
مجموعة من الماركسيين و اليساريين الثوريين في سوريا تتبنى وثيقة البرنامج الانتقالي لليسار الثوري في سوريا و تعمل من خلال انخراطها في الثورة الشعبية الجارية اعادة توحيد و بناء اليسار الماركسي الثوري .. ما يلي الجزء الاول من البرنامج الانتقالي: البرنامج الانتقالي لليسار الثوري في سوريا مقدمة تشهد بلادنا، منذ منتصف اذار 2011، سيرورة ثورية، في سياق من الثورات التي تجتاح المنطقة العربية، تهدف من خلالها الثورة الشعبية السورية الى الخلاص من الدكتاتورية ، ومن اجل الحرية و الكرامة و المساواة والعدالة الاجتماعية، و تقدم على هذا الطريق اعظم الآلام و التضحيات الكبيرة ، بسبب العنف و القتل اللذين تتغول فيهما الدكتاتورية، في مواجهتها للاحتجاجات والنضالات السلمية للجماهير السورية.
وبالرغم من عظمة التضحيات هذه ووحشية العنف الدكتاتوري، فإن الجماهير الشعبية السورية مستمرة في ثورتها السلمية حتى تحقيق اهدافها المذكورة بإسقاط نظام الطغمة الحاكمة. وان كان نافلاً التشديد على مدى الاهمية التي يوليها اليسار الثوري السوري لتحالف القوى الديمقراطية والاجتماعية عموماً في مواجهة الدكتاتورية، بما يتفق مع متطلبات النضال في المرحلة الراهنة، ومن منظور المصالح العامة و التاريخية للجماهير السورية ، في سياق الدينامية الثورية المستمرة، فإن اليسار الثوري في سوريا يؤكد على أنه يتبنى الاهداف الكبرى للثورة الشعبية السورية، من اجل الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية، و يلتزم بالانخراط في كل النضالات الجماهيرية من اجل هذه الاهداف.
واذ يرى ان الدينامية الثورية تندرج في سياق بناء الديمقراطية من الاسفل ، فانه لا يتوانى، في المرحلة الراهنة الانتقالية، عن تبني الدعوة الى بناء دولة ديمقراطية مدنية و تعددية. مع التأكيد على اننا نتبنى فكرياً الدعوة الى اوسع أشكال الديمقراطية التشاركية و الديمقراطية المباشرة، لكي تستطيع الغالبية العظمى من الناس ادارة شؤون حياتها بنفسها و مباشرة. و في الوقت نفسه، فقد برهنت الثورات العربية الجارية المترابطة، بما لا يدع مجالاً للشك، على حقيقة ارتباط النضال الجماهيري الديمقراطي، من الأسفل، بالنضال من اجل التغيير الاجتماعي الجذري، من الأسفل، أيضاً. تحديات السيرورة الثورية في سوريا جاء اسم إحدى الجُمَع الأخيرة في سوريا تحت شعار وحدة المعارضة . ومن الواضح أن هذه المسألة باتت تشكل هاجساً شديد الإلحاح لدى كثيرين جداً ، في الساحة السورية ، كما لو كانت هي الوحيدة القادرة على تسريع انهيار النظام ، ووضع حدٍّ للمجازر الدموية البشعة التي يرتكبها يومياً بحق الشعب الثائر .
هذا فيما لا يتوقف المطالبون بالوحدة المشار إليها أمام التناقضات الجسيمة بين أطراف هذه المعارضة ومكوِّناتها ، ولا سيما حين نعرف أنه في حين لا تزال المجموعات الثورية، العاملة على الأرض، والتي تقود الحراك ، إلى هذا الحد أو ذاك ، تشدد على التزامها بالمبادىء الثلاثة المعروفة (سلمية الثورة ، والرفض المطلق للتدخل العسكري الأجنبي ، والإصرار على إسقاط النظام وعدم الحوار معه ) ، نلاحظ أن جزءاً من معارضي سلطة آل الأسد ، في الداخل ، مهتمون بالحوار معها ، فيما أن جزءاً ، أيضاً (وبالأخص من المعارضة المقيمة في الخارج) – وهذا هو الأخطر- إنما هم من أنصار عسكرة الانتفاضة الشعبية الحالية، لأجل إيجاد موطئ قدم لهم في الداخل .
والأخطر ، أيضاً وأيضاً ، أنهم يحبِّذون التدخل العسكري الخارجي ، ويدعون إليه. وقد بدأت تأثيرات موقفهم هذا تصل إلى الداخل ، مع ظهور أصوات في التنسيقيات المحلية كانت بدأت تطرح الحماية الدولية، لتنتقل أخيراً إلى المطالبة بفرض الحظر الجوي !! أي بالتحديد الشيء نفسه الذي أدى ، في ليبيا ، إلى التدخل المباشر للحلف الأطلسي ، مع عواقب ذلك ، الأكثر من وخيمة ، بالتأكيد .
وهو ما يستدعي إعادة النظر كلِّيّاً بشعار الوحدة ، ولا سيما بعد أن شرع يظهر أن المبادىء الثلاثة ، المشار إليها أعلاه ، تتعرض للانتهاك ، وقد تصبح أثراً بعد عين ، في الأسابيع والأشهر القادمة ! ولا سيما بسبب الغضب من وحشية النظام و ممارساته لأشكال من القمع لم يسبق لها مثيل في تاريخ سوريا. علماً بأن ثمة حاجة ، على العكس ، إلى التشهير بدعاة العسكرة – الذين يضعون القمح في طاحونة نظام يستميت الآن للمضي بالأمور إلى هذه الهاوية، وبخاصة إلى ما سوف يلازمها، على الأرجح، من اقتتال مذهبي يسعى لتفجيره بوسائل شتى، عبر تحريضه الطائفي المقيت – وبوجه أخص، إلى التحذير من مخاطر التدخل الخارجي على الثورة، وإلى إعداد المعارضة الجذرية نفسها للتصدي العملي لأي دور عسكري لاحق ، على الأراضي السورية ، للحلف الأطلسي ، أو أي قوى رجعية عربية، أو شرق أوسطية(إسرائيل ، أو تركيا أو غيرهما ).
وذلك ، بالطبع ، من دون التخلي عن الموقف الحاسم ، في الوقت عينه ، ضد الدكتاتورية البعثية. بناء اليسار الثوري والمهام الانتقالية في كل حال ، إن بين أسباب هذه البلبلة ، بخصوص مسألة قيادة الحراك الثوري ، القائم ، منذ ستة أشهر ونيِّف ، في سوريا، سبباً أساسياً يتمثل في غياب يسار ثوري منظَّم ، وفاعل، هناك ، بنتيجة الالتحاق التاريخي، الذيلي المقيت، للحركة الشيوعية التقليدية، بالنظام القائم، من جهة ، وتمكُّن هذا الأخيرعبر القمع الوحشي ، من جهة أخرى ، منذ الثمانينيات من القرن الماضي ، من سحق اليسار الثوري، بل و كل قوى المعارضة السياسية.
وهو الأمر الذي يضع على أعلى جدول أعمال الثوريين ، في الساحة السورية، إنتاج يسار ماركسي ثوري منظَّم، من خلال الانخراط، على الأرض، في أعمال السيرورة النضالية المحتدمة الآن، وفي الوقت عينه، عبر التحلق حول مهام انتقالية راهنة و مباشرة تشكل جزءاً لا يتجزأ من برنامج انتقالي للمرحلة التاريخية التي افتتحتها السيرورة الثورية الجارية، سوف نورد ، في ما يلي، عناصر أساسية فيه، علماً بأنه قد يتم إغناؤه، لاحقاً، بعناصر أخرى، وفقاً لتطور هذه السيرورة .
هذا ويمكن أن نقدِّر، منذ الآن، أن نجاح الجماهير السورية في إطاحة سلطة قائمة منذ أكثر من أربعة عقود، ومدججة بكل وسائل القمع والقهر، لن يتم بين ليلة وضحاها، وقد تطول معركة تلك الجماهير، لأجل تحقيق المطلب المنوه به، ما قد يتيح ما يكفي من الوقت – في سياق مخاض ثوري لا يقتصر على سوريا وحسب، بل يشمل بلداناً عربية أخرى، وقد يشمل لاحقاً كل البلدان العربية – لأجل بناء يسار ثوري فاعل، قادر على تعبئة كادحي شعبه ومعذَّبيه، وكل المتطلعين، ضمنه، إلى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، على أساس البرنامج المتقدم الذي يرفعه، في مواجهة برامج القوى الأخرى، السياسية والاجتماعية. من هنا تبرز المهام الانتقالية الراهنة و المباشرة،وهي التالية: أ.اسقاط النظام و قيام حكومة ثورية مؤقتة تعمل على:
1- تفكيك البنية الأمنية للدولة
2- الدعوة لانتخاب جمعية تأسيسية ، على أساس التمثيل النسبي، تضع دستوراً لدولة مدنية ديمقراطية و تعددية، على أن يكفل هذا الدستور الحريات العامة و حقوق الانسان، ويحقق المساواة التامة بين المواطنين، بغض النظر عن انتمائهم الديني او الفكري او القومي او العرقي او الجنسي…الخ،في الوقت عينه الذي يطرح فيه الأهمية القصوى للجمع بين الديمقراطيتين، السياسية والاجتماعية،والالتزام بمسعى أساسي لإنجاز المهام الوطنية والقومية،سواء منها المتعلقة بتحرير الجولان المحتل، أو تلك المتعلقة بالدعم الفعلي لنضال الشعب الفلسطيني لممارسة حقه في العودة،وفي تقرير مصيره على كامل أرضه التاريخية.
ب. بناء اليسار الثوري في سوريا ، من خلال توحيد افراده و مجموعاته، والعمل على تحويله الى قوة سياسية و اجتماعية فاعلة، وتجميع مكوناته حول برنامج انتقالي ،من شأن النجاح في تعبئة حالة جماهيرية واسعة حوله،فتح الطريق أمام نضج الثورة الديمقراطية السياسية الراهنة إلى ثورة اجتماعية – وطنية شاملة، في مدى زمني غير بعيد، بالتحالف الوثيق مع قوى السيرورة الثورية، في كامل المنطقة العربية.
إن العناصر الأساسية لهذا البرنامج سوف تندرج تحت عناوين عريضة أربعة، يتعلق أوَّلها بالحريات الديمقراطية واستقلال القضاء ونزاهته؛ والثاني بفصل الدين عن الدولة، في إطار حرية المعتقد، وضمان حقوق الاقليات القومية؛ والثالث بالوضع الاقتصادي- الاجتماعي، وتحرر المرأة؛ والرابع بالمسألتين الوطنية والقومية .