
كانوا هنا، قاوموا، وهم السبب!
كانوا هنا. وقاوموا. معًا، كانوا القوة الدافعة وراء سقوط نظام الأسد. عربٌ وكردٌ وتركمانٌ وأرمنٌ وفلسطينيون وشركسٌ ومسيحيون ومسلمون وإيزيديون ودروزٌ وعلويون؛ مثليون ومثليات ومتحولون جنسيًا؛ وكل من وقف من أجل الحرية. بعد 14 عامًا من النضال و77 عامًا من قمع حزب البعث، حققوا هذا معًا.
الاحتفاء بسقوط الأسد هو الوقوف معهم، مع السوريين، كلهم!
ثمن المقاومة الباهظ
دفع الجميع ثمنًا باهظًا لمقاومتهم. استغرق الأمر أيامًا لفتح كل زنزانة في سجن صيدنايا، الذي يُعد واحدًا من أكثر من 100 سجن تعرض فيها السوريون للتعذيب بشكل عشوائي. وقفت العائلات خارج السجن لأيام، تنتظر بقلق لمعرفة ما إذا كان أحباؤهم بين الأحياء أو مدفونين في واحدة من المقابر الجماعية التي أخفاها نظام الأسد.
تم تحرير الآلاف، لكن العديد منهم ماتوا بعد أيام، محطمين بما يفوق القدرة على الشفاء. ندوب صيدنايا، المعروف بـ “المسلخ”، ومعتقلات التعذيب الأخرى، ليست جسدية فقط، بل محفورة بعمق في الذاكرة الجماعية لمن قاوموا ونجوا وحزنوا.
شعاراتنا، وحدتنا، نضالنا
خرجوا إلى الشوارع وهتفوا بأصوات مبحوحة من الحزن والعزيمة:
- “واحد، واحد، واحد، الشعب السوري واحد!”
- “آزادي، آزادي!” (حرية، حرية!)
- “أنا طالع أتظاهر، دماتي بإيديا، إن جيتك يمّا شهيد، لا تبكين عليّا!”
- “حرية للأبد، غصبن عنك يا أسد!”
كانت هذه الهتافات وعودًا بالوحدة. عربٌ وكردٌ ساروا جنبًا إلى جنب، مسيحيون ومسلمون وقفوا كتفًا بكتف، وسوريون من كل الأجناس قاوموا معًا.
تضحيات الجماهير الشعبية و حركة الطلاب ونضال النساء
لقد شكلت الجماهير الشعبية قوّة اجتماعية محركة للثورة الجماهيرية وبالأخص أن مناطق حياتها ، اي المناطق السكنية الشعبية، هي المناطق الأكثر تدميرا في ضواحي المدن، وما تزال شاهدة على ذلك حتى اليوم.
كما أن الثورة السورية لم تُخاض في الشوارع فقط، بل في الفصول الدراسية والجامعات والمنازل. إذ لعبت حركة الطلاب دورًا محوريًا في تحدي نظام الأسد. خاطر الطلاب بحياتهم لتنظيم الاحتجاجات في الجامعات، وتهريب المعلومات، وكشف وحشية النظام للعالم. كانت شجاعتهم وقود الثورة، ودفعوا ثمنها بأرواحهم، حيث قصفت قوات الأسد وداعش الجامعات واعتدت على الطلاب.
كما كانت النساء في الصفوف الأمامية، رافضات الصمت. حوّلن منازلهن إلى ملاذات آمنة للناشطين، وشاركن في الاحتجاجات، وهرّبن الخبز والإمدادات الطبية عبر الشوارع المليئة بقناصة النظام. أصبحن رموزًا للمقاومة، ليس فقط ضد الأسد، بل أيضًا ضد الهياكل الأبوية التي سعت إلى تقييد حريتهن.
حتى اليوم، بعد سقوط الأسد، تعود شوارع سوريا لتشهد احتجاجات عمالية ضد التسريحات التعسفية والخصخة وكذلك تحركات نسوية ترفض القيود المفروضة على عمل النساء وقيادتهن في الحكومة الجديدة. مما يثبت مرة أخرى أن نضالهم – البعيد عن الامتيازات – هو معركة مستمرة من أجل الوجود والحرية والمساواة.
المحو من قبل القوى الأجنبية والناشطين البيض
لعبت القوى الأجنبية دورًا في تدمير سوريا. اجتاحت الميليشيات المدعومة من إيران وحزب الله وتركيا ولاحقا من أمريكا وروسيا الأحياء، وقصفت وعذبت واستبدلت السكان. حوّلت سوريا إلى ساحة معركة لمشاريعها الاستعمارية، وليس لتحرير الجماهير.
لكن الناشطين البيض، بنفس القدر، يمحون نضال الشعب السوري. يدّعون أن سقوط الأسد لم يكن بإرادة السوريين، ويختزلون مقاومتهم إلى “حرب بالوكالة”، متجاهلين التضحيات التي قدموها.
يتصرفون كما لو أن السوريين لم يكن لديهم أي تأثير، وكأن العرب والكرد، المسيحيين والإيزيديين، الرجال والنساء، الطلاب والمزارعين، لم يسيروا معًا ويهتفوا من أجل الحرية. وكأن معارضة الأسد تستثني التضامن مع الشعب الكردي، شعبهم الكردي، متجاهلين آلاف السوريين الكرد الذين ساروا وماتوا معهم في الشوارع، تحت قنابله وفي سجونه.
هذه الثورة ملك لهم
هذه الثورة ملك للذين عاشوا وماتوا من أجلها. ملك للأمهات اللواتي فقدن أطفالهن، وللنساء اللواتي هرّبن الطعام تحت نيران القناصة، وللمتظاهرين الذين هدموا تماثيل الأسد الأولى في المدن الكردية مثل القامشلي عام 2004، وللطلاب الذين هرّبوا لقطات المجازر خارج سوريا، وللرجال والنساء الذين نجوا من الاغتصاب الجماعي في سجون الأسد.
هي ملك لكل سوري هتف “آزادي” أو “حرية” ودفع ثمن هذه الكلمة بحياته وحياة أحبائه.
رسالة إلى الناشطين البيض
توقفوا عن إعادة كتابة تاريخ السوريين. سقوط الأسد لم يكن هدية أو لعنة من القوى الأجنبية لتناقشوها وتمحووا إرادة الشعب. كان نتيجة تضحيات ملايين السوريين الذين قدموا كل شيء من أجل الحرية والمساواة، وقاوموا هذه القوى الأجنبية يوميًا لمدة 14 عامًا وأكثر.
حتى في التفاعلات الشخصية، شهد السوريون هذا المحو. في اليوم التالي لسقوط الأسد، عندما سُئلوا عن سوريا -البلد الذي عاشوا فيه وكافحوا من أجله- أجاب ناشطون بيض نيابة عنهم، كما لو أن أصواتهم لا تهم. تجاربهم وتضحياتهم لم تُحسب. الأيام المؤلمة التي قضوها في الانتظار، والبحث عن أصدقائهم بين أسماء ووجوه المحررين من صيدنايا، لم تكن مهمة. الأشخاص الذين فقدوهم أو كانوا يتمنون رؤيتهم أحرارًا، كل هذا لم يكن مهمًا بالنسبة لهم.
بالنسبة لناشط أبيض يتمتع بالامتيازات، قد تكون أسوأ عواقب “تضامنه” المزعوم هي كتابة تقرير أو قضاء ساعة في زنزانة ألمانية. أما بالنسبة للسوريين، فقد كان الثمن كل شيء: حياتهم، أجسادهم، شهاداتهم الجامعية، مجتمعاتهم، والأشخاص الذين أحبوا.
هذا ليس جهلًا، بل امتياز
هذه هي الديناميكية التي يحاربها السوريون، ليس فقط في المحادثات، بل في كيفية رؤية العالم لثورتهم. ألمهم، نضالهم، وانتصاراتهم هي لهم. لا يحق لأحد، حتى أكثر الناشطين البيض حسن النية، أن يسلبهم ذلك.
لقد خاطروا بحياتهم. عانوا. وهتفوا حتى انكسرت أصواتهم: “آزادي، آزادي!” و”حرية، حرية!”
ثورتهم كانت، وما زالت، ملكًا لهم. ولن يسمحوا لأحد، بما في ذلك الناشطين البيض، أن يمحوها أو يقلل من التضحيات التي قدّموها وما زالوا يقدمونها، لأنهم لن يكونوا أحرارًا حتى يصبح كل واحد منهم حرًا.
