الخط الأمامي
مركز السلام لضحايا الاتجار بالبشر و العنف: وضع المرأة في ظل النزاعات المسلحة
19/8/2016
أدى التطور التكنولوجي الهائل في المجال العسكري عبر القرن الماضي ، واندلاع العديد من النزاعات المسلحة والحروب الاهلية إلى إقحام المدنيين في هذه النزاعات ، واستهدافهم من الاطراف المتنازعة ، مما أودى بحياة الملايين من البشر معظمهم من النساء والأطفال .. مما لا شك فيه أن جميع فئات المجتمع تتأثر بالنزاعات المسلحة إلا ان النساء اكثر تضرراً ، بسبب أدوارهن التي رسمها المجتمع عبر التاريخ وطبيعتهن الفيزيولوجية .
اولاً: تأثير النزاعات المسلحة على الاوضاع الاجتماعية للمرأة .
1- التأثير على الاسرة : تمزق النزاعات المسلحة الروابط الاسرية ، وتبعثر افراد الاسرة الواحدة ، في أكثر من دولة ، يقتل بعضهم ويؤسر ويعتقل آخرون ، يختفي ويحاصر البعض مما يحول من التقائهم لفترات طويلة .
كما تخلف الحروب الكثير من النساء الأرامل ، مما ينعكس على حياتهن وعلى المجتمع بوجه عام ، لان الترمل يغير من الأدوار الاجتماعية والاقتصادية للنساء في المنزل والمجتمع ، ويحدث خللا في بنية الاسرة ، نتيجة لغياب احد قطبي توازنها وتحتل المرأة مهام قد لا تتمكن من حملها ، اولًا تكون مؤهلة للقيام بها ، وهذا يشمل أيضاً زوجات وبنات وامهات المفقودين والمعتقلين والمأسورين او المخطوفين
2- العنف الجسدي والجنسي : تتعرض المرأة في النزاعات المسلحة للعنف بكافة اشكاله ، وهي انعكاس لعلاقة اللاتكافؤ بين الرجل والمرأة ، وطبيعة القيم الاجتماعية التي تنظر للمرأة كرمز للشرف ، مما يجعل آثار العنف الجنسي يتجاوز الاذى النفسي والبدني ، لتشمل الاذى الاجتماعي متضمنا عزلة تعيشها المرأة يبعدها عن الاندماج في المجتمع ، لعدم تفهم المجتمع لأوضاعهن ، وهذا ما يخلق لهم صعوبات اقتصادية شديدة ويؤثر على حياتهم من كافة النواحي . بالرغم من أن جميع القوانين والمواثيق الدولية تؤكد على ضرورة حماية المرأة في جميع الظروف ، إلا ان للأعراف الاجتماعية والثقافية الدور الاساسي ، والتي تفاقم غالباً من حجم مأساة المرأة ، ويساهم غياب السياسات الوطنية الداعمة للنساء في زيادة معاناتهن ، مما يتطلب تعاون مع المنظمات والهيئات الوطنية المختصة والمنظمات غير الحكومية، لمساعدتهم على التكيف مع الاوضاع التي تفرزها الظروف وتعزز فرص إعادة اندماجهن في المجتمع ورفع سوية الوعي الاجتماعي وتغيير النظرة المجحفة التي كرسها المجتمع للمرأة ، والدور المختزل الذي اناطه بها ، بدون هذا التغير نحو واقع اكثر عدالة للمرأة يتيح لها افاقا غير محدودة من المساهمة والابداع لا يمكن الحديث عن تحسين الاوضاع الاجتماعية للمرأة في وقت السلم والحرب .
3- التهجير القسري : إن التهجير القسري للمدنيين ، غدا هدفاً مباشرا للنزاعات المسلحة وليس فقط حصيلة تلقائية لها ، اذ تشير احصائية للأمم المتحدة ان ٨٠٪ من المهجرين هم من النساء والاطفال .
يصبحون في عداد النازحين او اللاجئين ، وهذا ما يؤثر كثيرا على حياة المرأة وصحتها وادوارها الاجتماعية اذ أنه عندما تتمكن المرأة من الوصول الى المخيمات ومراكز الاغاثة ، فان دورها كمعيل وكمسؤول مباشر عن رعاية أسرتها (اطفال مرضى مسنين ) يحد من قدرتها على التنقل والعمل ويعرضها إلى أشكال مختلفة من الاستغلال أثناء سعيها للحصول على الحماية او المساعدة . كما تتعرض النساء المقيمات بمفردهم او مع اطفالهم الصغار في المخيمات واماكن النزوح للتحرش والاعتداء والعنف الجنسي والجسدي ، إضافة إلى أن سوء ظروف المعيشة في المخيمات وأماكن النزوح التي غالبا ما تفتقر للشروط الصحية تؤدي الى اصابتها بأمراض قد تكون معدية او خطيرة . بحيث يتأثر بذلك كافة افراد الاسرة وخاصة الاطفال .
4- الاتجار : غالبا ما ينشط اشخاص وشبكات في ظل النزاعات المسلحة للعمل في مجال الاتجار بالبشر وتكون النساء من اهم الفئات المستهدفة لديهم ، يستغلون ضعفهم وسوء احوالهم المعيشية ، ليمارسوا بحقهم كافة الوسائل للنيل منهم وايقاعهم ضحايا يتم استغلالهم في اعمال غير مشروعة ، كالدعارة والمخدرات او اعمال لا تتناسب مع أوضاعهم الجسدية كالزراعة والمعامل التي تحوي مواد كيماوية او استخدامهم وسيطات لأعمال مشبوهة . وهناك أشكال مختلفة من الاتجار بالبشر يتم اكتشافها حديثا ، كالزواج القسري ويستهدف القاصرات .
ثانيًا: تأثير النزاعات المسلحة على الاوضاع الاقتصادية للمرأة : شهدت السنوات الاخيرة ، تحولا في طبيعة وجغرافية الحروب حيث انحصرت معظمها ضمن الحدود الوطنية ، مما ينعكس على الوضع الاقتصادي بشكل عام ، بطالة وفقر وجوع ، وتنال المرأة منه بشكل خاص ليزيد من معاناتها اذا فقدت معيلها وتصبح هي المعيل الاساسي مما يتوجب عليها العمل داخل وخارج المنزل في اعمال لا تألفها وبأجور متدنية ..
ثالثاً: تأثير النزاعات المسلحة على اوضاع المرأة السياسية والثقافية : يعتبر تهميش دور المرأة السياسي في النزاعات المسلحة امتدادا لتهميش دورها في المراحل السابقة للنزاع . من خلال مراجعة للتاريخ نجد ان السلطة كانت دائما بيد الذكور في العائلة والمجتمع والدولة ، ومازال الرجل يلعب الدور القيادي في صنع القرار السياسي وخصوصا في المتعلق منها بالنزاعات المسلحة ، مع ان المرأة ناضلت الى جانب الرجل وطالبت على مر السنوات بحل النزاعات سلمياً إلا أن تأثيرها في صنع القرار ظل ضعيفاً .
بالرغم من أن دورها في هذا المجال معترفا به من قبل المنظمات الدولية والحكومية والاهلية وتمارس نشاطا أحياناً في بعض المنظمات التي تقوم على العمل السياسي الا ان هذا الدور لا يصل الى مراكز اتخاذ القرار .
نال موضوع المرأة والنزاعات المسلحة اهتمام المجتمع الدولي ،وكان من القضايا التي ادرجت على برنامج عمل مؤتمر بكين الذي دعا الحكومات والمجتمع الدولي لاتخاذ اجراءات جدية وحاسمة لمعالجة هذا الموضوع . اذا كانت النساء الاكثر تضرراً من الحروب ، فأنهن بلاشك الاقدر على صنع السلام وضمان ديمومته ، من هنا تبرز أهمية اشتراك النساء في مفاوضات السلام والمهمات الانسانية وبعثات تقصي الحقائق والمشاركة في اعادة البناء .
ان معاناة المرأة في ظل النزاعات المسلحة والحروب لاتزال من الموضوعات التي تتطلب اهتماما اكبر الامر الذي يتطلب العمل على حمايتها وحماية اطفالها من الممارسات اللا إنسانية التي تتعرض لها .
