أن الشمال السوري في المناطق الواقعة تحت سيطرة الاحتلال التركي المباشرة أو بالوكالة، يعاني من حالة تبعية كبيرة لتركيا، لا يتعلق ذلك بأن تركيا من أعادت هندسة توزع الفصائل وتشتيتها بحيث لا يوجد في ريف حلب المحتل قوة محلية مسيطرة فعلياً وتغيير ديموغرافي، بل ينسحب الأمر على اعتماد الشمال كلياً على تركيا لتأمين الخدمات الأساسية كالكهرباء والإنترنت والبريد ودخول المساعدات الإنسانية والبضائع التركية والصينية وغيرها إلى الشمال السوري.
بعد انطلاق الثورة السورية، وفشل عدة مناورات تركية سياسية ودبلوماسية لتأهيل النظام والالتفاف على الثورة الشعبية، تبنت تركيا سياسة دعم صعود الثورة المضادة بما يضمن مصالحها الجيوستراتيجية في سوريا ، وبعد هزيمة الثورة السورية وتحول الصراع إلى صراع عسكري مركب محلي بين النظام والثورات المضادة ودولي وإقليمي ، و حرب بالوكالة تخوضها مليشيات تتلقى التمويل والتوجيه والدعم من أطراف دولية وعربية واقليمية ومنها تركيا ، عملت تركيا على الاستثمار في ساحة الحرب المفتوحة لتحقيق أكبر حماية ممكنة لمصالحها وكان جزء من أدوات استثمارها ، كيانات لمرتزقة السياسية والعسكرية . استغلت نقطة أنها كانت تمثل المنفذ الوحيد لمناطق شمال غرب سوريا .
كانت تركيا منفذاً مفتوحاً في البداية يضمن ممرا للسوريين الهاربين بعد هزيمة الثورة، من النظام والثورات المضادة والحرب ، وكذلك تحولت إلى مكاناً زاخراً بفرص العمل بعد تصدير رأس المال الهارب من الحرب ، والايدي العاملة والمصانع التي تم نقلها من سورية الى تركيا ، رغم الاستغلال الكبير للعمال السوريين، وفي الحد الأدنى مكاناً آمناً بعيداً عن الحرب اليومية.
كل هذا، سمح لتركيا أن تتدعي أنها الداعم لحرية الشعب السوري، رغم أن كل ما فعلته هو المشاركة في هزيمة الثورة السورية ودعم الثورة المضادة والتنسيق مع الاحتلالات الدولية في سوريا، ثم شاركت ودعمت عمليات التغيير الديمغرافي في حلب وريفها وريف دمشق وحمص وادلب وغيرها، لتحقيق مصالحها القومية دون أن تكون مصالح السوريين ضمن أولوياتها.
في المحصلة، أصبح الشمال السوري يستخدم العملة التركية ويستخدم الكهرباء والإنترنت من المصادر التركية، ولا يملك منافذ تربطه بالعالم سوى المعابر التركية، إضافة إلى وجود القوات المحتلة التركية في سوريا فعلياً وسيطرتها على القرار في تلك المناطق.
إن كل ما فعلته تركيا هدفه تحقيق أهدافها التوسعية وإيجاد ظرف اقتصادي واجتماعي وسياسي وعسكري يشكل الحامل لمشروعها . ووجدت بورقة عودة اللاجئين غطاء لعملياتها العسكرية التوسعية في سوريا وخلقت مشروع استيطاني يستغل المهجرين من مناطق سورية أخرى كانت هي جزء أساسي من حدوثها لتصنع منهم مستوطنون في أماكن هجرت تركيا سكانها ، فحولت المهجر والنازح إلى مستوطن يحل محل مهجر ونازح آخر ،أضف إلى ذلك، هل هذه المناطق حقاً تصلح للحياة وتملك فرص عمل بأجور جيدة؟ طبعاً لا بل إن الأسعار في تلك المناطق تزداد وتتقارب والعرض فيها أكثر من الطلب في جميع المنتجات والنشاطات الاقتصادية، نتيجة انتشار البطالة وانخفاض الأجور.
ولا ننسى أن معظم المقيمين في تلك المناطق نازحون أصلاً مما رفع إيجارات المنازل وجعلها تتراوح بين 100 و200 دولار للمنزل الواحد، وإن إعادة السوريين من تركيا سيكون إلى مناطق أخرى من البلاد غير التي خرجوا منها، عملاً على مزيد من التغيير الديمغرافي وشرذمة الشعب السوري وتشتيته، خدمة للمصالح القومية التركية فقط.
أخيراً إن إعادة اللاجئين السوريين سواء من تركيا أو لبنان والذي يتم وفق التفاهمات مع النظام دون مراعاة الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي في المناطق المعادين إليها يجعل من العودة القسرية وجها آخر لنفس الجريمة “التهجير القسري” ويأتي في إطار محاولة إعادة تأهيل النظام وإيجاد واقع ديموغرافي يتناسب مع مشروع تأهيل النظام السوري وإعادته إلى نادي الدول البرجوازية القمعية المرضي عليها دولياً.
الخط الأمامي
