
تعاني مناطق شمال وشرق سوريا من أزمة كبيرة قد تبلغ حدودها الى أبعد من مجرد ثمن تسعيرة القمح، وتحمل في طياتها مؤشرات إلى تناقضات أعمق لا سبيل لحلها إلا عبر سياسات تحررية جذرية.
فمعلوم للجميع أن سياسات وممارسات الثورات المضادة المتعددة الأطراف تعمل على رفع وتيرة التهديد ضد الإدارة الذاتية عبر آليتين تصعدان في آن معا.
الأولى؛ من داخل مناطق الإدارة الذاتية عبر فرض سياسات اقتصادية لا تلبي حقا مصالح الطبقة العاملة وصغار الفلاحين وتهدد الأمن الغذائي والاقتصادي للجماهير في شمال وشرق سوريا ، وايضا عبر الهياكل العشائرية البائدة والفئات الفاسدة ذات المصالح الطبقية التي تتلاعب على أوجاع العمال والشغيلة وعموم المسحوقين.
وثانيا؛ من خارج الادارة الذاتية حيث يزداد التهديد التركي بالغزو ومتابعة الحرب ضدها ، وتهديدات النظام والميليشيات الحليفة له والحصار المفروض عليها منذ سنوات طويلة . ما قد يفاقم من جدية خطر تهديدات القوى المضادة للثورة هو مقدار اتساع الهوة بين الإدارة الذاتية عن إرادة ومصالح الجماهير العاملة والشغيلة وصغار الفلاحين.
إن مناطق الإدارة الذاتية التي تتعرض لتدمير ممنهج لبناها التحتية ووسائل الإنتاج فيها من خلال هجمات الاحتلال التركي والنظام السوري إنما تتعرض بنفس القدر لهجمات بيروقراطية نيو ليبرالية داخلية منفلتة عن الرقابة الشعبية تلغم الأساس الذي تقوم عليه التجربة عبر سلسلة من القرارات الاقتصادية والسياسية والأمنية، أقل ما يقال عنها أنها غير مسؤولة .
إن مسألة الزراعة في شمال شرق سوريا هي عصب أساسي لحياة مشروع الإدارة الذاتية ككل والتعاطي معها بمنطق التسليع الرأسمالي الاحتكاري السلطوي يشكل نقيضا لطبيعة المشروع التحرري وينسف الأساس الاقتصادي _ الاجتماعي للإدارة الذاتية القائم على اللا مركزية وعلى المشاركة الشعبية.
كما أن التسعير المجحف للقمح لا يأخذ بالحسبان قيمة قوة العمل المبذول لإنتاجه، فالسعر المفروض لا يكفي حتى لتجديد قوة العمل نفسها ولا لتجديد عملية الإنتاج، وسيكون بالتالي كارثياً على كل قطاعات النشاط الاقتصادي في شمال وشرق سورية.
إننا في تيار اليسار الثوري نقف مع مطالب العمال الزراعيين وصغار الفلاحين وعموم الشغيلة في شمال شرق سوريا ونطالب برفع تسعيرة القمح وربطها بتكاليف الإنتاج الحقيقية مراعية للتضخم الاقتصادي ولإنخفاض انتاجية الموسم الحالي ولقيمة العمل المبذول، ونطالب بوقف تصديره ومكافحة تهريب القمح تماماً، وبوقف استيراد القمح والطحين الأجنبي، وربط الاستهلاك المحلي بالإنتاج المحلي، ونطالب بتعويض عادل للأراضي المحروقة يتناسب مع حجم الضرر ويكفل، بالحد الأدنى، تجديد قوة العمل والإنتاج، ونطالب بتسعيرة تصاعدية للقمح لمصلحة صغار الفلاحين وصغار المنتجين تكون منحازة للعمال الزراعيين غير المالكين للأراضي وللملاك الصغار وعدم مساواتهم بالتسعير مع أصحاب الملكيات الكبيرة التي تصل إلى ١٠٠ هكتار أحياناً.
ندعو الإدارة الذاتية للتنبه لمخاطر السياسات الاقتصادية الحالية ووضع حد للسياسات الرأسمالية المنفلتة من عقالها والمدمرة للإنتاج الزراعي وللعمال.
ندعو الإدارة الذاتية لحماية حرية التظاهر والإضرابات للجماهير والشغيلة والاستجابة للمطالب والتعامل معها بسياسات تعمق إرتباط الإدارة بجماهير الشغيلة والعمال الزراعيين.
ندعو العمال الزراعيين والشغيلة وصغار الفلاحين للاستمرار بممارسة الضغط لتحصيل حقوقهم وعدم الرضوخ، ونحذرهم من الهياكل العشائرية البائدة من مخلفات الإقطاع، التي ستتسلق على ظهر الفلاح بعد أن أدمته سياطها لقرون محاولة انتزاع الشرعية الوصائية السلطوية باسم العشيرة على حساب عموم الفلاحين والعمال الزراعيين . ونحذرهم من محاولات تغلغل أطراف الثورة المضادة التي ستحاول التسلق على هذه الاحتجاجات وضرورة مواجهتها وقطع الطريق عليها.
وندعو الإدارة الذاتية إلى تجنب الوقوع في الخطأ المعتاد بالتفاوض مع الواجهات العشائرية وتجاهل جموع الشغيلة، وندعوها لتبني سياسات تخدم الجماهير الشعبية بوصفها الحامل الأساسي والحامي الرئيسي للإدارة الذاتية ، وأن تضع حدا لتوحش رأس المال والبيروقراطية المستفحلة والطغم المالية والواجهات العشائرية.
تيار اليسار الثوري في سوريا
31 آيار/مايو 2024

