
أزمة اقتصادية خانقة وحملة تطهير تعسفية: الإدارة المؤقتة تزيد من معاناة الشعب السوري
في ظل أزمة إنسانية واقتصادية طاحنة، حيث تجاوزت نسبة الفقر 90% من السكان، ووسط تدهور معيشي غير مسبوق، جاءت وعود السلطة الجديدة بتحسين الأوضاع المعيشية، مثل زيادة الرواتب بنسبة 400% وتحسين التغذية الكهربائية، لتبث الأمل في نفوس السوريين. لكن هذه الوعود سرعان ما تبخرت مع توالي الأيام، لتحل محلها خيبة أمل عميقة جراء الإجراءات التعسفية التي اتخذتها السلطة، والتي زادت من تفاقم الأزمة بدل حلها.
حملة التطهير: استهداف موظفي الدولة وعمّال القطاع العام
بدل أن تبدأ السلطة الجديدة بإصلاح المؤسسات العامة وتحسين أدائها، لجأت إلى حملة تسريح تعسفي واسعة طالت موظفي الدولة، حيث ألغت عقود عشرات العمال وأجبرت آخرين على إجازات قسرية، بينما تم استبدال موظفين ذوي كفاءة بآخرين أقل خبرة، كما حدث في مرفأ طرطوس. هذه الإجراءات لم تكن مبررة، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعيشها السوريون، حيث تشكل الوظيفة العامة مصدر دخل رئيسي لعائلات كثيرة.
حتى المتقاعدون لم يسلموا من هذه الحملة، حيث تأخرت مستحقاتهم لأشهر، بينما توقف صرف الأدوية للمتقاعدين العسكريين من المشافي العسكرية، مما زاد من معاناتهم في ظل غياب أي بديل.
خصخصة القطاع العام: تدمير مكتسبات الشعب
بدل العمل على إصلاح القطاع العام، الذي يعد ملكًا للشعب ومصدرًا رئيسيًا للدخل للدولة والمواطنين، أطلقت السلطة الجديدة شعارات الخصخصة وتحرير الأسواق دون أي دراسة أو تخطيط. هذه الخطوة تعني التخلي عن مكتسبات اجتماعية تاريخية وتحويل القطاع العام إلى ملكية خاصة، مما سيؤدي إلى تفاقم البطالة وتدهور الخدمات العامة.
هذا النهج يعكس غياب الرؤية الإستراتيجية وعدم الاكتراث بالآثار الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على هذه القرارات، خاصة في ظل اقتصاد منهار وأزمة إنسانية طاحنة.
احتجاجات العمال: مقاومة الإجراءات التعسفية
لم يقف العمال والموظفون مكتوفي الأيدي أمام هذه الإجراءات، حيث خرجت تظاهرات احتجاجية في عدة محافظات، دعت إليها “تنسيقيات عمّال التغيير الديمقراطي”، ورفعت شعارات تندد بالفصل التعسفي والإجازات القسرية وخطط الخصخصة. كما بدأ الاتحاد العام لنقابات العمال باستقبال شكاوى العمال والتواصل مع الوزارات المعنية، لكن هذه الجهود لا تزال محدودة في ظل ضعف النشاط العمالي تاريخيًا وارتفاع كلفة النقل وغياب مصادر الدخل.
التمييز بين المطلبي والسياسي: حدود النضال العمالي
رغم أهمية النضال المطلبي، فإن الفصل بين المطالب العمالية والسياسية يحد من فعالية الحركة الاحتجاجية. تنسيقيات عمّال التغيير الديمقراطي، التي تنأى بنفسها عن القوى السياسية، قد تحمي نفسها من “التسلق” من قبل الأحزاب، لكنها في المقابل تفقد القدرة على خلق زخم جماهيري واسع والحفاظ على الضغط اللازم لتحقيق مطالبها. النضال العمالي يجب أن يكون جزءًا من نضال أوسع يهدف إلى تغيير جذري في النظام الاقتصادي والسياسي.
إدارة منعدمة الكفاءة: قرارات متخبطة وغياب الرؤية
أداء السلطة الجديدة في الملف الاقتصادي لا يختلف عن أدائها في الملف السياسي: شعارات براقة ووعود مؤجلة، لكن الواقع يعكس تخبطًا في القرارات وغيابًا للرؤية الواضحة. فمن ناحية، يتم فصل موظفين مثبتين وذوي كفاءة، بينما يتم الإبقاء على آخرين أقل كفاءة. ومن ناحية أخرى، يتم فرض قرارات دون أي مراعاة للصلاحيات الدستورية أو الإجراءات القانونية.
هذا النهج يعكس رغبة السلطة في خلق واقع جديد مفروض على الشعب، دون أي اعتبار لآراء المواطنين أو مصالحهم. لكن هذه الطريقة في التعامل مع الأزمات لن تؤدي إلا إلى تفاقم التوترات الاجتماعية وإعادة إنتاج الأسباب التي أدت إلى الثورة في المقام الأول.
نضال العمال: جزء من نضال أوسع من أجل سوريا ديمقراطية
في ظل هذه الأوضاع، يبرز دور العمال والموظفين كقوة رئيسية في مقاومة سياسات السلطة الجديدة. نضالهم ليس فقط من أجل حقوقهم المباشرة، بل هو جزء من نضال أوسع يهدف إلى بناء سوريا ديمقراطية تعددية، حيث تكون السلطة بيد الشعب وليس بيد نخبة فاسدة أو إدارة متخبطة.
خاتمة: نحو نضال عمالي وسياسي متكامل
أمام السوريين فرصة تاريخية للمشاركة في بناء وطنهم، لكن هذه الفرصة لن تتحقق إلا من خلال نضال عمالي وسياسي متكامل، يرفع شعارات ديمقراطية واشتراكية، ويعمل على بناء تنظيمات قادرة على قيادة التغيير الجذري. النضال من أجل حقوق العمال هو جزء لا يتجزأ من النضال من أجل سوريا حرة وديمقراطية، حيث تكون السلطة بيد الطبقات الكادحة وليس بيد النخب الفاسدة أو الإدارات المتخبطة.
إعداد الخط الأمامي
