تيار اليسار الثوري في سوريا
معركة حلب, الثورة والثورة المضادة
23/2/2016
يشهد الريف الشمالي لحلب منذ بداية شهر شباط/فبراير هجوماً غير مسبوق لجيش نظام آل الأسد، بدعم من الطيران الحربي الروسي . استطاع النظام من خلاله استعادة السيطرة على العديد من المدن والقرى، وتنفيذ حصاره شبه الكامل للجزء “الحر” الشرقي من مدينة حلب. وفي حال سقوط حلب يكون النظام قد أكد سيطرته على أهم وأكبر المدن السورية.
وقد كان هذا الهجوم الحجة التي تذرعت بها العربية السعودية وحلفائها، مع الجزء التابع لها من المعارضة السورية المتمثل في الهيئة العليا للمفاوضات، التي تشكلت في ختام اجتماع الرياض منتصف شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، لإفشال اجتماع جنيف ٣ الذي عقد في بداية هذا الشهر لبدء المفاوضات بين النظام و”المعارضة”.
لكن الحرب التي يشنها النظام هي حرب الأرض المحروقة ، ما تسبب بموجة جديدة من هجرة نحو مئة الف شخص نحو الحدود التركية التي اغلقت في وجوههم ليعيشوا أبشع الظروف الإنسانية . ليضاف فصل جديد من المعاناة على المعاناة الفظيعة التي يعيشها الشعب السوري.
واطلقت السعودية مع حلفائها وبالأخص الحكومة التركية تهديدا بالتدخل العسكري المباشر في سوريا. في الوقت الذي صرح فيه رئيس الوزراء الروسي ميدفيديف محذرا بحرب لا نهاية لها في وجه أي تدخل عسكري لا يتم بموافقة مسبقة من النظام السوري.
في هذا الجو المحموم برياح الحرب ولي الأذرع بين القوى الإقليمية والدولية انعقد لقاء ميونيخ يومي ١١و١٢ شباط / فبراير الجاري الذي صدر عنه اتفاق روسي –أمريكي على الدعوة “لوقف الاعمال العدائية” خلال أسبوع ، وهذا لا يعني هدنة أو وقف لإطلاق النار.
كما أن “وقف الاعمال العدائية” لا يشمل داعش والنصرة وغيرهما من المجموعات ” الإرهابية” . حيث أن الحكومة الروسية سارعت بالإعلان على لسان لافروف انها ستتابع حربها ضد الاٍرهاب بالتعاون مع الحكومة ” الشرعية” في سورية.
لذلك، يبدو ان كل الشروط متوفرة، لاستمرار الحرب وحمام الدم التي تشكل الجماهير السورية ضحاياها الأساسيين . بل إن هذه المذبحة مرشحة لان تستعر اكثر في الأشهر القادمة. ما يعني بأن عذاب الشعب السوري، وللأسف، لن يشهد نهاية قريبة له.
والحال، فإن الوضع السوري يمكن إيجازه كالتالي: هنالك ثلاثة قوى مهيمنة عسكرياً في الميدان وتتنازع فيما بينها، وتحظى أغلبيتها بدعم من قوى إقليمية و/أو دولية:
النظام وحلفائه . الحركة القومية الكردية المتمثّلة في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني وبعض حلفائه. وأخيراً القوى الرجعية مثل داعش وجبهة النصرة واحرار الشام وجيش الاسلام. في حين أن الجيش السوري الحر والحراك الشعبي يعانيان من الإنهاك والعزل والتهديد بالفناء من القوى المهيمنة المذكورة. لكن الحركة الشعبية الثورية لم تمت بعد. إنها بالتأكيد ضعفت لكنها لا تزال حية، كما أوضح ذلك العديد من التظاهرات الاخيرة مثل انتخاب المجلس المحلي في زاكية في ريف دمشق، ومظاهرات التضامن مع الكرد التي شهدتها مؤخرا العديد من المدن السورية، والنشاطات الديمقراطية المتعددة الأشكال كالتي تشهدها كفر نبل وسراقب ودرعا وغيرها من المدن.
أما مجموعات الجيش الحر، أي المقاومة الشعبية، التي تعاني من التشتت الجغرافي والتنظيمي ونقص فادح في التسلّح والتنظيم وغياب شبه كامل للدعم، فهي هدف للقصف الروسي وللنظام واعتداءات القوى الرجعية للثورة المضادة.
لقد أوضح التدخل العسكري الروسي وحلفائه مثل ايران وحزب الله، من جهة. والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها مثل الحكومتين التركية والسعودية ، من جهة اخرى . بأن مصير سوريا وشعبها أصبحا محل تنازع وتنافس بين القوى الإقليمية والدولية . بحيث أن سوريا أصبحت مسرحاً لنزاع بين الإمبرياليات ، أيضاً.
ولذلك، لم يعد يقتصر كفاح الجماهير الشعبية السورية على انتزاع حريتها والمساواة والعدالة الاجتماعية، بل أنه أيضا كفاح من أجل تحررها من قبضة القوى الإمبريالية . فالثورة السورية، مثل كل الثورات المعاصرة، تحمل في أعماقها ديناميات النضالات الاجتماعية والديمقراطية ومعاداة الإمبريالية . هذه هي طبيعة ثورتنا… الدائمة.
كل السلطة والثروة للشعب
تيار اليسار الثوري في سوريا
