
29/8/ 2015
لوركا السوري
يشير الوضع الحالي في كل البلدان العربية التي شهدت ثورات منذ نهاية عام ٢٠١٠ إلى انتصار الثورات المضادة٬ مثلا تونس شهدت اعادة انتاج للنظام القديم لبن علي ٬ رغم أن الزخم الثوري فيها لم يخمد بعد وهو حال اغلب هذه البلدان٬ وفي مصر نشهد قيام دكتاتورية عسكرية شرسة منذ تموز – يوليو ٢٠١٣ تمارس قمعا عنيفاً على كل أوساط المعارضة أكانت إسلامية أم غير إسلامية. وفي سوريا نشهد انحسارا للحراك الشعبي وتماسك لنظام الطغمة الذي مارس وحشية لا مثيل لها بحق شعبه مع انتشار لقوى رجعية مسلحة تتحارب مع النظام وفيما بينها وتمارس قمعا اضافيا بحق الجماهير.
والواقع٬ أن السنوات الأربع الماضية٬ أبرزت دوراً للأحزاب الاسلامية ولا سيما للإخوان المسلمين٬ هذا الدور كان إما بسبب تواجدها قبل الثورات كحزب سياسي منظم وله جماهيره كما هو الحال في مصر وتونس٬ وإما بسبب الدعم الخليجي والتركي المالي والسياسي بل والعسكري٬ لكن بلا نفوذ جماهيري لها ٬كما هو الحال في سوريا.
شاركت هذه القوى الاسلامية متأخرة في الحراك الثوري في كل هذه البلدان٬ ولعبت ٬ وهنا نعني بشكل أخص الإخوان المسلمين٬ دوراً انتهازياً كبيراً بتعاملها مع القوى السياسية المشاركة في الثورة من جهة٬ ولكنها بالذات تعاونت مع جهاز الدولة « القديم » بلا حياء.
في تونس حافظت بل وتعاونت حركة النهضة مع اجهزة نظام بن على ومؤسسات دولته. وفي مصر فعل الاخوان المسلمين الشيء نفسه مع المجلس العسكري الاعلى ومؤسسات النظام. وفي الواقع فان هذه الاحزاب خنثت بكل وعودها٬ في مصر حاولت الهيمنة على كل اجهزة الحكم المطروحة في الانتخابات وخاصة الرئاسة ومجلس الشعب بعد ان وعدت الناخبين انها لن تفعل٬ كما مارست سياسات اقتصادية تضاهي في ليبراليتها نظام مبارك نفسه. بكل الاحوال٬ اصبح مشروعا اليوم وعلى ضوء التجربة محاولة تقييم دور وطبيعة هذه الاحزاب والسياسات الممكنة للتعامل معها .
وفي حين يرى البعض ٬ وهنا نتحدث عن الاخوان المسلمين وليس عن داعش وشقيقاته٬ بان حركة الاخوان المسلمين حركة فاشية٬ وهذا شطط كبير . في المقابل ٬ فان الاطروحة التي تقول بان الاخوان حزب « اصلاحي » يثير سجالاً وحواراً بين الاشتراكيين واليساريين. لأن الإخوان المسلمين حزب « برجوازي » و « يميني » في مواقفه وسياساته و « محافظ » في نفس الوقت. لكن هذا النقاش٬ يستحق ان يستكمل ويتعمق في صفوف الاشتراكيين لاستخلاص افضل المواقف . ذلك لا يعني البتة تبريرا لما تقوم به بعض الانظمة وخاصة في مصر من ممارسات وحشية بحق هذا التنظيم٬ على العكس تماما ٬ فان الخصم الاول لنا تبقى الانظمة المستبدة والفاسدة٬ وعلينا ان لا نتهاون في ادانة ومواجهة تعسفها بحق القوى السياسية أياً كانت يمينية أم يسارية.
خلافا للفوضويين يعترف الماركسيون بالنضال من أجل الإصلاحات، أي من أجل تحسينات في أوضاع الكادحين تترك السلطة كما من قبل في يد الطبقة السائدة ولكن الماركسيين يخوضون في الوقت نفسه نضالاً في منتهى الحزم ضد الإصلاحيين الذين يحدون، بواسطة الإصلاحات مباشرة أو بصورة غير مباشرة، من تطلعات الطبقة العاملة ونشاطها. فإن الإصلاحية إنما هي خداع برجوازي للعمال الذين يبقون دائماً عبيدًا مأجورين، رغم مختلف التحسينات، ما دامت سيادة الرأسمال قائمة. لينين .(برافدا ترودا – 1913) والشائع ماركسياً أن الاصلاحية تطلق على أحزاب عمالية او برجوازية لها قاعدة عمالية٬ مع برنامج “اصلاحي” ٬ فهل ينطبق ذلك على حالة الإخوان المسلمين؟؟ بالتأكيد لا ينطبق عليهم وصف الأحزاب الإصلاحية لأن مفهومهم للإصلاح يتناقض تماما مع متطلبات المجتمع للإصلاح ويتناقض مع الأسس التي قامت عليها الأحزاب الإصلاحية في العالم ..
فهي رغم مساوئها ستحقق مطالب طبقية تشمل طبقة أو أكثر في المجتمع وتعطي العمال بعض حقوقهم وتكسب أصوات بعضهم وهي أيضا لا تدعو لنبش الماضي محاولة تكراره في الحاضر لتتحكم بسلوك الفرد وتحد من حريته الشخصية والسياسية كما تفعل الأحزاب الدينية التي تقول إنها إصلاحية .أما نحن الماركسيين الثوريين فإننا نسعى ﻹحداث التغيير الجذري في المجتمع ليتمكن الشعب من امتلاك أدوات الإنتاج ويمتلك القرار المستقل ويدير شؤون حياته من الأسفل . وتتحقق بذلك سلطة العمال والطبقات الشعبية عن طريق ثورة شعبية تكون الطبقة الاساس فيها هي الطبقة العاملة بل تكون هذه الثورة تحت قيادتها .لأنها بكل تأكيد ستحقق مصلحة أغلب الطبقات في المجتمع باستثناء الرأسماليين والبرجوازيين الذين يقولون أنهم مع الإصلاح ومع تحقيق العدالة الاجتماعية وهم في الأصل يسعون لاستمرار هيمنتهم من خلال دعم إصلاحات شكلية لا تغير واقع المجتمع المرتبط اقتصادياً وثقافياً بمصلحة فئات صغيرة منتفعة .
وهناك عشرات المقالات الصادرة عن الإخوان في مصر وهي لا تختلف عن مثيلتها في سورية .والعنوان دائما يتحدث عن الإصلاح في المجتمع ومحاربة الفساد .ينجذب القارئ لهذه العناوين الجميلة ولكن عند قراءة المقال تتفاجئ كيف هو الإصلاح على طريقتهم ..يتحدثون عن ابتعاد الناس عن الصلاة وعن النساء المتبرجات وعن خطورة الاختلاط بين الجنسين وكيف يؤدي لارتكاب الرزيلة ويؤدي إلى تمييع مفهوم الرجولة .وأن الإصلاح الحقيقي يكمن في تطبيق أحكام الشريعة والتمسك بالأخلاق الفاضلة ومحاربة الفسق والفجور .وأقتبس هذا النص من إحدى نصوصهم عن الإصلاح . »كان من مظاهر الفساد الدخيلة على المجتمع في هذه الفترة الاختلاط بين الجنسين، وكان المجتمع ما زال يتحفَّظ على هذا الاختلاط ويرفضه، إلا في بعض الفئات المتحرِّرة والمتشبِّهة بالأجانب »، وكان موقف الإخوان من هذا الأمر هو الالتزام برأي الشرع فيه مهما كان اتهام ذلك بالرجعية أو الجمود؛ فلقد عمل الإخوان على منع الاختلاط الذي يحدث بين الجنسين، وما ينتج عنه من انهيارٍ لأخلاقيات المجتمع ٬ حسب قولهم، وفي ذلك يقول الإمام البنا في “رسالة المرأة المسلمة”: “يرى الإسلام في الاختلاط بين المرأة والرجل خطرًا محققًا؛ فهو يباعد بينهما إلا بالزواج، ولهذا فإن المجتمع الإسلامي مجتمع انفرادي لا مجتمع مشترك”. انتهى الاقتباس. وكل مقالاتهم عن دور الإخوان في الإصلاح تدور في نفس الفلك .
وغير ذلك فقد أطلقوا في عهد مبارك .برنامج الإخوان المسلمين للإصلاح .ويتحدث بداية عن بناء الإنسان المصري . سأورد ما جاء بهذا الصدد .. تأكيد احترام ثوابت الأمة المتمثلة في الإيمان بالله وكتبه ورسله وشرعه. – تربية النشء على مبادئ الإيمان والأخلاق الفاضلة. – إطلاق حرية الدعوة لشرح مبادئ الإسلام وطبيعته وخصائصه، وأهمها شموله لتنظيم كل جوانب الحياة.- حث الناس على الالتزام بالعبادات والتمسك بالأخلاق الفاضلة والمعاملات الكريمة بكل الوسائل.
تنقية أجهزة الإعلام من كل ما يتعارض مع أحكام الإسلام ومقتضيات الخلق القويم. هذا ما جاء في برنامجهم حول بناء الإنسان المصري ولم يأتوا بجديد ولم تتغير نظرتهم لطبيعة هذا الإنسان فهم يرونه مسلما فقط. ولم يراعوا كل التنوعات الدينية داخل المجتمع٬ وحتى انهم لم يروا التوجهات المختلفة ضمن المسلمين أنفسهم والمنتمون لتيارات فكرية مختلفة وايضا لتيارات وأحزاب يسارية وعلمانية ..ولقد تحدثوا عن الإصلاح السياسي وعن ضرورة أن يكون الشعب مصدر السلطات وأيضا عن تداول السلطة وحق التظاهر السلمي وعن كل هذه الشعارات الجميلة .والتي ينسفها كل ما جاء به برنامجهم حول بناء الإنسان المصري .ولكن ما لفت انتباهي هو حديثهم عن العمال لأول مرة بهذا الوضوح ..ورد التالي. إلغاء القوانين التي شلت حركة العمل الجاد في النقابات المهنية والعمالية، وتبني مشروعات القوانين التي تؤدي إلى إعادة الحياة إلى النقابات والعمل النقابي في مصر، وتعلي من قيمة أداء المهن الحرة، وتحقق لها المناخ الملائم للمشاركة السياسية والاجتماعية في نطاقها المهني …..
ورد ذلك في آخر بند ولكن يجب أن تكون المشاركة السياسية ضمن النطاق « المهني » .بما معناه .لا تفكروا أيها العمال بأكثر من ذلك ولا بمشاركة فاعلة وحقيقية ولا حتى بقيادة التغيير المرتقب .هذا ما يفهم من كلامهم ..وهم أكثر رجعية من أعتى الأحزاب الرأسمالية والاشتراكية الإصلاحية والتي تعطي أكثر من ذلك للعمال وتعطيهم هامش للمشاركة في المجتمع أكثر بكثير مما طالب به الإخوان في هذا المجال .والسبب يعود لتركيبتهم الفكرية٬ وحاضنتهم الاجتماعية٬ والقوانين التي تحكم أدائهم السياسي وتكون تابعة لما يصدر عن مكتب الإرشاد وعن المرشد نفسه والتي لا تعدو كونها نوع من الوصاية الروحية وهم أكثر من غيرهم يكرسون الفوارق الطبقية في المجتمع عبر ارتباطهم بالبرجوازية « الدينية » إن صح التعبير .
وحتى برأس المال الديني والذي يسعى لتكريس مفهوم الغني والفقير وأن الفقير له الجنة فيما بعد٬ ويبرر لأبشع اشكال الاستغلال للكادحين ..
ولقد أثبتت مجريات ثورة يناير في مصر وما تلاها بأنهم انتهازيون ومستعدون للتحالف مع أي كان من أجل الوصول للسلطة. فقد حاولوا كبت المجتمع وتضييق الخناق عليه بحجة الدين والأخلاق .وما تلا تلك الفترة من انتفاض الشعب عليهم وما تلاها من مظاهرات ضخمة في نهاية يونيو ٢٠١٣ والتي كانت جزءا من المد الثوري لثورة يناير٬ فانه لمن الاجحاف لوم حشد جماهيري حاشد كما حصل في ٣٠ يونيو٬ ووصفه بالثورة المضادة٬ لأنه تلاه انتصار مدوي للثورة المضادة٬ كيف يمكن ان نلوم « تبدد البخار الثوري « للجماهير لغياب منظمات واحزاب جماهيرية ثورية تستطيع توجيهها بالمسار الصحيح؟٬ في حين ان قوى الثورة المضادة او بالأحرى اجهزة الدولة استطاعت ان تستخدم ذلك لتبرير انقلابها٬ ونجد مثيلا لذلك في تجارب ثورية عديدة في التاريخ ٬ فلم تكن ملايين البشر في ٣٠ يونيو مجرد اناس « متلاعب بهم٬ كما لم تكن هذه الملايين فقط من البرجوازية الوسطى او الكبرى. لكن ما لبث السيسي أن انقلب على الموجة الثورية في يونيو ٢٠١٣ ليعود من جديد لإنتاج الديكتاتورية العسكرية ٬والعمل على تكريسها بحجة محاربة الإرهاب .إن كل ما جرى في مصر أثناء حكم الإخوان .انما يتحملون هم مسؤوليته٬ بالدرجة الأولى فهم لم يرتقوا٬ لا في برنامجهم ولا في ممارساتهم٬ لمستوى الحزب الإصلاحي الذي يدعونه .
لقد كانوا انتهازيين ورجعيين بشكل واضح وكانت كل دعايتهم « الإصلاحية « تكمن في محاربة الرزيلة الدخيلة على المجتمع على حد قولهم ورغم كل ذلك نؤكد على حقهم في المشاركة السياسية ويجب عدم إقصائهم وندين كل ما تعرضوا له من اعتقال وقتل وندين الإرهاب الفردي . والإرهاب المضاد الواسع النطاق الذي تمارسه السلطة الحاكمة في مصر والذي شمل كل الأحزاب والناشطين المعارضين لحكم العسكر ولعودة الديكتاتورية .والذي يشكل العدو الاساسي السياسي والطبقي للعمال والكادحين . ولذلك٬ فإنني اعتقد انه ٬انطلاقا من الماركسية الثورية ٬ لا يمكننا ان نطلق على ٬ او نتعامل مع٬ هذه الاحزاب ٬ ونقصد الاخوان المسلمين٬ صفة احزاب « اصلاحية ». والغوص اكثر في مفهومهم ونظرتهم للثورة والتغيير وكيفية تحقيق العدالة الاجتماعية تؤكد ما أشرت اليه. ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبارهم كذلك
