
تيار اليسار الثوري في سوريا
25/8/2020
غياث نعيسة
لا يخرج الوضع الراهن في إدلب عن المشهد العام للوضع السوري، هناك ما يمكن أن نسميه رقعتي تجاذب وتصارع للقوى الإقليمية والدولية المتدخلة في سوريا، وأن كان لكل منهما خصوصياتها وتمايزها، هاتان الرقعتان، أو المنطقتان، هما، بحكم ذلك، منطقتان تتميزان بعدم توفر الاستقرار فيهما، لأنهما محط صراع ونزاع بين هذه الدول الإقليمية والدولية التي تعتبر وجودها فيها ورقة أساسية لفرض شروطها ونفوذها في واقع سوريا ومستقبلها، هاتان المنطقتان المذكورتان أعلاه هما إدلب ومناطق الاحتلال التركي، ومناطق شمال وشرق سوريا.
الوجود الأمريكي في شمال وشرق سوريا يضبط، إلى حد ما، إيقاع تدخلات تركيا والنظام وحلفائه في شمال وشرق سوريا، وفق المصالح الخاصة للولايات المتحدة فقط، ورغم ذلك، فإن عدم الاستقرار وغياب وضوح ما سيكون عليه مستقبل المنطقة، من وجهة نظر الدول المتدخلة، يبقى هو السمة البارزة، من هنا تركيزنا على ضرورة تحول الإدارة الذاتية في المنطقة، وهي عامل فاعل داخلي ” وطني” له استراتيجيته ودينامياته المنغرسة في الواقع، إلى مشروع وطني شامل مع تطوير التجربة بمشاركة شعبية حقيقية وواسعة، له طبيعة سياسية واجتماعية تقدمية، لتكون مركز استقطاب لعموم السوريين، وكل ذلك بالاعتماد على قدرات وطاقات شعبنا الذاتية والتخلص من وهم الاعتماد على أي من الدول الإقليمية والدولية المتدخلة في بلادنا، لأن في ذلك خلاص للسوريين.
في حين أن الوضع في إدلب يختلف، حيث يوجد بالإضافة إلى جيش الاحتلال التركي ومرتزقته، فصائلُ سلفيةٌ جهادية متعددة أهمها جبهة النصرة، وهذه الفصائل الجهادية الإرهابية تستخدمها تركيا بوجهين: الأول كوكيل لها في السيطرة على بعض المناطق هناك، والأهم في السيطرة على السكان.
والثاني، تستخدمها كبعبع إرهابي خطير تتفاوض مع روسيا وغيرها عليه، مدعية أنها ستعمل على تحجيمه، ما يقوي من أوراقها في انتزاع تنازلات أكبر من روسيا.
في المقابل، ترى روسيا، أن بقاء هذا الوضع في إدلب يشكل دملة أو خراجًا في خاصرة مشروعها لبسط سيطرتها في سوريا، باعتبارها الدولة الأهم والمركزية في تقرير مصير البلاد، والنظام، ما يشكل عائقًا كبيرًا لها في مشروعها، لذلك، فهي تترك لتركيا، في كل مرة، فسحة زمنية لها لتنفيذ التزاماتها، ومن باب الحفاظ على تركيا كحليف ” لدود”، ولكنها تعود لتقوم بأعمال عسكرية محدودة مع النظام لتقليص نفوذ والمناطق الخارجة عن سيطرة النظام في إدلب، إنها لعبة الشد والرخي، أو الأكورديون.
ما يجري من تحشيد عسكري من الطرفين في إدلب يدخل، من وجهة نظري، في هذا الإطار من المفاوضات التركية- الروسية مع عض الأصابع لكل منهما الآخر، ولا أعتقد أن هجومًا عسكريًّا واسعًا هو على جدول أعمال روسيا في إدلب. لأن ذلك سيقوض علاقاتها مع تركيا، بقدر ما ستكون، كالعادة، عمليات قضم محدودة، في حال حصلت.
هذا هو، للأسف، الحال في سوريا، من زاوية مصالح وتنافس الدول الإقليمية والدولية فيها.
وما هو مؤسف أكثر، أن قطاعات من المعارضة السورية، عوضًا عن أن تبني نفسها وتحشد قواها وتجتمع في إطار وطني يعطي للسوريين صوتًا ومنبرًا ديمقراطيًّا حرًّا ومستقلًّا، نراها تلتحق وتتبع سياسات هذه الدولة أو تلك، ما يزيد من قدرة الدول المتدخلة على إمساكها بمصير سوريا والسوريين ومستقبلهما.
لذا، نرى أن بناء جبهة متحدة واسعة للقوى الديمقراطية والاجتماعية السورية من أجل التحرر الوطني والسياسي والاجتماعي، باستقلال كامل عن كل الدول المعنية هو مهمة ملحة، دونها لن يكون القادم إلا أكثر سوءًا، على جميع السوريين.
