“فقط باشتراك المرأة البروليتارية ستنتصر الاشتراكية”
لم تهتم أي من أجهزة الإعلام الحكومية بيوم 8 مارس- يوم المرأة العالمي. وحتى في المرات القليلة التي اهتمت به كانت تعكس صورة مخالفة لحقيقة ومضمون الاحتفال، فتقدمه بمنطق مطلق للدفاع عن حقوق المرأة وتزينه بالحديث عن مشاركة المرأة في الوزارات البرجوازية والمناصب كدليل على حصولها على المساواة، وفي ذلك تغفل الصراعات الطبقية الحقيقية التي كانت وراء نضال النساء. وكانت كلارا زيتكن أول مناضلة تدعو للاحتفال بهذا اليوم الذي يوافق مظاهرة النساء الاشتراكيات في نيويورك في 8 مارس 1908 ضد الحركة النسائية البرجوازية المطالبة بحق الاقتراع للنساء البرجوازيات فقط، الأمر الذي يكشف إلى أبعد مدى زيف الدعاية البرجوازية حول هذا اليوم.
من هنا كانت ضرورة عرض آراء زيتكين ومساهماتها في تطوير حركة نساء الطبقة العاملة من أجل التحرر الكامل لجميع المضطهدين.
ولدت كلارا باسم كلارا ايسنر في 15 يوليو 1857 في قرية صغيرة في ساكسونيا، وكانت الابنة الكبرى لرجل يعمل بالتدريس. في هذه الفترة كانت ساكسونيا أحد المناطق الأكثر تصنيعا في ألمانيا، وكان أقل من ثلث السكان مازال يعمل بالزراعة، وبالتالي كان هذا يعني أنها كانت في طليعة الحركة الاشتراكية وقتها. وفي هذه المنطقة كان هناك تنظيمات للحركة العمالية الألمانية وكذلك للحركة النسائية. ومع ستينات القرن الماضي تزايد عدد النساء في صفوف الطبقة العاملة، وتأسس عام 1869 اتحاد عمال النسيج والذي فتح عضوية للرجال والنساء وفي خلال عامين فقط كانت نسبة النساء تتجاوز سدس العضوية والتي قدرت بحوالي سبعة آلاف عامل.
أصبحت كلارا زيتكين اشتراكية في سن ال21 بتأثير من ناظرة مدرستها “أوجست شميت” وهي شخصية شهيرة في الحركة النسائية الألمانية، وبدأت نشاطها في حزب العمال الاشتراكي الألماني وقابلت وقتها أوسيب زيتكين وهو ماركسي روسي مهاجر كان له تأثير بالغ على تطورها كاشتراكية. وفي 21 أكتوبر 1878، وبعد مرور أقل من ستة أشهر على التحاقها بالحركة الاشتراكية تم حظر جميع الأحزاب والصحف بفعل قانون بسمارك المعادي للاشتراكية، وبدأت كلارا انخراطها في العمل السياسي السري. وفي سبتمبر 1880 قبض على أوسيب زيتكين وعدد من رفاقه وطرد من ألمانيا. وبعد مرور عدة أشهر قررت كلارا ترك ألمانيا لتلحق بأوسيب زيتكين الذي ارتبطت به وبدأت في استخدام اسمه من أجل تسهيل الأمور الاجتماعية إلا أنهم لم يتزوجا رسميا.
وأنجبت طفلين، ماكسيم عام 1883، وقسطنطين عام 1885، واشترك كلا من كلارا واوسيب في الحركات الاشتراكية الفرنسية والألمانية والروسية وكانت لهما علاقات بالاشتراكيين في أسبانيا وإيطاليا والنمسا وبريطانيا، وكانت هذه هي الفترة التي اكتسبت كلارا معرفتها بالحركة العمالية العالمية.
وتوفي أوسيب زيتكن في يناير 1889، وكانت هذه صدمة كبيرة لكلارا. وفي نفس السنة، وفي سبتمبر 1889 تحدثت كلارا في المؤتمر التأسيسي للأممية الثاني عن تنظيم النساء العاملات، ومنذ ذلك الحين ولمدة خمس وعشرون عاما تالية، كانت كلارا هي أهم شخصية في الحركة النسائية الاشتراكية الألمانية والعالمية.
وكان موقفها واضحا من الحركات النسائية البرجوازية، حيث قالت في كلمة ألقتها عام 1896 في مؤتمر جوته للحزب الاشتراكي الديمقراطي نُشرت بعد ذلك على شكل كتيب تحت عنوان “فقط باشتراك المرأة ستنتصر الاشتراكية”:
لا يوجد شئ يمكن وصفه “بالحركة النسائية” قائم بذاته.. توجد الحركة النسائية فقط في سياق التطور التاريخي.. ومن ثم هناك حركة نسائية برجوازية وأخرى عمالية، وليس بين هاتين ارتباط أكثر مما هنالك بين الاشتراكية الديمقراطية والمجتمع البرجوازي..
فبالعمل خارج المنزل من أجل الأجر، تزيد استقلالية المرأة وهذه هي أحد شروط الحرية وإن كانت لا تعني بالضرورة تحقق تلك الحرية، وتضيف كلارا:
لقد حققت المرأة في الطبقة العاملة استقلالها الاقتصادي إلا أنها لا تمتلك بعد إمكانية الحياة الكاملة كفرد، لأنها لا تحصل إلا على الفتات المتساقط من مائدة الإنتاج الرأسمالية رغم عملها ودورها كزوجة وأم..
وبالتالي فإن نضال المرأة في صفوف الطبقة العاملة من أجل تحررها لا يمكن أن يكون نضالا ضد الرجال من نفس الطبقة، كما هو حال المرأة البرجوازية. إن الهدف النهائي لنضال المرأة ليس مجرد المنافسة الحرة مع الرجال، بل الحصول على الحكم السياسي للطبقة العاملة. فالمرأة العمالية تناضل يدا بيد مع رجال طبقتها ضد المجتمع الرأسمالي.
وكانت مطالب الحركة النسائية البرجوازية تقتصر على الحصول على بعض الحقوق للمرأة داخل المجتمع البرجوازي مثل حق الاقتراع وغيره، ولكن وحتى لو حصلت النساء على المساواة السياسية فلن يغير هذا في موازين القوى الواقعية، وسيستمر استغلال نساء الطبقة العاملة على قدم المساواة مع رجالها، وفي نفس الوقت ستكون للنساء البرجوازيات امتيازات متساوية مع البرجوازيين الرجال.
دافعت زيتكن عن أن نساء الطبقة العاملة لا يجب أن يحصرن نضالهن في المطالبة بحق الاقتراع، وإنما يجب أن يناضلن من أجل الحق في العمل، والمساواة في الأجر، والإجازة المدفوعة لرعاية الأطفال، والتسهيلات المجانية للعناية بالأطفال، وحق التعليم وغيرها. وأنهت كلمتها قائلة:
إن النشاط النسائي صعب، فهو يتطلب عملا كثيرا وتفانيا كبيرا وتضحيات ضخمة، لكنها تضحيات ستثمر ولا مفر منها… فالطبقة العاملة لا تستطيع بلوغ انعتاقها إلا إذا ناضل كل أبنائها معا… دون تمييز حسب الجنس.
وقد تكررت هذه الفكرة كثيرا في كتابات زيتكن في السنوات التالية:
أفكارنا تنطلق من الاعتقاد بأن السبب الأساسي وراء تدني وضع النساء في الألف عام الماضية ليس سببه تشريعات وضعها الرجال، بل علاقات الملكية التي تحددها الظروف الاقتصادية.
بوابة الاشتراكي
