
مواجهة المخاطر المتزايدة على سوريا
أعلنت الادارة الامريكية عن رفع جزئي للعقوبات على شمال سوريا، في النصف الأول من شهر ايار/ مايو . وشمل هذا التخفيف من العقوبات قطاعات محدودة، تخص حصرا شمال شرق سوريا، اي مناطق الادارة الذاتية وشمال غرب سوريا، اي المناطق التي تقع تحت سيطرة الاحتلال التركي ومرتزقته إضافة إلى جبهة النصرة الارهابية. واذا كان هذا الرفع الجزئي قد يخفف من وطأة العيش على السوريين في تلك المناطق، لكنه لا يشكل منطلقا لتغيير نوعي فيها، ولا سيما انه محدود التأثير، ولإن اقتصادات تلك المناطق هي مناطق صراع مسلح و تعج باللاجئين والنازحين وكتلة هائلة من العاطلين عن العمل، إضافة إلى ان الاقتصاد فيها ولا سيما في شمال غرب سوريا يتحكم فيه الاحتلال التركي وأمراء الحرب. في مقابل أن نحو نصف السكان الذين يعيشون تحت حكم نظام الطغمة تعاني من كارثة معيشية وانسانية غير مسبوقة.
لم تكن اللعقوبات الأمريكية، والغربية، التي أقرت عام 2012 تحت عنوان محاسبة سوريا وقانون قيصر للعقوبات عام 2016 أي أثر يذكر على أركان النظام الحاكم، بخلاف الإدعاء بالعكس، بل عززت من سطوة النظام الحاكم على الشعب وعلى ما تبقى من اقتصاد وثروات البلاد، بل اصبحت هذه العقوبات حجة للنظام ليمتص آخر رمق للشعب، وتحويل غالبية السوريين إلى فقر مدقع همها الأساسي البقاء على قيد الحياة، وقيام اقتصاد يقوم على السرقات والتهريب والنهب والاتجار بالمخدرات . هذا الوضع الكارثي للشعب السوري، وأن كان النظام المسؤول الأول عنه، إلا أن العقوبات الأمريكية والغربية هي أيضا شريك أساسي مسؤول عن هذه الجريمة بحق الشعب السوري، وبذلك فإن مطلب رفع العقوبات التي تمس حياة السوريين في كل المناطق هو مطلب ملح وواجب على كل القوى الوطنية والديمقراطية، ولا يمكن، بأي حال، تبريرها بحجة كاذبة أنها تمس نظام الطغمة وحده.
وفي نفس التوقيت، غطى على ضجيج رفع العقوبات الجزئي ما صدر عن الرئيس التركي ومن ثم مجلس أمنه القومي من تهديدات بعملية عسكرية جديدة، هي الرابعة من نوعها، لاحتلال مزيد من الأراضي السورية بذريعة إقامة منطقة حدودية “آمنة” للتوطين القسري لنحو مليون ونصف من اللاجئين السوريين .
والحال، فإن النظام التركي يستفيد من الحرب الدائرة في اوكرانيا التي يتواجه فيها معسكرين امبرياليين : الشرقي والغربي، لأن كلا الطرفين بحاجة إلى خدمات النظام التركي أو تحييده في هذه الحرب، ما سمح لتركيا بهامش أكبر لطموحاتها الإقليمية ، وتماديها في ابتزاز هذا الطرف أو ذاك. ما يجعل احتمال مواصلة الغزو التركي واردا دوما، حتى وإن تأجل مؤقتا، لتعارضه مع المصالح الأمريكية الآنية بشكل أخص، و الروسية، أيضًا.
فللنزوع الحربي التوسعي للدولة التركية أهداف عدة؛ اولها محاولة تدمير أو، على الأقل، إجهاض مشروع الادارة الذاتية في شمال شرق سوريا، ومنع تواجد كردي غير تابع لها قريب من حدودها، وخلق تغيير ديموغرافي في شمال سوريا على امتداد الحدود المشتركة تكون خاضعة لها، تحول سكانها إلى مجرد حرس حدود لها، أو تقوم بقضم هذه الأراضي السورية كما فعلت بلواء اسكندرونة في الثلاثينات من القرن الماضي.
الموقف الشعبي الحازم والواضح في رفضه لهذه السياسات العدوانية التركية، جاء من الجماهير السورية التي تعيش في مناطق الاحتلال التركي نفسها، وهي في غالبيتها نازحة عن مناطقها الاصلية وتعيش في المخيمات. هذه الجماهير أعلنت رفضها لمشاريع الحرب والتوطين التركية ودعت إلى عودة كافة اللاجئين إلى ديارهم، ووحدة السوريين وحقهم بالحرية والديمقراطية، والخلاص من نظام الاستبداد والقهر.
ومن المؤكد أن هذه اليقظة الشعبية تبعث على الأمل بأن تخطو الجماهير الشعبية والقوى الديمقراطية والتقدمية قدما على طريق رص صفوفها وتوحيد نضالاتها، في مواجهة الاحتلال التركي وكل الاحتلالات، ومن أجل الديمقراطية وبناء سوريا الجديدة الحرة والديمقراطية والموحدة، وإقامة نظام سياسي ديمقراطي لا مركزي يحقق طموح السوريين في الاستقلال والسيادة والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية.
في مواجهة التهديدات التركية وكل الاحتلالات ، في مواجهة عقوبات تجويع الشعب السوري، في مواجهة نظام الاستبداد والنهب. لنبني وحدة كفاح الجماهير الشعبية السورية وقواها التقدمية، كشرط للقدرة على مواجهة كل هذه التحديات والمخاطر.
تيار اليسار الثوري في سوريا
حزيران/يونيو 2022