إلى الرفيقات والرفاق

أطلق تيار اليسار الثوري في سوريا مؤخرا موقعه الجديد، ويمثل ذلك نقلة نوعية في العمل الدعائي، ولكن يطرح الموقع الجديد بعض التحديات الكبيرة على عضوية الحزب كلها لا المجموعة الإعلامية وحدها، وهو ضرورة توفر المحتوى بشكل منتظم للنشر، أي ضرورة مراسلة الموقع باستمرار من قبل الرفاق، وإمداده بالتقارير المكتوبة، الصور، الفيديوهات، والأعمال الفنية والتصميمات.اذ إن مراسلة الموقع لا تعد رفاهية أو مسؤولية عدد قليل من الرفاق القائمين على إدارة الموقع، بل يجب أن يتواصل مع الموقع أكبر عدد من الرفاق في الحزب إن لم يكن كلهم.
الموقع لا يزال في المرحلة الأولى، ولا تزال هناك بعض المشاكل الفنية أو مهمات لم تنتهي، ويعكف الفريق التقني على حلها أو استكمالها، مع تطوير الموقع لننتقل بالمشروع إلى المرحلة الثانية، التي تتضمن إقامة قسم خاص بالمالتيميديا ومنتدى حوار لأعضاء الحزب، ومكتبة ضخمة، بالإضافة لإعادة ترتيب الفريق الاعلامي من غرفة الأخبار إلى وحدة الترجمة وغيرها.
قد يستغرق الانتقال بالمشروع إلى المرحلة الثانية شهورا، فالتحدي الذي نواجهه ليس تقنيا فقط، بل سياسي وتنظيمي أيضا، ولن يستطيع الموقع الارتقاء بأدائه بدون استيعاب الدور الذي يجب أن يلعبه، وإعادة تنظيم صفوف الحزب لخدمة هذا النهج من العمل الثوري.
لعبت المدونة الأولى التي أطلقتها مجموعات اليسار الثوري إبان الانتفاضة الشعبية في سوريا عام 2012 دورا محوريا وأساسيا في الثورة السورية مما استدعى جريدة السفير اللبنانية أن تكتب عن نشاطها وانتشارها آنذاك.
وحوالي عام 2014 أسسنا موقعنا الأول الذي كان غني ومتنوع وحرفي وقدم صورة جيدة عن الحزب واستطاع إلى حد ما أن يكون الناظم للعمل الحزبي ووفر الموقع آنذاك فرصة جيدة في حدود المتاح لنشر أفكارنا على الإنترنت وتوفير أرشيف أدبياتنا وجذب قطاع من الشباب للحزب وأفكاره، وتطوير بعض الأداءات والمبادرات التي كانت تحدث على المستوى الفردي وربطها بالتوجه العام للحزب.
في بداية عام 2017 جرى قرصنة الموقع وتدمير محتواه من قبل مجموعة مقرصنة أدعت أنها تابعة لنظام الطغمة في دمشق مما أدى إلى تشتت نشاط الرفيقات والرفاق بالإضافة لوضع الهزيمة والانكسار الذي تعاني منه الطبقات العاملة والشعبية في سوريا ومن ضمنهم رفيقاتنا ورفاقنا والوسط الصداقي المحيط بنا
ترافق تأسيس الموقع الجديد مع نقلات كبيرة على مستوى تحولنا من منظمة إلى «حزب صغير » ما يطرح مهام أكبر على عاتق الموقع والعمل الاعلامي ككل. ويعاني الموقع والفريق الإعلامي من عدة مشكلات أهمها:
▪️في أحيان كثيرة يبدو الموقع معزولا عن الأحداث الآنية، وكان على أعضاء فريق عمل الموقع “مطاردة” الرفاق من أجل إمدادهم بالتقارير، والتي كانت تصل متأخرة أو لا تصل على الإطلاق للموقع. و عدد المراسلين قليلا جدا.
▪️ لا يوجد محتوى مرئي ومسموع من صور وفيديوهات وتسجيلات كافية تحيط بكل القضايا.
▪️ بالرغم من المحتوى الغني للموقع فقد كان بجهود حثيثة من مجموعة صغيرة أشرفت على اختيار مقالات من أحزاب اشتراكية ثورية أخرى وإضافتها لتسلسل نشر المقالات في الموقع
▪️بسبب ضغط العمل على الموقع والمقالات لم تتواجد خطة واضحة للدعاية على الشبكات الاجتماعية مثل تويتر وفيسبوك ويوتيوب وتيليغرام بالرغم من إنشاء حسابات رسمية للحزب عليها.
▪️ ضعف غرفة الأخبار و عدم قدرتها على متابعة القضايا الأساسية ونشر اخبار موجزة عنها
▪️ضعف القدرات على إنتاج محتوى اشتراكي ثوري مميز مما يستدعي الحاجة إلى إقامة ورشات تدريبية على العمل الصحفي الثوري
تلك المشاكل كان لها أيضا طابع سياسي:
النظرة السياسية التقليدية لطبيعة مهمة الموقع، وهي لا تتعدى كونه رديف على الإنترنت لمحتوى جريدة الخط الأمامي الورقية وال pdf التي تصدر شهريا.
– عدم اهتمام الرفيقات والرفاق في الحزب بمراسلة الموقع لا يرجع فقط لصعوبة تصفحه أو ضعف شبكة الانترنيت، ولكن له أيضا جذورا سياسية، تتلخص مرة أخرى في عدم إدراك المهمة السياسية التي يجب على موقع الإنترنت لعبها في حركة ثورية… أن يلعب دور الناظم..
مثل كتاب لينين “ما العمل” الأساس النظري لكل المنظمات الماركسية في القرن الماضي. كان لينين في هذا الكتاب يحاول الإجابة على سؤال واجه الثوار في روسيا آنذاك ويواجه الثوار اليوم وفي أي وقت. كيف تنبي تنظيما؟ كيف تحاول تنسيق حركة مجموعات ثورية مشتتة جغرافيا في بلد متنامي الأطراف؟ كيف تضمن وحدة ومركزية الفعل وفي الوقت نفسه تخلق قنوات اتصال بين الثوار للنقاش الديمقراطي؟
كان جواب لينين آنذاك هو الجريدة الثورية. كل عضو/ة في المنظمة الثورية هو/ي في الحقيقة مراسل/ة صحفي/ة لتلك الجريدة الثورية، وواجب كل رفيق/ة إمداد الجريدة بالتقارير. عبر اشتباك المراسل/ة الثوري/ة مع أي صراع أو فعالية تحدث في مكان العمل أو الإقامة، لذا كل متابعة لتقرير يساهم بتعميم الخبرة على كل من يقرأها من الرفيقات والرفاق في القطاعات والمناطق الأخرى، وتخلق له/لها الجريدة فرصة للتواصل مع هذا الجمهور الذي يتم الاشتباك مع قضيته.
العدد الذي نقرأ فيه تقرير عن مصنع ما على سبيل المثال في جريدة الخط الأمامي، يعني أن هناك رفيق/ة ذهب إلى المصنع، وتفاعل مع العمال هناك وخلق صلات، ثم عاد بالتقرير. أو اتصل مع أحد العمال وتواصل معهم بطريقة من الطرق. إذا العملية الصحفية هنا هي عملية تنظيمية. من السهل أن يجلس أي شخص في مكتبه ويتصفح النت ثم يكتب خبرا عن المصنع المذكور ولكن ليست هذه نوعية الصحافة التي نريدها. مراسلتك بالتقرير يعني اشتباكك على الأرض أو بشكل مباشر وفي نفس الوقت اتصالك بباقي أعضاء الحزب وأنت تشتبك عن طريق القناة المفتوحة بينك وبين إدارة تحرير الجريدة.
المراسل الثوري ليس “محايدا” ولا يدعي “الحياد”. المراسل الثوري منحاز، منحاز للعمال في صراعهم مع الإدارة، منحاز للجماهير في أي معركة ضد السلطة. ولا يعني هذا الانحياز الكذب والتهويل. هذه مهمة الإعلام البرجوازي وليس الثوري. فللأسف أحيانا نرى بعض الصحفيين النشطاء يضخمون من حجم مظاهرة، فتصبح مظاهرة من 20 عامل فجأة 2000 أو يهزم العمال في الإضراب فيحاولون تصوير الحدث كانتصار، معتقدين خطأً أن ذلك يساعد العمال ويرفع من معنوياتهم.
تلعب الجريدة الثورية الناظمة، كما شرح لينين، دورا مهما في توحيد مواقف أعضاء الحركة في مختلف أنحاء البلد. فاليساري الثوري في أي مكان في سوريا وبلدان اللجوء يستطيع نظريا عبر الجريدة أن يتعرف على موقف الحزب الرسمي تجاه تلك القضية أو ذاك.
لكن لينين كان يكتب هذا الكلام في بداية القرن العشرين، وقت أن كانت الأخبار تنتقل من مدينة إلى أخرى عن طريق ساعي بريد يمتطي حصانا. حتى في 1917 عندما اندلعت الثورة الروسية، كانت أخبار الثورة في بتروجراد وموسكو تحتاج إلى أسابيع وشهور في بعض الأحيان لتصل باقي أرجاء الإمبراطورية الروسية.
الوضع مختلف اليوم. فالأخبار تنتشر بسرعة البرق ليس في داخل أي بلد فقط، بل بين قارات العالم الست. تستطيع عبر الإنترنت والفضائيات أن تجلس في دمشق وتتابع أخبار ثورة تونس دقيقة بدقيقة. تستطيع أن تكون في ادلب وتتواصل مع موظفين بريطانيين معتصمين في مكاتبهم بمدينة صغيرة في اسكتلندا عبر تويتر أو فيسبوك، تستطيع أن تكون في القامشلي وتتابع أخبار مسيرات عمال المناجم في أسبانيا بالبث الحي على الإنترنت.
ويمثل تطور قطاع الاتصالات في سوريا نموذجا صارخا للـ”تطور المركب واللا متكافئ” للرأسمالية كما تحدث عنه تروتسكي. ففي بلد مفكك منهار محتل يعاني الغالبية الساحقة فيه من الفقر ينتشر فيه استعمال الانترنيت بصورة واسعة خصوصا بين الطبقات العاملة والكادحة وحتى أن الأسواق السورية توفر أحدث الأجهزة رغم كل ما يدعيه نظام الطغمة من حصار اقتصادي.
إن إيقاع عمل أي حركة ثورية يحدده الناظم إلى حد كبير. ففي السابق، كانت الجريدة الشهرية الناظمة للأحزاب الثورية تصدر شهريا، وكان هذا مناسبا لإيقاع الصراع الطبقي المنخفض آنذاك وأيضا انعكاسا لحجم اليسار الثوري في حينها.
واليوم إذا اعتبرنا الموقع هو ذلك الناظم فإن ذلك يعني أننا في حاجة ماسة لتجديد هذا الموقع دقيقة بدقيقة ومتابعة الأحداث والفعاليات السياسية التي تحدث في سوريا قبل أي مصدر خبري تقليدي. إن وصول التقارير والتحديثات للموقع على مدار الساعة، يترجم تنظيميا إلى وجود مراسلين ثوريين على الأرض يشتبكون مع الحدث ثم يبعثون بالتقرير إلى “المركز” وهو إدارة الموقع، بما يترتب عليه إيقاع أسرع للعمل التنظيمي.
فإذا نشرت جريدة الوطن على سبيل المثال خبرا عن قيام إضراب في مصنع ما بحسيا ولم يظهر هذا الخبر على الموقع، فعلينا آنذاك أن نتساءل لماذا؟ إذا كان لليسار الثوري تواجدا أو علاقة بهذا المصنع فلماذا لم يتم إرسال هذا الخبر على الفور إلى الموقع؟ إن قيام العامل (وهو في هذه الحالة “المراسل الثوري”) بالاتصال بالموقع لإمداده بالخبر ضروري بنفس ضرورة انهماكه في تنظيم المتاريس التي تحمي الاعتصام. فالمراسلة مع الموقع آنذاك تعني أن العامل/ المراسل الثوري ضمن شبكة الاتصال، وما يفعله في حسيا يتم تعميم خبرته على الفور لباقي أعضاء الحزب بل ولكافة المناضلين المهتمين بالنضال العمالي ويضعهم على أهبة الاستعداد دائما للتضامن وتنسيق ما يفعلونه في محافظاتهم مع ما يفعله رفاقهم في حسيا.
يعني هذا مرة أخرى دفعة هائلة لتسريع إيقاع التواصل بين قطاعات الحزب . فوجود مراسلين ثوريين على الأرض في كل المحافظات مطالبين بإمداد الموقع على مدار الساعة بالتقارير، ويساءلون حين نعلم بأخبار محافظتهم من الإعلام التقليدي وليس منهم، يعني أن هناك مناضلين على الأرض مكلفين بالعمل على مدار الساعة للاشتباك مع الفعاليات التي تحدث وتحت ضغط مستمر لتوسيع شبكة المراسلين الثوريين في محافظتهم، أي كسب المزيد من العضوية للحركة.
فلنفترض مثلا أن انقلابا عسكريا وقع اليوم، هل ينتظر الكادر اليساري الثوري في أي مكان بسوريا صدور الجريدة بعد أسبوعين أو ثلاثة لكي يعرف ما هو موقفنا؟ أم ستقوم لجنة العمل المركزي في الحزب بالاتصال التليفوني أو السفر لمقابلة كل رفيق لتبليغه بالموقف؟ يبرز دور الموقع الناظم مرة أخرى. من البديهي أن الموقع سيوفر وسيلة سريعة للاتصال وإعلان الموقف الرسمي لأعضاء الحزب في مختلف المحافظات وأقسام سوريا وحتى دول اللجوء في هذا الموقف أو في غيره من المواقف التي تحتاج إلى سرعة رد الفعل الموحد.
يهتم مراسل الجريدة بالمحتوى المكتوب، ولكن يجب على الرفاق مراسلي الموقع أن يولوا عناية خاصة للمحتوى المرئي من صور وفيديوهات بجانب التقارير المكتوبة عن الفعاليات التي يشتبكون بها. التصوير الفوتوغرافي والفيديو ليسا رفاهية، بل واجب على كل رفيق يشتبك في حدث أن يعمل بجهد على تصويره بكاميرا أو بالموبايل. ويجب على الحزب أن يولي بشكل عام عناية خاصة لنقل مهارات التصوير والتدريب على الاستعمال الآمن للبريد الإليكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر وسيجنال وتيليغرام إلى كل الأعضاء بقدر المستطاع.
الموقع لن يكون بديلا عن الجريدة، ويجب أن يستمر الرفاق في العمل الجاد على توزيع الجريدة في الفعاليات وعلى شبكة الأعضاء ودوائر المتعاطفين. بالرغم من تزايد دخول الطبقة العاملة على الإنترنت. إلا أن الجريدة الورقية تظل وسيلة أساسية للتفاعل معهم ويجب وأن نبذل قصارى جهدنا في انتظام صدورها، ولكن ستكون الجريدة أداة تكميلية وليست المركزية في أدوات الدعاية الناظمة، وقد يكون اعتماد الموقع كناظم هو أول خطوة تجاه الإجابة العصرية على نفس السؤال الذي طرحه لينين في القرن الماضي: ما العمل؟
المكتب التنظيمي
تيار اليسار الثوري في سوريا
