
الخلفية الطبقية للانفجار: علاوات النواب تهز إندونيسيا
تشهد إندونيسيا موجة احتجاجات عارمة قادتها القوى الطلابية والعمالية، جاءت كرد فعل على تقارير كشفت منح النواب في البرلمان علاوات سكن ضخمة تصل إلى 50 مليون روبية شهرياً (ما يعادل 4600 دولار أسترالي)، وهو مبلغ يساوي عشرة أضعاف الحد الأدنى للأجور في العاصمة جاكرتا.
القمع يفتح أبواب الجحيم: استشهاد عامل تحت دبابة الشرطة
تصاعدت حدة المواجهات عندما استخدمت قوات الشرطة القوة المفرطة لقمع المتظاهرين السلميين أمام البرلمان، ما أدى إلى استشهاد العامل أفان كورنياوان (21 عاماً) بعد أن دهسته مدرعة تابعة للشرطة في 28 آب/أغسطس. هذه الحادثة لم تكن سوى الشرارة التي أطلقت غضباً متراكماً ضد منظومة القمع والفساد.
الشارع الغاضب: من مطالب اقتصادية إلى مطالب راديكالية
تحولت الاحتجاجات من مطالبها الأولية المتعلقة برفع الأجور وخفض الضرائب إلى مطالب أكثر راديكالية تشمل محاكمة قوى القمع المسؤولة عن مقتل العامل، وحل البرلمان الفاسد، ومحاسبة كل من ارتكب انتهاكات بحق المتظاهرين. وامتدت المظاهرات إلى عدة مدن كبرى مثل سورابايا وباندونغ وماكاسار، حيث أحرق المحتجون مراكز للشرطة واقتحموا المقرات الحكومية.
جذور الأزمة: بطالة وفقر وضرائب مجحفة
لا تنفصل هذه الاحتجاجات عن السياق الأوسع للأزمة الهيكلية التي تعيشها إندونيسيا تحت حكم النظام الرأسمالي التابع، حيث تبلغ بطالة الشباب 16%، ويعمل 56% من القوى العاملة في القطاع غير الرسمي دون أي حماية اجتماعية أو أمان وظيفي. كما زادت الحكومة من تفاقم الأوضاع برفعها ضريبة القيمة المضافة إلى 12% نهاية العام الماضي، في وقت ارتفعت فيه وتيرة تسريح العمال بنسبة 32% في النصف الأول من عام 2025 مقارنة بالعام السابق.
قمع لا يعرف التوقف: اعتقالات جماعية ووحشية مفرطة
واجهت السلطات الاحتجاجات بعنف غير مسبوق، مستخدمة مدافع المياه والغاز المسيل للدموع، وقامت باعتقال المئات من المتظاهرين في العاصمة وضواحيها. لكن القمع فشل في إخماد لهيب الغضب الشعبي، خاصة بعد تحول جنازة العامل المستشهد إلى مسيرة حاشدة ضمت آلاف السائقين والمواطنين.
وقالت لجنة المخفيين وضحايا العنف (كونتراس) في بيان إنها تلقت 23 إشعارا عن فقدان أشخاص حتى الاثنين.
وأضافت “بعد عملية البحث والتحقق لا يزال 20 شخصا في عداد المفقودين”.
وأضافت المجموعة أن الأشخاص العشرين أُبلغ عن فقدانهم في مدينتي باندونغ وديبوك في جزيرة جاوة، وفي المدن الإدارية جاكرتا الوسطى وجاكرتا الشرقية وجاكرتا الشمالية التي تشكل معا العاصمة الكبرى.
وأوضحت أن إحدى الحوادث سجلت في “مكان مجهول”.
ولم ترد الشرطة الوطنية بعد على طلب وكالة فرانس برس التعليق.
وأعلنت الشرطة أن 1240 شخصا أوقفوا في جاكرتا منذ 25 آب/أغسطس، وفق وكالة انتارا الرسمية للأنباء.
النظام يحاول امتصاص الغضب: اعتذارات ووعود كاذبة
تحت ضغط الشارع، حاول الرئيس ورئيس شرطة جاكرتا تهدئة الأوضاع من خلال إصدار تصريحات تعزية واعتذار رسمي، والإعلان عن فتح تحقيق في حادثة مقتل العامل. لكن هذه الخطوات تبقى مجرد مناورة تهدف إلى امتصاص الغضب الشعبي دون معالجة حقيقية لجذور الأزمة.
الحركة تتوسع: تضامن طلابي وعمالي يهدد النظام
استمرت الاحتجاجات رغم القمع، حيث تظاهر الطلاب من 25 إلى 27 آب/أغسطس، وانضم إليهم في 28 من الشهر نفسه نقابيون من حزب العمال، مما ضاعف عدد المحتجين وأظهر قدرة على التنظيم والتنسيق بين مختلف فئات الشعب المضطهد.
كما تظاهر الآلاف في باليمبانغ بجزيرة سومطرة، حيث تجمّع المئات بشكل منفصل في بانجارماسين بجزيرة بورنيو ويوغياكارتا بجزيرة جاوة وماكاسار بجزيرة سولاويسي.
وفي مدينة غورونتالو بجزيرة سولاويسي، تصادم المتظاهرون مع الشرطة التي ردّت بإطلاق الغاز المسيل للدموع واستخدام مدافع المياه.
وأفاد المتحدث باسم شرطة غورونتالو للصحافيين الثلاثاء، بأنّ الشرطة أوقفت 11 شخصًا لاستجوابهم في ما يتعلّق بالتظاهرات.
خلاصة: النظام عاجز عن حل الأزمة.. والجماهير تواصل النضال
واضح أن النظام الحاكم في إندونيسيا، ككل الأنظمة الرأسمالية التابعة، عاجز عن معالجة الأسباب الهيكلية للغضب الشعبي المتمثلة في التفاوت الطبقي الصارخ، البطالة، والاستغلال الوحشي للطبقة العاملة. القمع لن يوقف زحف الجماهير، والحركة الاحتجاجية المستمرة تثبت أن طريق التغيير يمر عبر النضال الجماعي ضد جشع الطبقة الحاكمة وآلة قمعها.
إعداد الخط الأمامي
