فهرس المحتويات

مقدمة
التيار الماركسي الأممي IMT، بقيادة آلان وودز، أعاد تسمية نفسه باسم “الشيوعيين”. فهل يمثل هذا التغيير تحولاً نحو اليسار؟ وهل يستطيع هذا التحول أن يخفي عقوداً من المواقف الانتهازية بين عشية وضحاها؟
في هذا الشهر، يقوم التيار الماركسي الأممي، بقيادة آلان وودز، بإعادة تسمية بعضاً من أكبر فروعه.
و يخطط لتأسيس حزب شيوعي ثوري في بريطانيا ، وآخر في سويسرا، وآخر في كندا. وبينما كان هذا المقال في طور النشر، أعلنوا للتو أنهم سيعيدون تسمية أنفسهم “بالأممية الشيوعية الثورية”.
خلال العام الماضي، قام أعضاء IMT بتوزيع نفس الملصق في العديد من البلدان: “هل أنت شيوعي؟ إذن كن منظمًا.” ويتيح لك رمز الاستجابة السريعة QR التسجيل في IMT والبدء في إرسال الأموال إليهم.
لقد ظل التيار الماركسي الأممي موجودًا بشكله الحالي منذ 30 عامًا، ونادراً ما استخدم شعار المطرقة والمنجل ولم يرفعه إلا مؤخراً. فماذا يوجد وراء تغيير العلامة التجارية؟ دعونا نلقي نظرة على تاريخ التيار الماركسي الأممي لفهم مساره الحالي.
الانفصال عن CWI
تأسس التيار الماركسي الأممي في عام 1992 (على الرغم من أنه اعتمد اسم التيار الماركسي الأممي بعد عقد من الزمن فقط) باعتباره انشقاقًا عن لجنة الأممية العمالية CWI .
كانت CWI مجموعة تروتسكية أسسها تيد غرانت عام 1974، و تَمَحْوَرَت حول تيار “المناضل” MILITANT داخل حزب العمال البريطاني الرسمي.
عندما انهارت المنظمة الثورية التي أسسها ليون تروتسكي “الأممية الرابعة” وتحولت إلى سياسة الوسطية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية أصبح جرانت أحد قادتها.
وبعد عام 1945، عندما كانت الحركة التروتسكية معزولة ومشوشة، اعتقد عدد من قادتها أن أفضل أمل لهم هو سياسة السبات داخل الأحزاب الديمقراطية الاشتراكية، وبذلك تحويل تكتيك “الدخولية” قصير المدى إلى استراتيجية طويلة المدى. ورغم أن غرانت كان متشككاً في الأصل في هذا “الدخول الفريد” (والذي يمكن أن يسمى أيضاً “الدخول الطويل الأمد” أو “الدخول دون خروج”)، فإنه سرعان ما أصبح من أكثر أتباعه التزاماً. (1)
عندما بدأ التجذر الشبابي في عام 1968 تقريبًا، تحررت معظم انشقاقات الحركة التروتسكية من الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية وأسست منظمات ثورية جديدة مستقلة. ولكن بخلاف ذلك، ضاعف غرانت من توجهه نحو حزب العمال: فقد أعلن أنه “قانون تاريخي” يقضي بأن تلجأ الجماهير دائماً، في أوقات الاضطرابات، إلى “منظماتها الجماهيرية التقليدية”، مما يُلزم الماركسيين بالانضمام إلى الأحزاب الإصلاحية.
إن عقودًا من العمل داخل حزب العمال كانت بطبيعة الحال غير متوافقة مع الدفاع عن البرنامج البلشفي العلني. وتحت قيادة غرانت، دافعت مجموعة “المناضل” MILITANT عن برنامج وسطي حاول التوفيق بين المواقف الثورية والإصلاحية، ورفع تلك المطالب التي لا “تخيف” العامل “العادي” فقط .
ادعى هذا التيار MILITANT، على سبيل المثال، أن الاشتراكية يمكن تنفيذها سلمياً إذا فاز حزب العمال البريطاني بأغلبية في البرلمان ونفذ برنامجاً اشتراكياً جريئاً. وزعم أن رجال الشرطة انما هم “عمال يرتدون الزي العسكري” ويجب تنظيمهم في نقابات العمال. وعندما شنت حكومة مارغريت تاتشر حرباً إمبريالية ضد الأرجنتين، رفض غرانت أي نوع من المقاومة المناهضة للإمبريالية لأن ذلك من شأنه أن “يجعل الماركسيين شاحبين في أعين العمال”.
بحلول منتصف الثمانينات من القرن العشرين، كانت حركة “المناضل” MILITANT قد وصلت إلى تأثير معين (على الرغم من أن ادّعاءاتها بوجود 8000 عضو هو أمر مبالغ فيه كثيرا). وفي نهاية المطاف، قررت بيروقراطية حزب العمال البريطاني التخلص من التروتسكيين الذين يديرون منظمة شباب حزب العمال.
ولم يتمكن المناضل MILITANT، الملتزم بالتوجه والارتباط الدائم نحو حزب العمال البريطاني، من المقاومة – وبدلاً من ذلك، حاول أنصار غرانت التعمق أكثر في ارتباطهم بحزب العمال البريطاني. وأدى ذلك إلى الإحباط وانهيار في عدد الأعضاء داخله. وبحلول أوائل التسعينيات، قرر معظم جهاز المجموعة واسع تحت قيادة بيتر تافيه -احد قادة المجموعة- (مع أكثر من 250 موظفًا بدوام كامل) أنه بحاجة إلى الانفصال عن حزب العمال البريطاني لإنقاذ ما تبقى من المنظمة أي CWI. حدث هذا “التحول الاسكتلندي” بعد عقود عديدة من الدولية في حزب العمال البريطاني، وعندها تركت أغلبية أعضاء الـ CWI , الديمقراطية الاشتراكية.
ما أصبح يعرف فيما بعد باسم التيار الماركسي الأممي كان هو أقلية CWI، بقيادة غرانت وودز، الذين عارضوا انفصال الأغلبية في CWI عن حزب العمال والديمقراطية الاشتراكية. وقال غرانت إن ترك حزب العمال البريطاني سيعني إضاعة عقود من العمل الصبور داخله. وبالتالي، كان السبب الرئيسي لوجود التيار الماركسي الأممي هو التعلق والتشبث داخل حزب العمال، والحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، وغيرهما من الأحزاب العمالية الإصلاحية.
مارست المنظمة الشيوعية البريطانية “CWI” ، ومن ثم التيار الماركسي الأممي “”IMT، سياسة الدخولية على المدى الطويل ليس فقط داخل الأحزاب العمالية البرجوازية ولكن أيضًا داخل الأحزاب البرجوازية البحتة، مثل حزب الثورة الديمقراطية (PRD) ولاحقًا حركة مورينا في المكسيك، أو حزب الشعب الباكستاني في باكستان. ولم يحصل التيار الماركسي الأممي سوى على عضوًا واحدًا في البرلمانات الوطنية، فقد تم تقديم مرشح عن حزب الشعب الباكستاني، والذي كان، وفقًا لرواية التيار الماركسي الأممي، فاسدًا مثل حزبه تمامًا.
البحث عن شرط موضوعي على مقاس الذاتي
بعد انفصاله عن CWI، استمر التيار الماركسي الأممي IMT باعتباره نفسه “الصوت الماركسي للأحزاب الديمقراطية الاجتماعية )أحزاب الأممية الثانية)” لعدة عقود أخرى. ومع ذلك، فقد واجه نفس المشكلة الموضوعية التي واجهها أنصار تافيه: فبينما نفذ حزب العمال البريطاني والحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني والأحزاب المماثلة سياسات نيوليبرالية وحشية، كانت قدرة IMT على استقطاب العمال والشباب ذوي العقلية الاشتراكية قد أصبحت أقل بكثير. لذا، كان على التيار الماركسي الأممي IMT، رغم التزامه الرسمي بمبادئه الدخولية، أن يبحث عن أوساط جديدة.
ووجدوا موضوعًا أثار حماسة الشباب ذوي الميول اليسارية في أوائل ومنتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين: حكومات المد الوردي في أمريكا اللاتينية. فأصبح آلان وودز الزعيم الأوحد لهذا التيار مشجعًا ومستشارا للرئيس الفنزويلي هوغو شافيز.
وبعد هزيمة محاولة الانقلاب ضد شافيز في عام 2002 أمام التعبئة الجماهيرية، غير شافيز خطابه وأعلن أن هدفه هو “اشتراكية القرن الحادي والعشرين”.
في حين كانت حكومة شافيز تمثل ما يسميه الماركسيون بالبونابرتية الفريدة. (على أمل الحصول على مزيد من الاستقلالية عن الإمبريالية، يحتاج قسم من البرجوازية في بلد شبه مستعمر إلى تعبئة الجماهير بمطالب تقدمية). هذه هي الطريقة التي قام بها تروتسكي بتحليل حكومة لازارو كارديناس في المكسيك في الثلاثينيات، على سبيل المثال.
رفض وودز تطبيق التحليل الماركسي على فنزويلا، وأعلن أن شافيز كان يقود ثورة اشتراكية، على الرغم من أن شافيز كان رئيسًا لدولة برجوازية ودافع دائمًا عن الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج, ولم يتوقف شافيز قط عن سداد الديون الخارجية للبلاد للإمبريالية.
طبّق آلان وودز تبريرات غرانت النظرية للانتهازية، فكتب أن طرح التحليل الماركسي الواضح حول الحكومة الفنزويلية سيكون “عصبويا” و”سيعزلنا على الفور… عن الجماهير”.
استندت استراتيجية آلان وودز لمحاولة تبرير موقفه الانتهازي إلى فكرة مفادها أن الحكومة البوليفارية، مع ما يكفي من الضغط من الجماهير، يمكن دفعها إلى الانفصال عن الرأسمالية. وهذه الاستراتيجية الوسطية الكلاسيكية، صاغها ميشيل بابلو في أوائل الخمسينيات كمبرر لدعمه السياسي لحكومة بن بيلا الجزائرية.
ومن الجدير بالذكر؛ أن التيار الماركسي الأممي خالف، دون أي تعليق، تقليد معلمه الأول تيد غرانت.
ففي الستينيات، انتقد غرانت بابلو وغيره من القادة في الأممية الرابعة لتكيفهم مع الدولة الكوبية (العمالية المشوهة) في عهد فيدل كاسترو وتشي جيفارا. حينذاك أصر غرانت على أن الثورة البروليتارية ضرورية في كوبا، ثورة من شأنها أن تنشئ قيادة مستقلة عن الستالينيين. ومع ذلك، صار قرينه الان وودز يزعم الآن أن الاشتراكية يمكن تحقيقها في فنزويلا تحت قيادة شافيز، رئيس الدولة البرجوازية. وهو؛ أي الآن وودز؛ يردد هنا طرح تيار ” المناضل” MILITANT القديم المناهض للماركسية بادعائه إمكانية الانتقال السلمي إلى الاشتراكية.
وهذا لا يشكل مجرد قطيعة مع إرث غرانت – بل هو، قبل كل شيء، قطيعة مع كل ما كتبه تروتسكي عن أمريكا اللاتينية خلال منفاه المكسيكي. فبينما دعا تروتسكي العمال إلى رفض “أحزاب الجبهة الشعبية”، قام التيار الماركسي الأممي IMT بحملة لحث العمال على الانضمام إلى حزب شافيز، الحزب الاشتراكي الموحد، وبالتالي الاتحاد مع الجناح التقدمي للبرجوازية.
ولكن مع اضمحلال مشروع شافيز البونابرتي اليساري في عهد خليفته نيكولاس مادورو، الذي تبنى سياسات استبدادية وليبرالية جديدة على نحو متزايد، انفصل التيار الماركسي الأممي IMT أخيرا عن الحزب الاشتراكي الموحد. ومع ذلك، لم يكن هذا بمثابة قطيعة مع الأيديولوجية البورجوازية القومية للتشافيزية. إذ عاد وشكل التيار الماركسي الأممي IMT تحالفًا مع الحزب الستاليني للمطالبة بالعودة إلى نظرية تشافيز.
ولم تقتصر هذه الانتهازية لآلان وودز على فنزويلا. بل أعلن وودز دعمه لحكومة إيفو موراليس البرجوازية في بوليفيا. وفيا لهذه السياسية الانتهازية بقي لعدة عقود من الزمن، دعم التيار الماركسي الأممي IMT في المكسيك السياسي البرجوازي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور (أملو)، الذي كان أول عمدة للعاصمة وهو الآن رئيس البلاد.
و أما جنوب نهر ريو غراندي، فإن التيار الماركسي الأممي IMT يكرس تجاهله لمبدأ الاستقلال الطبقي . ومن خلال تجميل التشافيزية والحكومات البرجوازية الأخرى، يزيد التيار الماركسي الأممي IMT من صعوبة قدرته على اقناع الشباب بالفرق بين ما هي الشيوعية وما هي نقيضها .
الانزلاق قليلا إلى اليسار
إن الشرائح الجديدة من الشباب الذين تم تسييسهم أثناء أو بعد الأزمة الرأسمالية في عام 2008 هي أكثر من السابق ارتباطاً باليسار الراديكالي . فقد أدى التجذر والتواصل، الذي سهلته وسائل التواصل الاجتماعي، إلى وضع قطاعات واسعة من الشباب على يسار المواقف التقليدية اليمينية للتيار الماركسي الأممي IMT.
على سبيل المثال، دافع التيار الماركسي الأممي دائمًا عن نقابات الشرطة والبوليس، مدعيًا أنها ستجذب الشرطة إلى الحركة العمالية و”تقوض قدرة الدولة الرأسمالية على قمع الطبقة العاملة”. ومع ذلك، فإن الملايين الذين خرجوا إلى الشوارع في حركة “حياة السود مهمة” في عام 2020 أدركوا أن النقابات البوليسية إنما هي مؤسسات رجعية تمامًا ويجب طردها من حركتنا العمالية.
وبهدف التكيف مع هذا الوعي الجديد ولكن جوهريا دون التخلي عن موقفه القديم، انتهى الأمر بالتيار الماركسي الأممي IMT الآن إلى صياغة مشوشة بشكل يائس بشأن الموقف من نقابات الشرطة. إذ بات يقول إنه يتبع “نهج معارضة تصرفات نقابات الشرطة التي تأتي على حساب الطبقة العاملة الأوسع، ولكنها تدعم تلك الإجراءات التي تفيد العمال وتقرب ضباط الشرطة من الحركة العمالية”. في خدعة وسطية نموذجية، إذ يمكن أن تعني هذه الجملة إما الدعم الكامل لنقابات الشرطة أو الرفض الكامل، انموذج واضح لانتهازية فاقعة لقيادة هذا التيار . وصل الأمر بالتيار الماركسي الأممي IMT للقول أن نقابات الشرطة في الولايات المتحدة هي رجعية بشكل لا يمكن إصلاحه ولكنها تقدمية في كندا أو بقية العالم!.
وفي نفس السياق من الانتهازية برزت إلى الواجهة تناقضات أكبر فيما يتعلق بفلسطين. حيث دافع التيار الماركسي الأممي لعقود من الزمن عن “حل الدولتين الاشتراكي”، مجادلًا بأن “إسرائيل الاشتراكية” يجب أن توجد بجوار “فلسطين الاشتراكية”. وفي رأينا أن موقف التيار الماركسي الأممي IMT يمثل تنازلاً للشوفينية ولأوهامه هو طبيعة الدولة الصهيونية.
في حين تؤيد أعداد متزايدة من الشباب الثوري الاقتراح الماركسي الثوري بشأن فلسطين واحدة ديمقراطية اشتراكية كجزء من فدرالية اشتراكية لشرق المتوسط. لذلك، وبلا خجل، قام التيار الماركسي الأممي IMT بتغيير موقفه بصمت، وقام بمسح بعض المحتويات من موقعه على الإنترنت الأكثر بغضًا والمعادية للفلسطينيين منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.(مع توفر الروابط هنا)
في عدة مواضيع، يتحرك التيار الماركسي الأممي IMT بخجل نحو اليسار. على الأقل، أصبح يصحح خِفية دعمه لنقابات الشرطة أو الخرافة التي يتمناها ب “إسرائيل الاشتراكية”. ومع ذلك، فهو لا يعترف بهذه التحولات التي يقوم بها، ناهيك عن تفسيرها، ولا يقدم أي نقد ذاتي عن اخطائه المريعة.
غياب النظرية
في غضون بضعة أسابيع فقط، سوف يقطع التيار الماركسي الأممي IMT من حياته حوالي سبعين عاماً من انخراطه وعمله داخل الأحزاب الإصلاحية.
عندما قاد تافيه أغلبية أعضاء CWI خارج الأحزاب الديمقراطية الاشتراكية قبل ثلاثين عاماً، كان يهدف إلى تحقيق الاتساق النظري. لا يزال تافيه يدافع عن “القانون التاريخي” الذي وضعه غرانت والذي ينص على أن الماركسيين يحتاجون إلى التواجد داخل “المنظمات الجماهيرية التقليدية” للطبقة العاملة. ومع ذلك، فقد توصل الى نتيجة مفادها أن حزب العمل البريطاني والأحزاب الإصلاحية الأخرى لم تعد أحزابًا عمالية برجوازية، بل أصبحت الآن أحزابًا برجوازية بحتة.
أثبتت الوقائع فشل هذه النظرية في تفسير حقيقة مفادها أن الأحزاب الإصلاحية في العديد من البلدان استمرت في الاعتماد على البيروقراطية النقابية، وبالتالي بشكل غير مباشر على الطبقة العاملة. (وهذا في رأينا لم يجبر الماركسيين على التكيف مع مثل هذه الأحزاب والعمل داخلها لعقود من الزمن). وعلى أقل تقدير، كانت محاولة لتقديم نظرية لتحوّل استراتيجي كبير.
الآن، يتخذ الآن وودز وحزبه التيار الماركسي الأممي IMC نفس المنعطف الذي اتخذه قبله تافيه والـ CWI قبل ثلاثة عقود – ومع ذلك، لم يقدم آلان وودز، الذي يعتبر نفسه من المنظرين، كلمة لتبرير هكذا تقلبات انتهازية، إلى جانب العموميات حول الشيوعية التي يمل عن الحديث بها. فإذا كانت مغادرة حزب العمال البريطاني وإيجاد حزب منافس في التسعينيات، وكذلك قبل 15 عامًا فقط، مغامرة عصبوية فلماذا تعتبر هكذا سياسة صحيحة في عشرينيات القرن الحالي؟ فهل يختلف حزب العمال البربطاني في عهد ستارمر كثيراً عما كان عليه في عهد بلير؟
إذا كان من المرحب به أن التيار الماركسي الأممي IMT قد حدد لنفسه، أخيرا بعد عقود من الزمن، هدف بناء الأحزاب الشيوعية الثورية. ومع ذلك، لا يمكن لمجموعات صغيرة تقوم على الدعاية أن تفعل ذلك دون أن يبرز منها قادة معروفون لنضالات الطبقة العاملة وموجودون على الأرض في ساحات الصراع الطبقي؛ وليس بإصدار التصريحات المكتبية المتعالية والبعيدة عن الصراع الواقعي. وما يشكك في صدقية انزلاق التيار الماركسي الأممي IMT قليلا نحو اليسار، هو أن الزعيم الأوحد له آلان وودز بالرغم من وصف نفسه مؤخرا بأنه “شيوعي ثوري”، فلا يبدو أن الا وودز قد توقف عن دعم الحكومة البرجوازية في المكسيك.
وفي غياب أي نوع من الوعي النظري والممارسة الثورية فإن تحول التيار الماركسي الأممي IMT نحو اليسار من غير الممكن أن يستمر، بل سوف يعود إلى اليمين عند أقرب منعطف تالي . لقد بدأ بالكاد رفاق التيار الماركسي الأممي IMT في الانفصال عن استراتيجيتهم الانتهازية التي طال أمدها للتكيف مع الإصلاحية والاندماج فيها، لكن هذه الخطوة تعد بالكاد قطيعة تنظيمية وليست سياسية اطلاقا . ويتجلى هذا بوضوح عند النظر إلى سجل تاريخ CWI منذ ترك حزب العمال البريطاني: على الرغم من أنه لم يعد جزءا من حزب إصلاحي، إلا أنه استمر في الاعتقاد بأن نوعا ما من الأحزاب الإصلاحية هو نقطة منتصف الطريق الضرورية إلى تشكيل حزب ثوري. وهذا ما دفع CWI إلى دعم الأحزاب الإصلاحية “الجديدة” في أنحاء مختلفة من العالم، هذا هو أساس تشكيل وتاريخ سياسات التيار الماركسي الأممي IMT، سلسلة من السياسات الانتهازية والإصلاحية، مغطى بخطاب عام مجرّد وخاوي عن مبادئ “الشيوعية”.
الاستقلال الطبقي الحقيقي
في العديد من النواحي، تخلّى التيار الماركسي الأممي بشكل غير رسمي عن العديد من المواقف التي شكلت تقليد جرانت. ومع ذلك، فمن ناحية، أثبت وودز أنه الطالب الأكثر ولاءً لغرانت: فكلاهما كانا أستاذين في تعظيم الذات. كثيرا ما يزعم التيار الماركسي الأممي أن منظمة ميليتانت كانت أكبر منظمة تروتسكية في العالم بعد عام 1945. وهذا كذب واضح. فحتى في أوجها، لم يكن من الممكن مقارنة حركة “ميليتانت” بالحزب الشيوعي الثوري في فرنسا، والحركة نحو الاشتراكية في الأرجنتين، ناهيك عن التروتسكيين في فيتنام أو بوليفيا.
يعلن وودز أن التيار الماركسي الأممي هو “المنظمة الوحيدة التي تتحمل مسؤولية إعادة تأسيس الشيوعية”. والمنظمات الأخرى، ببساطة لأنها ليست التيار الماركسي الأممي، كلها “طوائف”. ويبدو أن قادة التيار الماركسي الأممي، رغم أنهم يقتربون إلى حد ما من الاتجاهات التروتسكية الأخرى سياسياً، إلا أنهم يزيدون من انتقاداتهم اللاذعة. يقول وودز إن أي مقترحات للتعاون بين مختلف الاشتراكيين يجب أن تذهب “مباشرة إلى سلة المهملات”.
للحصول على مثال مضاد، دعونا ننظر إلى أكبر المنظمات التروتسكية في أمريكا اللاتينية اليوم.
يشكل التروتسكيون في الأرجنتين جبهة اليسار العمالي – الوحدة (FIT-U)، والتي يشكل أكبر مكون فيها هو حزب العمال الاشتراكي (PTS)، ويحظى الاتحاد بخمسة مقاعد في الكونجرس الأرجنتيني (أربعة منها تنتمي إلى أعضاء اللجنة الفنية المؤقتة)، بعد أن فاز بأكثر من 700 ألف صوت. ويستطيع اليسار التروتسكي أن يحشد نحو 25 ألف شخص في بوينس آيرس. والأهم من ذلك، أن العمال التروتسكيين موجودون في المئات من أماكن العمل وقادوا العديد من النضالات المهمة.
وفي ظل وجود حفنة صغيرة من أعضائه في الأرجنتين، وجه التيار الماركسي الأممي انتقادات غامضة للاتحاد الدولي، واتهم الجبهة “بالتحيز البرلماني”. ومع ذلك، فإن الرفاق في حزب العمال الانتقالي رغم ملاحظاتنا، لديهم سجل مشرف في استخدام المنبر البرلماني للتحريض الثوري. وكما رأينا، لم تتح الفرصة قط للتيار الماركسي الأممي ليبين عمليا كيف سيتصرف ممثلوه في البرلمان البرجوازي.
قبل عقد من الزمن فقط، كان وودز يدعو الماركسيين في الأرجنتين إلى الانضمام إلى التحالف البرجوازي التقدمي الذي يضم نيستور وكريستينا كيرشنر. وهذا يتماشى تمامًا مع دعمه لشافيز وموراليس وأملوا وحكومات المد الوردي الأخرى. ومن حسن الحظ أن أغلب التروتسكيين في الأرجنتين رفضوا حكمة وودز وأسسوا بدلا من ذلك تحالفا يقوم على الاستقلال الطبقي. لقد أظهروا أنهم قادرون على العمل معًا على أساس برنامج الصراع الطبقي بينما يناقشون اختلافاتهم بشكل علني.
ومن العار أن يكون وودز على استعداد لتشكيل جبهة مع شافيز أو موراليس أو أي عدد من الحكومات البرجوازية الأخرى، في حين يرفض أي تعاون بين الاشتراكيين. ونحن نعتقد أنه، وخاصة في سياق هجوم الإبادة الجماعية الذي تشنه إسرائيل على غزة، فمن الضروري أن يعمل الاشتراكيون معاً بشكل وثيق قدر الإمكان، في حين لا يخفون خلافاتهم. وإذا رفض وودز هذه الفكرة، فنحن على اقتناع بأن بعض أعضاء التيار الماركسي الأممي على استعداد للنظر فيها.
