تيار اليسار الثوري في سوريا
رد على البيان الختامي للقاء اليساري العربي السادس
27/5/2015
لوركا السوري
عندما ينفصل اليسار عن الواقع ويبتعد عن معاناة الشعوب ويعيش حالة إنكار لأسباب هذه المعاناة. تكون النتائج كارثية ليس فقط لأنه يحلق في فضاء معجمه بحثاً عن ما يثبت صوابية موقفه ويبرر انبطاحه٬ بل لأن بنيته السياسية هشة وتعتمد بالمطلق على القائد والمعلم وملهم الشعوب٬ وعلى ضرورة وجود هذا الشخص في كل زمان. والعمل على تقديسه واستنباط مواقفهم السياسية من خلال الغوص في فكر هذا القائد ورسم هالة حوله يمنع مجرد التفكير في نقدها فكيف بمسائلتها أو مسائلة ورثة هذا الشخص البيولوجيين والورثة الفكريين ..
إنها عبودية الفرد بل عبودية الأفراد٬ أسسها ستالين وبقي شبحه يهيمن عليهم وعلى قادتهم .ما أدى الى تحريف الماركسية لصالح الديكتاتور .
إن السقوط الحقيقي للاتحاد السوفييتي كان عندما استولى ستالين على السلطة وكل ما جرى بعد ذلك لم يكن يمثل الفكر الماركسي ولا الأممية .بل كان صراعا على السلطة وحروب مصالح للطبقات الحاكمة٬ وكان الفقراء هم ضحايا ستالين ونظامه قبل غيرهم ..
ولم يكن متوقعاً من أبناء هذا الإرث العقيم في منطقتنا المشاركة في الثورات العربية في عز أوجها وتألقها .لقد كانت٬ بالنسبة لهم٬ مؤامرة مدعومة من الإمبريالية والرجعيات العربية٬ فالتهمة جاهزة لديهم .في حين أنهم يعرفون أن الإمبريالية والرجعيات العربية دعمت قوى التطرف السلفية الجهادي وسعت لإجهاض الثورات وعملت على حرف الثورات ٬ وهذا ما يدركه كل عاقل ويعرفه كل ثائر . وعندما يتحدث بيانهم عن أن الشعوب ليست جاهزة للثورات وأن أسبابها لم تنضج فهذا عذر أقبح من ذنب ٬ وكذب وتضليل. وكأن شعوبنا تنعم بالرفاهية وبالحرية السياسية وحرية التعبير وفوق ذلك تمارس هذه الشعوب هواياتها المفضلة من سباحة وركوب الخيل .إنها وقاحة وفاجعة لليسار أن يدعي هؤلاء تمثيله.
وبعد انعقاد المؤتمر السادس (الاستثنائي ) لما يسمى بالأحزاب الشيوعية في الثامن من آيار في بيروت .وبعد بيانهم الإنشائي أصبحت على قناعة بضرورة كنس هذه الأحزاب ووضعها في مزبلة التاريخ وخارج نطاق هذا العصر ..
ففي الفقرة الأولى يتحدثون عن اليمن وعن ضرورة إيقاف الحروب الخارجية والداخلية وعن دور الإمبريالية مجدداً وعن الطائفية ..ولم يجرأوا على تسميتها عدوانا وهم المحسوبون على محور « المقاومة « المعادي للإمبريالية والرجعيات العربية٬ وفق الصورة المسوقة له .في الوقت الذي نجرأ فيه٬ نحن الماركسيين الثوريين ٬ الذين تصفنا هذه الاحزاب الانتهازية والاصلاحية بأبشع الأوصاف٬ لم نتردد لحظة في ان نصف الخرب على اليمن بالعدوان السافر على الشعب اليمني ٬وأنها حرب لبقاء الأنظمة٬ وأن إيران ودول الخليج مسؤولين عن إشعال هذه الحرب عبر أدواتهم في اليمن وهم وراء إفشال كل محاولات الحوار ….
وفي فقرة آخرى يتحدثون٬ في بيانهم المذكور٬ عن القضية الفلسطينية ٬على اعتبارها قضية رابحة في مجال المتاجرة بدماء الشعوب لدى هذه القوى الانتهازية. حيث يعتبرون أن إعادة انتخاب نتنياهو ونتيجة مشروع القرار الفرنسي وغيره من عمليات الاستيطان الموجود طبعا منذ عقود إنما يهدف لتصفية القضية الفلسطينية ..شخصيا أستطيع أن أرى مقدار الانحطاط في التحليل من خلال ربط مضحك لما يسمونه تصفية للقضية الفلسطينية٬ بمجرد حدث إعادة انتخاب نتنياهو وغير ذلك من مشروع فرنسي ..
وإن كل ماورد في بيانهم لهو محض هراء وتلاعب بالمفردات .إنهم يدعمون السيسي في مصر لإنه يحارب الإرهاب٬ حسب قولهم٬ هو الملاك المخلص ٬ في اعينهم٬ ولكنهم يتناسون انه الدكتاتور المدعوم أصلا من أنظمة الخليج الرجعية ومن الامبريالية٬ التي تدعي هذه الاحزاب في نفس بيانها عدائها٬ إن السيسي ونظامه صديق لإسرائيل .إنه الديكتاتور الجديد الذي يقمع الحريات وأعاد مصر عقودا للوراء فزمن مبارك كان أفضل من حيث هامش الحريات الذي كان موجودا٬ وزمن مرسي كان أفضل بكثير رغم قتامته ..لا أعرف كيف تفكرون٬ ايتها الاحزاب اليسارية التي تتعبد الانظمة الدكتاتورية٬ كيف لكم أن تنكروا نضالات الشعوب وتتنكروا للثورات الآن.
في بيانكم تقولون أنكم تدعمون تحركات القوى اليسارية والديموقراطية في سورية من أجل وقف العنف والتدخل الخارجي ..
ولم تحددوا أي تدخل هو المعني. أهو تدخل روسيا وإيران وحزب الله « المقاوم » ؟ أم تكتفون بإدانة تدخل أمريكا والمتطرفين الاسلاميين؟ أم تركتم المجال لمخيلتنا؟ .هل يعقل ان تتجاهلوا عشرات ألاف الضحايا ومئات المدن والقرى التي دمرت على يد النظام السوري٬ الا يستحق ذلك أن تتحدثوا عنه ولو بكلمة؟ على الأقل كان متوقعاً منكم و لحجم المأساة التي اصابت الشعب السوري الثائر٬ ان تحاولوا تبرير فعلة النظام السوري المجرم حليفكم٬ عبر الكذب ٬ كما هي عادتكم٬ بأنه فعل ذلك عن طريق الخطأ وأن المجموعات المسلحة هي المسؤولة عن هذا الدمار. ولكنكم بكل بساطة وخسة حذفت من الوجود عشرات الالاف من ضحايا النظام التي قتلها وغيبها والملايين التي شردها٬ من السوريين المدنيين والابرياء. أليس تغييب الأف المعتقلين في سورية ومصر يستحق الذكر أكثر من معتقلي الرأي في السودان مع احترامنا لهم. ونحن على ثقة انه لو تعرض النظام السوداني للخطر لاجتمعتم وأكدتم على تضامنكم مع عمر البشير ضد هذه الهجمة الإمبريالية الشرسة .فأنتم كنتم ومازلتم عبدة الأنظمة والطغيان لا تستطيعون العيش خارج مستنقعاتها ﻷن ذلك سيعريكم .
و إن كان يوجد في بيانكم أي جرأة غير معهودة لديكم في ذكر بعض الأسماء والتلاعب ببعض مفردات الحرية والعدالة فذلك يعود الفضل فيه للثورات التي مازالت مستمرة والتي وفرت للكثير غيركم ممن يتبعون نفس الطريق هامش من الحرية تستخدمونه وتدعون أنكم أحرار . لأنكم لم تكونوا ولستم اليوم سوى قوى متكلسة ومنعزلة عن هموم الناس وكفاحها٬ ومجموعات وصل العفن الفكري والسياسي لها لدرجة انها ربطت مصيرها بمصير الانظمة البرجوازية والدكتاتورية التي قامت ثورات جماهيرية ضدها منذ اكثر من اربع سنوات وما تزال مستمرة. انكم في الصف المواجه لمصالح الجماهير الشعبية وكفاحها.
