادرات معاذ الخطيب، الرئيس السابق للائتلاف الوطني، كانت تعبر عن موقف للبرجوازية الدمشقية فحسب، وتقوم على فتح باب الحوار والتفاوض مع النظام، من دون شروط. ولكن المبادرة السياسية الوحيدة واليتيمة «للبرجوازية السورية» جاءت بعد عامين من الثورة عقب اجتماع لبعض رجال الاعمال السوريين في عمان – الاردن، في أواخر آذار ٢٠١٣، الذين أطلقوا ما اسموه «مبادرة الضمير السوري»، التي تضمنت بقاء الاسد حتى عام ٢٠١٤ والابقاء على الحكومة الحالية مع تغيير وزيري الدفاع والداخلية فقط. كان واضحاً ان هذه المبادرة البرجوازية الوحيدة لم يهتم بها أحد من الثوار، بل كانت تشكل محاولة بائسة لإنقاذ النظام البرجوازي الدكتاتوري(19). بينما لم يعد للشرائح الوسطى وجود تقريباً، وهي التي كانت تعاني اصلا في السنوات العشر الماضية من حالة اضمحلال مستمرة. فحالة الافقار ساوت هذه الشرائح الوسطى بالطبقات الشعبية المفقرة ، بل والمدقعة الفقر.
كائناً ما ستكون عليه الأوضاع السياسية في المرحلة القادمة في سوريا وتقلباتها، وما ستكون عليه مآلات الثورة، فالمطالب الاقتصادية – الاجتماعية ستفرض نفسها في لب أي مشروع سياسي قادم. وبالأخص فإنها ستبرز بوضوح اكبر، كونها بين الدوافع الاساسية – بجانب التوق إلى إطاحة الاستبداد، وانتزاع الحريات الديمقراطية – للنضالات المستمرة والديناميات الثورية لعموم الكادحين حتى تحقيق مطالبهم.
تشكل هذه اللوحة صورة عن عمق التحولات الاقتصادية – الاجتماعية الجارية في سوريا، والتي تزداد تفاقماً وتفككاً، وهو ما استفاد منه النظام، اضافة الى سياستي التدمير والتهجير، بعمله على الدفع بقطاعات واسعة من الجماهير الواسعة الثائرة الى حالة من اليأس واللهاث من أجل البقاء، هرباً من القتل والدمار والجوع والحرمان، آملاً بذلك اخراجها أو شلها عن الفعل الثوري والاحتجاجي. وهو في الواقع نجح نسبياً، لأن «المناطق المحررة» تعاني نفس الآفات التي كانت تعانيها تحت الحكم الدكتاتوري. يضاف إلى ذلك تزايد نفوذ القوى الجهادية والتكفيرية الرجعية والمضادة للثورة، التي تحاول، اضافة لما سبق، ان تفرض نمط علاقات اجتماعية متخلفة، وتطرح رؤية رجعية تتحدث عن فهم مغرق في تخلفه وتزمته وضيق افقه عن الدين الاسلامي، وتعلن رغبتها بفرض قيام دولة الخلافة ، وهذا بتناقض واضح مع أسباب وأهداف الثورة الشعبية السورية العظيمة، ما يجعل من هذه القوى الرجعية والفاشية عائقاً خطيراً دون استمرار الحراك الشعبي وانتصار الثورة. فقد اصبحت هذه القوى الرجعية، في هذه اللحظة، تشكل خطراً داهماً على مستقبل الثورة والبلاد. وفي هذه اللحظة من الثورة ، ومن أجل انتصارها، لا مناص للحرا
ك الشعبي والمقاومة الشعبية الثورية المسلحة، من أن تتحمل مسؤوليتها في مواجهة هذه القوى الرجعية بحزم، وبالسلاح ان اقتضى الأمر، وبلا تردد، مع الاستمرار بالثورة الشعبية ضد نظام الطغمة الحاكم، في آن معاً، ما قد يسمح بإعادة الثورة الشعبية الى مسارها الاصيل، من أجل الحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
وهذا الأمر يتطلب، بالضرورة، تلاقي القوى الكفيلة بوضع استراتيجية انتصار الثورة الشعبية السورية، بما هي ثورة الحرية والكرامة والعدل الاجتماعي. وهو ما يستدعي، برأينا، السعي الحثيث لأجل قيام قيادة ثورية جماهيرية، تستفيد من أشكال التنظيم الذاتي الشعبي، في مناطق شتى من الارض السورية، الخارجة عن سيطرة النظام، بخلاف الاشكال الهزيلة القائمة، فضلاً عن إنضاج عملية بروز قيادة سياسية وعسكرية موحدة للمقاومة الشعبية المسلحة، وانهاء تشرذمها، ومحاصرة المجموعات الفاشية التكفيرية، وعزلها عن الحراك الجماهيري، تمهيداً للقضاء على الدور التخريبي، والتصفوي، الخطير، الذي تضطلع به. وبالنسبة لليسار الثوري، فإن بناء الحزب العمالي الاشتراكي الثوري الجماهيري يبقى مهمة ملحة، وقضية حياة أو موت، في هذه المرحلة الراهنة من الصراع الطبقي العنيف الحالي، وفي القادم من الأيام.
غياث نعيسة
(1) هذه الاحصائيات وغيرها نجدها في مقالة الكاتب نفسه بعنوان “سوريا: ثورة جارية” بتاريخ 24 تموز 2011 ، وغيرها من مقالاته على موقع الكاتب الفرعي في “الحوار المتمدن”.
(2) Mariam Karouny, Dans l Est syrien, le trafic de pétrole prospère sur le chaos, website Andlil,10/05/2013.
(3) Fabien Piliu, Que reste-t-il de l’économie Syrienne, website : latribune,03/01/2013.
(4) مقتطفات من التقرير اوردتها جريدة عنب بلدي في عددها 71 في 30/6/2013 .5.يمكن مراجعة هذه الاحصائيات في مقالتنا، غياث نعيسة : «ثورة جارية» المنشورة بتاريخ ٢٤ تموز ٢٠١١ على موقع الحوار المتمدن ، وغيرها من المقالات والاحصائيات الواردة فيها في نفس الموقع.
6.نقلاً عن موقع عنب بلدي ، البطالة في سوريا الى أين؟ ، بتاريخ ٤/٤/٢٠١٢.
7.نقلاً عن موقع جريدة الزمان بتاريخ ١٥/٢/٢٠١٣.
8.سامي عبود، «الاموال السورية الهاربة الى الخارج ارتدت اقنعة تجعل من الصعب عودتها»، موقع الاقتصادي، بتاريخ ١٣/٥/٢٠١٣.
9.موقع شام برس بتاريخ ١٢/٢/٢٠١٣.
10.- باسل ديوب، هكذا تهاوت قلعة الصناعة السورية، جريدة الاخبار اللبنانية، العدد ١٩٣٥ بتاريخ ١٩/٢/٢٠١٣.
11.سلام السعدي، مصانع سوريا تهاجر ايضاً، موقع المدن، بتاريخ ٤/٤/٢٠١٣.
12.المصدر نفسه.
13.موقع بلدنا، الصناعة السورية تمرض ولا تموت، بتاريخ ٤/٦/٢٠١٣.
14.موقع سكاي نيوز ، لاجئون سوريون بدرجة رجال اعمال، بتاريخ ٣٠/١/٢٠١٣.
15.شام برس، غرفة تجارة دمشق: هروب رؤوس اموال سورية تقدر ب٢٠ مليار دولار، بتاريخ ١٤/٢/٢٠١٣.
16.موقع عنب بلدي، نقلاً عن الفايننشال تايمز، مصائب قوم عند قوم فوائد…رؤوس الاموال السورية المهاجرة، بتاريخ ٣١/٣/٢٠١٣.
17.موقع شام برس، القتال في سوريا… خيار اقتصادي للعاطلين عن العمل، بتاريخ ٢٠ تموز ٢٠١٣، والارقام التي ينقلها هذا الموقع في المقال المذكور مستقاة من دراسة للمركز السوري لبحوث السياسات، صادرة هذا العام.
18.موقع جريدة الثورة الحكومية، اتحاد عمال دمشق: توفير بيئة عمل آمنة …، بتاريخ ١٧/٧/٢٠١٣.
19.انظر موقع المركز الاعلامي السوري وتقريره الصادر بتاريخ ١٨/٤/٢٠١٣، الذي تضمن أسماء عدد من رجال الأعمال المنظمين لهذه المبادرة، وهم «أنس الكزبري، راتب الشلاح، موفق قداح، عادل مارديني، زينة يازجي، أديب الفاضل، عبدالله الدردري، ورجل أعمال محسوب على الثورة».