
فهرس المحتويات
انتفاضة طلابية في الولايات المتحدة
يواصل الطلاب في الجامعات الأميركية احتجاجاتهم المندّدة بحرب الإبادة التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي، بدعم أميركي، على قطاع غزة، مطالبين بوقف تقديم المساعدات المالية والعسكرية ووقف حرب الابادة بحق الفلسطينيين، في حين اعتقلت الشرطة المئات منهم.
وتجدّدت الاحتجاجات المناهضة للكيان الصهيوني خارج “معهد الأزياء للتكنولوجيا”، التابع لجامعة “نيويورك”، في مانهاتن بولاية نيويورك، وذلك بعد أيام من قيام عشرات المتظاهرين بنصب الخيام في المكان، والسيطرة على المبنى.
وأقامت مجموعة من طلاب المعهد “مخيم التضامن مع غزة”، حيث عُلِّقت اللافتات الداعية إلى وقف الإبادة الجماعية في القطاع. ومما كُتب على اللافتات: “بينما نتعلم، غزة تحترق”، كما نقل إعلام أميركي.
وفي حرم جامعة “ييل”، بولاية كونكتيكوت، نصب أكثر من 200 متظاهر مناهض لـ”إسرائيل” عشرات الخيام.
إلى جانب ذلك، استمرت الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في حرم جامعة “جورج واشنطن” في العاصمة، حيث أقام الطلاب مخيماً أيضاً.
وهتف متظاهرون بشعار “فلسطين حرة”، وارتدى بعضهم الكوفية ولوّح بالأعلام الفلسطينية. في غضون ذلك، أُغلقت قوات الأمن الطرق لمنع مشاركة مزيد من المحتجين للانضمام إلى المخيم، تضامناً مع الطلاب في الجامعات الأخرى.
وأكد المحتجون أنّهم مستمرون في نشاطهم حتى تلبي الجامعة مطالبهم، التي تشمل الكشف عن أوقافها المالية وسحب الاستثمارات من الجمعيات الإسرائيلية، وهي مطالب جاءت في الرسائل التي وجّهها المحتجون من جامعات أخرى في الولايات المتحدة.
ويتصاعد التوتر بين الطلاب المحتجين في جامعة “جورج واشنطن” والإدارة، حيث طالب المحتجون أيضاً بإلغاء العقوبات على من تم فصلهم موقّتاً.
واتسعت رقعة الاحتجاجات الطلابية في الولايات المتحدة، حيث باتت تشمل 79 جامعة، على امتداد أكثر من 20 ولايةً.
الأمن الأميركي يتغلغل في الجامعات
كشفت وثائق ومذكرات حصل عليها موقع “إنترسبت”، أن وزارة الأمن الداخلي الأميركية تعمل على مضاعفة جهودها للتغلغل في جامعات بالبلاد تحت ذريعة محاربة “النفوذ الأجنبي الخبيث”.
وجاء في مقال للصحفي الاستقصائي، دانيال بوغوسلاف، نشره الموقع الأميركي، أن هذه الحملة تأتي في وقت تبذل فيه وزارة الأمن الداخلي “بهدوء” جهودا للتأثير على وضع المناهج الجامعية، في مسعى منها لمكافحة ما تسميه المعلومات المضللة أو المغلوطة.
وتحظى جهود وزارة الأمن الداخلي بمباركة الرئيس جو بايدن، بحسب البيت الأبيض. وكان مسؤولو الإدارة الأميركية قد صرحوا في أواخر أكتوبر/تشرين الأول بأنهم بصدد اتخاذ إجراءات لمكافحة ما سموه ظاهرة العداء للسامية داخل الحرم الجامعي، وعينوا العشرات من خبراء الأمن السيبراني والأمن الوقائي في وزارة الأمن الداخلي للتعامل مع الكليات والجامعات.
دروس الإعتقال والعنف الوحشي بحق الطلاب والاساتذة
في المقابل، تعمل السلطات الأميركية على التضييق على المحتجين، إذ اعتقلت الشرطة نحو 275 شخصاً، السبت، في جامعات مختلفة، بينها جامعة “إنديانا” في بلومنغتون، وجامعة “ولاية أريزونا” وجامعة “واشنطن” في سانت لويس.
وطالت الاعتقالات الأساتذة والطلاب، على حد سواء. فقد اعتقل رجال الشرطة في ولاية جورجيا الخميس الماضي اثنتين من الأساتذة في جامعة إيموري، هما رئيسة قسم الفلسفة، نويل مكافي، وأستاذة الاقتصاد كارولين فوهلين، وذلك خلال محاولات فض الاحتجاجات السلمية المؤيدة لفلسطين.
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد «قاسية» وثقتها كاميرا شبكة «سي إن إن» للحظة اعتقال فوهلين، التي صرخت أثناء اعتقالها ومطالبتها بالجلوس على الأرض: «رأسي رأسي». وبدأ رجال الشرطة يمسكونها بالقوة وبشكل عنيف لتقييد يديها خلفها وهي تصرخ «لقد ضربت رأسي بالخرسانة الإسمنتية للأرض» فيما يواصل الشرطي تقييدها غير آبه بصرخاتها. كما تابعت وهي تصرخ «أنا بروفسورة.. أنا بروفسورة».
فيما أظهر فيديو آخر لحظة اعتقال رئيسة قسم الفلسفة بالكلية، نويل مكافي حيث قام رجل شرطة بتقييد يديها وأخذها معه.
وقالت باميلا سكالي، أستاذة أخرى في إيموري كانت في مكان الاحتجاج: «كان الطلاب يجلسون هنا ويهتفون.. تصاعد العنف عندما وصلت الشرطة بالبنادق ورذاذ الفلفل والغاز المسيل للدموع، وبدأوا حرفيًا يلقون الناس على الأرض، بما في ذلك أحد أعضاء هيئة التدريس».
ويقارب عدد المعتقلين في أنحاء الولايات المتحدة الـ900، في الأيام العشرة الماضية، وذلك في أكبر حملة اعتقالات تشنها الشرطة الأميركية على نشاط في الجامعات منذ سنوات. لكن القمع البوليسي شديد العنف له تأثير عميق في نفوس الطالبات والطلاب إذ يعطيهم درساً مكثفاً وعملياً عن الطبيعة الحقيقية للدولة ومؤسساتها، فقد استخدمت الشرطة وقوات القمع الهراوات والغاز المسيل للدموع ومظاهر ترهيب ضد حركة سلمية تمارس الحق الديمقراطي في الاحتجاج.
تضامن طلابي عالمي
بدأ الطلاب في عدة جامعات أمريكية وحول العالم الاحتجاج تضامنا مع «مخيم التضامن مع غزة» في جامعة كولومبيا والهمت الاحتجاجات التي انطلقت في جامعة كولومبيا الطلبة في أوروبا وأستراليا وكندا، حيث نظمت وقفات احتجاجية أمام عدة جامعات. وكان من ضمنها مؤخرا معهد الدراسات السياسية وجامعة السوربون العريقة في باريس الخميس الماضي. فيما يتواصل الاعتصام الطلابي في كلية لندن الجامعية وسط العاصمة البريطانية.
وفي جامعة أكسفورد، احتج العشرات من الطلبة عندما أدلت رئيسة مجلس النواب الأمريكية السابقة نانسي بيلوسي بكلمة هناك يوم الجمعة الماضي. وقاطع أحدهم كلمتها ورفع علم فلسطين أمامها قبل أن تعتقله الشرطة. وهتف المحتجون «لن نتوقف، لن نرتاح». وهو شعار تم استعارته من الطلاب المحتجين في جامعة كولومبيا الأمريكية.
وفي أستراليا، تظاهر الطلبة في جامعة سيدني الأربعاء الماضي تضامنا مع زملائهم الأمريكيين. وقال أحد منظمي التظاهرة «نحن جميعا هنا اليوم لأننا رأينا ما كان يحدث في أمريكا، وفكّرنا أن نفعل ذلك هنا.»، كما نظم الطلبة اعتصاما في جامعة البرتا في كندا.
استعادة أجواء الاحتجاج ضد حرب فيتنام
وتستحضر هذه الاحتجاجات في الجامعات الأمريكية أجواء العام 1968 التي شهدت تظاهرات ضخمة للطلبة والعمال في الولايات المتحدة ضد حرب فيتنام، لعبت دوراً في امتناع الرئيس ليندون جونسون عن ترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة في تلك السنة.
ويجري الحراك الطلابي على خلفية وقوف 51 في المئة من الأمريكيين ضدّ الحرب على غزة، التي أسهمت في هبوط رصيد الرئيس جو بايدن واهتزاز وضعه داخل قاعدة حزبه، إذ قاطعته شريحة منها في الانتخابات التمهيدية، وقد تهدد إعادة انتخابه.
شيطنة الاحتجاجات
وتواجه الاحتجاجات الطلابية استنفارا سياسيا وإعلاميا لتشويه صورتها وشيطنتها. وسعت منظمات صهيونية للتحريض ضد من تصفه بـ»اليسار الأكاديمي» في الجامعات المرموقة. واُستغني عن خدمات بعض رؤساء الجامعات بتهمة تراخيهم مع التيار المعادي للحرب على غزة، بعد توبيخ الكونغرس لهم. وهو ما أدى في وقت سابق إلى استقالة رئيستي جامعة هارفرد وجامعة بنسلفانيا من منصبهما.
كما يندرج ضمن هذا المسعى توجيه تهمة معاداة السامية لمن يرفع شعارات ضد الصهيونية وجرائم الإبادة التي تقترفها إسرائيل بحق الفلسطينيين في غزة، والادعاء بأن الطلبة اليهود في الجامعات يتعرضون إلى خطر محدق يهدد سلامتهم.
لكن مشاركة عدد كبير من الطلبة اليهود المعادين للصهيونية في الحراك الجامعي ضد حرب غزة أحبط هذه المساعي.
تهديد بإرسال الحرس الوطني
في هذه الأثناء، هدد رئيس مجلس النواب مايك جونسون (من الحزب الجمهوري) خلال زيارة إلى جامعة كولومبيا الأربعاء الماضي، بأن يطلب من الرئيس جو بايدن إرسال الحرس الوطني إلى الجامعات التي تعاني من «فيروس معاداة السامية»، على حدّ تعبيره.
الاّ أن البيت الأبيض امتنع حتى الآن عن اتخاذ موقف بهذا الشأن. إذ يدرك الرئيس بايدن أن عليه التعامل بحذر مع دعوات كهذه في سنة انتخابية حاسمة، فيما يستعد لخوض الانتخابات الرئاسية التي ستجري في 3 تشرين الثاني القادم. وقالت الناطقة باسمه كارين جان بيار أن بايدن «يؤيد حرية التعبير والنقاش وعدم التمييز» في الجامعات.
ماذا يجب أن نفعل لتنجح الإنتفاضة في تحقيق مطالبها؟
بدأ الطلاب في الولايات المتحدة رحلتهم نحو التغيير بخطى ثابتة. وكانت بداية جيدة وباعثة على التفاؤل، لكن حتى الآن، تبقى المطالب مرتبطة باقناع إدارات الجامعات والسلطات، فما العمل لتلبية تلك المطالب؟ في هذا السياق، يجب على الحركة الطلابية أن تبحث عن سُبل لفرض مطالبها على هذه الإدارات، إذ لا يمكن أن يتم إقناع هؤلاء الأشخاص بالحوار فقط. بل يجب دفعهم إلى نقطة تكون فيها الحركة منظمة وقوية التأثير، حتى تجبرهم على التراجع عن مواقفهم. الطلاب قد بدأوا بالفعل، ولكن يجب العمل على استقطاب شرائح أخرى من المجتمع وبالأخص الطبقة العاملة.
التنسيق الداخلي بين كل المستويات والفروع في الجامعة: من خلال التواصل مع العاملين والموظفين في الجامعات، بدءًا من المحاضرين الذين خاطر بعضهم بالفعل بمناصبهم بالدفاع عن الطلاب، إلى الموظفين الإداريين، وعمال الصيانة، وعمال النظافة، والباحثين .
التشبيك مع النقابات العمالية بخلق التواصل مع القواعد النقابية للضغط على القيادات البيروقراطية والاصلاحية عبر ارسال مجموعات طلابية بشكل ممنهج ومنظم لكسب العمال ونقاشهم واستقطابهم في مواقع عملهم خصوصاً مع العاملين في مجال النقل، مثل عمال الموانئ وعمال الشحن الجوي وغيرهم، لتطبيق مقاطعة عمالية حيث يتم بموجبها منع أي سلاح للصهاينة بواسطة الإضرابات.
خاتمة: غضب شباب الجامعات
يؤيد الشباب الأمريكي الوقف الدائم لإطلاق النار في غزة بنسبة 5 إلى 1، وفقا لاستطلاع الشباب الذي أجراه معهد هارفارد للسياسة، خلال الفترة بين 14-21 مارس/آذار الماضي، على عينة من 2010 من الشباب الأمريكي تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما، ونُشر في جامعة هارفارد الأسبوع الماضي، جاء فيه أن 51% من المستطلعة آراؤهم يؤيدون وقف إطلاق النار، بينما يعارضه 10% فقط.
وقدم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بروز مصطلح جديد عن مفهوم “الحرب القبيحة” لجيل “زد” (Z) من الشباب الأمريكي، الذين ولدوا خلال أواخر تسعينيات القرن الـ20 وأوائل الـ21، وأظهرت صور الضحايا الأبرياء المدنيين، والدمار الذي طال المستشفيات والمدارس، وكل المرافق الضرورية للحياة، ما تعنيه ويلات الحروب على البشر، خاصة مع تجاهل الطرف الأقوى والمحتل لأدنى قواعد القانون الدولي .
ومَثل موقف هذا الجيل الأميركي من العدوان الإسرائيلي، وحجم الدعم والتعاطف مع الجانب الفلسطيني في الصراع، صدمة لجيل الآباء والأمهات، الذين فوجئوا بعقلية مختلفة من حيث رؤيتهم لأنفسهم وللعالم، ولمعاني الحق والعدل والمساواة.
ولم تعد شعارات مثل “حق إسرائيل في الوجود”، و”ضرب الإرهابيين”، و”معاداة السامية” تسيطر وحدها على المشهد الأميركي، وباتت تزاحمها الآن شعارات مثل “الأبارتايد”، و”الإبادة الجماعية”، و”التطهير العِرقي”، خاصة بين أوساط الشباب الأمريكيين.
الانتفاضة اليوم مستمرة ويعتمد انتصارها على مدى تنظمها وربطها بالحركة العمالية وهي المهمة الأكثر الحاحاً على عاتق هذه الحركة المتصاعدة والتي تزداد قوة وصلابة وانضباط يومياً رغم القمع الوحشي.
المصدر: وكالات _ إعداد وتحرير الخط الأمامي
