
النظام الرأسمالي مولّد دائم للحروب الإمبريالية
شكل الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 من شهر شباط/فبراير الماضي، منعطفا في وضع النظام العالمي الرأسمالي القائم أصلا على التنافس الإقتصادي والتنافس الجيوسياسي. اذ أنه يتوّج انتهاء حَقبة تلت انهيار الاتحاد السوفياتي ودول اوربا الشرقية التابعة له، التي تميزت ، بالهيمنة شبه المطلقة للولايات المتحدة الأمريكية على العالم، بقوتيها العسكرية والاقتصادية. شهد العالم خلالها حروب همجية ومدمرة في أفغانستان والعراق وغيرهما.
في الوقت نفسه، ترافق هذا النزوع الإمبريالي المفرط في احاديته للولايات المتحدة ، باستنزاف لها ولا سيما في العراق وافغانستان، وتفاقم لازمة النظام الرأسمالي العالمي برمته منذ أزمة 2008-2009، لينتهي بفشل حروبها في البلدين المذكورين. في الوقت نفسه، كانت الصين تتحول، بصمت، إلى ثاني، إن لم يكن أكبر اقتصاد في العالم، مع تطوير هائل لقدراتها العسكرية والتكنولوجية، ولنفوذها الاستراتيجي كواحدة من أقوى الإمبرياليات العالمية .
ومن جهتها، كانت روسيا تحت قيادة قيصرها المستبد بوتين تعد العدة لاستعادة مكانتها ونفوذها في محيطها والعالم ، ولم يكن تدخلها العسكري المباشر في سوريا سوى أحد مؤشرات عودتها الامبريالية. إلى جانب ذلك وبسبب مرض التوحد الأمريكي سعت دول اوربا إلى تسريع مشروعها؛ الذي ما يزال بطيئا، الخاص بتحولها إلى قوة عالمية لها مصالحها الخاصة، وبدأ حلف شمال الأطلسي (الناتو) في التخلخل، أو كما وصفه الرئيس الفرنسي حينذاك أن الناتو حلف ” ميت سريريا”. وشهدت تلك الحقبة، ايضا، توسع هامش الاستقلالية للعديد من الدول الإقليمية، من الإمبرياليات الصغيرة، مثل تركيا وإيران.
لكن،الغزو الروسي لاوكرانيا قلب إلى حد كبير هذا المشهد، حيث قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإعادة وضع الدول الاوربية المذعورة، مرة اخرى، تحت جناحيها، وأعادت إحياء وتنشيط حلف الناتو، بحجة الدفاع عن الدول الاوربية في وجه نزعة الحرب والتوسع الروسية، وثمة العديد من المؤشرات التي تميل للتأكيد على ان استفادة الولايات المتحدة من الغزو الروسي لاوكرانيا لحشد الدول الاوربية خلفها، لن تدوم طويلا، فالأوربيين تراجعوا بضع خطوات عن ممارسة العقوبات التي تمس الغاز والنفط لانها تضر بمصالحهم واقتصادهم، ومن جهة أخرى، بدأوا في تشكيل نواة جيش اوربي تحت اسم قوات التدخل السريع.
في حين ان روسيا، رغم ضعف اقتصادها، ولكن مستندة على قوتها العسكرية الهائلة تسعى من خلالها، إلى فرض نفسها بوصفها قوة امبريالية كبرى لا يمكن تجاهلها أو تجاهل مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية. بينما الصين تحافظ بمواقفها المتسمة بالحذر والحزم على قدراتها ونفوذها.

والحال، فان المصالح والتنافس الاقتصادي والجيوسياسي هما محرك النظام الرأسمالي العالمي، ودوما على حساب حياة الشعوب وحريتها ومصالحها. هذا النظام الرأسمالي المأزوم الذي يسود العالم وعبر التنافس الامبريالي يضع دوما مصير البشرية وفنائها على كف عفريت، في الحروب الامبريالية التي لا نهاية لها.
في الموقف من التنافس الإمبريالي والحروب وقف بعض اليسار مع روسيا بوتين الإمبريالية والغازية لاوكرانيا، بحجة أنها تواجه الإمبريالية “الغربية” . في المقابل، وقف البعض الآخر، بشكل واضح أو موارب، مع الامبريالية الامريكية وحلفائها من الدول الغربية، بحجة أنها حرب تحرر وطني في مواجهة امبريالية روسية “رجعية.
بينما، إذ نقف بحزم مع إدانة وضد الغزو الإمبريالي الروسي، فإننا نقف أيضا بنفس الحزم في إدانة وضد الامبريالية الامريكية وحلفائها، لأن كلا الامبرياليتين، يشكلان خطرا على شعوب العالم ومصير البشرية، ولاتعنيهما مصالح الشعوب، ونقف مع حق الشعب الأوكراني بالحرية والاستقلال عن كل وصاية أو احتلال.
هذا الوضع العالمي المتوتر ينعكس، كالعادة، على الوضع السوري. فالتحولات الجارية، في ظل هدير الحرب، في نظام المنافسة بين الامبرياليات العالمية، نشهد بعض تبعاته في ما تقوم به الدولة التركية، مستفيدة من سعي كل من روسيا وامريكا لاستمالتها، من تصعيد حروبها وعملياتها العسكرية في كل من سوريا والعراق، وتقوم، في الوقت نفسه، بفتح قنوات تواصل مع النظام السوري، في مواجهة ما يدعيناه بالخطر “الانفصالي” الكردي.
كما أن تواجد قوات امبريالية وإقليمية متعددة في بلادنا، كانت تعمل وفق تفاهمات فيما بينها لتقسيم مناطق نفوذها، لكن الحرب الامبريالية الدائرة قد تحول هذه التفاهمات إلى صراع مفتوح مباشر بينها على أراضي سوريا، ما يفاقم من الدمار والخراب الذي يعيشه الشعب السوري.
في مواجهة هذه التحديات، ندعو إلى المبادرة في بناء تحالف مناهضة الحرب، للعمل سويا على وقف الحروب الجارية في سوريا، ومنع حروب جديدة فيها، و على رفع العقوبات والحصار الذي يساهم في تجويع غالبية السوريين. ومن أجل أن يستطيع السوريون استعادة استقلالهم وحقهم بالحرية و الكرامة. ويعمل على ربط كفاح السوريين في مناطق تواجدهم المنعزلة عن بعضها البعض.
كما يستدعي الوضع الراهن، تعزيز أواصر النضال المشترك العربي-الكردي، وعموم الشعب السوري لانتزاع الحق في تقرير المصير بكل حرية، وإرساء السلام والعدل والحرية في ربوع بلادنا .
✪ إعلام من أجل الاشتراكية والثورة
#الخط_الأمامي #اليسار_الثوري ☭✊🚩