الحرب الإمبريالية على العراق والمنطقة العربية
حركة مناهضة العولمة في سوريا
9/4/2003
غياث نعيسة
(أخذ من الحوار المتمدن- العدد: 455 – 2003 / 4 / 14)
تدخل الحرب الإمبريالية على العراق ، مع وصول جحافل القوات الأمريكية الغازية إلي داخل بغداد (عند كتابة هذه المقالة) وفرار رموز النظام الدكتاتوري وانهياره الذي لا حسرة عليه لدينا اطلاقاَ، مرحلة جديدة وخطرة. تتميز بانهيار خرافة أنها “حرب تحرير ليست موجهة ضد الشعب العراقي” التي روجت لها وسائل الإعلام العالمية نقلاَ عن تصريحات المسؤولين الأمريكيين وحلفائهم. انهارت من خلال الوحشية العارمة التي تقصف بها القوات الامريكية-الانجليزية المدن العراقية والمدنيين العراقيين. وتلاشي حلمهم بحرب سريعة واستقبال الشعب العراقي لهم كمحررين. كما أنها تتميز بالمعاناة المتزايدة والخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين العراقيين . وما تفتحه من إمكانيات أفاق ممكنة وعديدة.
لقد قلبت المقاومة العنيدة للشعب العراقي دفاعاَ عن أرضه واستقلاله في مواجهة التتر الجدد كل السيناريوهات الامريكية الجاهزة منذ سنوات لغزو العراق ووضع المنطقة تحت السيطرة المباشرة للإمبريالية الامريكية الامبراطورية النزعة.
انهار الحلم، بحرب تحرير واستقبال حافل لقواتهم، الذي طاف في عقول الطاقم المحافظ الليبرالي-الجديد والأصولي المتشدد الذي يمسك اليوم بمفاصل الإدارة الامريكية ، مع وصول بوش الابن إلى رئاسة قلب الإمبراطورية.
وعد بوش الشعب العراقي أنه بحربه هذه سيجلب له “الطعام والدواء وحياة أفضل” ولكن ما يقدمه له هو الموت والدمار والجوع والإهانة. “نحن المعتدون ونحن من يقتل الأطفال” هذه الحقيقة التي عبر عنها أستاذ جامعي أمريكي هو مكاييل دوران يشاطره بها العديد من المثقفين والأدباء الأمريكيين، ورأي عام عالمي واسع. ويصل دوران إلى الاستنتاج التالي “بأننا قد نكون على وشك أن نربح الحرب عسكرياَ، لكننا خسرناها على الصعيدين السياسي والرأي العام” (لوموند 4/4/2003) .
شكل عاملان أساسيان هما: أحداث أيلول 2001، وبعدها حرب افغانستان ” السريعة والسهلة” ، منعطفاَ في السياسة الدولية للإدارة الأمريكية. من جهة ، أدى العامل الأول إلى إبراز-وبشكل مأساوي- الدور المركزي للولايات المتحدة في العالم ومسؤولياتها في أزماته والنظام العالمي المجحف الذي تفرضه(العولمة الليبرالية المتوحشة)، وإنها لم تعد جزيرة محمية عن الخارج. مثلما أبرز العامل الثاني ميلاَ لفرض السيطرة والهيمنة قائماَ لدى الأقسام الأكثر محافظة وشراسة والمرتبط بالأوساط الرأسمالية المالية والمجمع العسكري –الصناعي، وفتح شهيتهم لرسم عالم أحادي القطب هو الولايات المتحدة. فأوربا عندما تعارض سياساتهم تصبح “أوربا العتيقة” وفق تعبير وزير الدفاع رامسفلد ، والأمم المتحدة عندما لا تخضع لمطالبهم تماماَ يتم احتقارها. وتضع الإدارة الأمريكية معايير جديدة أيديولوجية، لا علاقة لها بالقانون الدولي ، مثل” محور الشر” تصنف فيه الدول التي تشاء ، آو مصطلح ” الدول المارقة” وغير ذلك من المقولات الايديولوجية المحافظة والمشوبة بطابع تبشيري ديني-اصولي، بدأ يثير استياء و انزعاج حتى الفاتيكان.
تقوم الاستراتيجية الأمريكية “الجديدة” التي عبرت عنها وثيقة “استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة” الصادرة في أيلول 2002 على مفهومين أساسيين. الأول هو مفهوم ” أن كل من ليس معنا فهو مع الإرهاب” ، جاعلة بذلك أي موقف معارض لسياساتها موقف ” إرهابي” آو” مساند للإرهاب آو الدكتاتوريات”، وقد تجلى ذلك في الاتهامات المتوالية التي صدرت عن الإدارة الأمريكية في وصف الموقف الفرنسي وغيره بأنه يساند “الحفاظ على الدكتاتورية في حربها مع الديمقراطية”. والمفهوم الثاني، وهو ناتج عن الأول، هو” حق الولايات المتحدة في شن حروب وقائية ضد أي مصدر ترى فيه تهديداَ محتملاَ (ولو مستقبلياَ) عليها”. هذين المفهومين للاستراتيجية الأمريكية يعنيان حقاَ تكريس عالم أحادى القطب وفي حالة حرب مستمرة، خارج إطار القانون الدولي آو/ و الأمم المتحدة إن لزم الأمر. إنه تحول كبير في النظام العالمي الجديد يفسح في المجال لاستبداد قوى كبرى غاشمة.
يخلط الفريق المحافظ الليبرالي-الجديد الحاكم في الولايات المتحدة ، الذي لم يهتز بالرغم من الفضائح المالية التي تمس عدد من أقطابه كريشارد بيرل وديك تشيني، بين المصالح القومية لبلاده –أو بالأحرى لرأسماليتها- وبين المصالح العامة للبشرية. مما يؤكد أن ثمة “تحولان أساسيان يشهدهما العالم اليوم، الأول هو انقلاب علاقة التبعية الاقتصادية بين الولايات المتحدة والعالم –إذ أصبحت الأولى تعتمد تماماً كمجتمع استهلاكي أولًا، إلى الاستيراد الواسع للبضائع ورأس المال والنفط من خارجها. والانقلاب الثاني هو انزياح الدينامية الديمقراطية ، لتصبح إيجابية في اور-آسيا وسلبية في الولايات المتحدة”- انظر امانويل تود في كتابه “ما بعد الإمبراطورية”- .
هذا يعني أن الهدف الحقيقي للولايات المتحدة ليس الدفاع عن الديمقراطية الليبرالية التي تتفرغ ببطء من جوهرها في أمريكا نفسها. بل هدفها الأساسي أصبح ضمان تدفق السلع المتنوعة ورؤوس الأموال. أي أن هدفها الرئيس أصبح جلياَ وهو ببساطة السيطرة على ثروات العالم.
وإذا يرى عدد من المحللين أن حروب الولايات المتحدة الموجهة عموماً ضد دول ضعيفة إنما يعكس حقيقة أن قوتها الاقتصادية والايديولوجية والعسكرية تتراجع ولا تسمح لها بالسيطرة الفعلية على العالم الذي أصبح واسع جداَ ومأهول جداَ ومتزايد الدمقرطة. مع وجود أقطاب دولية أكثر دينامية منها كروسيا وأوروبا واليابان والصين. وهذا ما دفع بامانويل تود لوصف حروب الولايات المتحدة الراهنة ضد الدول الضعيفة – كوسوفا، يوغسلافيا،أفغانستان ،الصومال والعراق- بالحروب ” المسرحية” لأن أحد أهدافها هو تذكير الجميع بجبروتها العسكري. حرب “مسرحية” بمعنى “استعراضية للقوة المدمرة” تستخدم فيها الإمبريالية القوة الفظة والوحشية لأحدث وافتك ما تحويه ترسانتها العسكرية.
باحتلال القوات الأمريكية-البريطانية للعراق يتحول هذا البلد الشقيق من بلد كان تحت وصاية “الأمم المتحدة ” بسبب الحصار ونظام العقوبات التي كانت مفروضة عليه ، نتيجة السياسات الرعناء للنظام الدكتاتوري, يتحول الآن إلى بلد محتل ومستعمر أمريكياَ.
سينعكس هذا الوضع الجديد على المنطقة كلها وعلى أكثر من صعيد. فمن الآن وصاعداَ، أصبحت الإدارة الأمريكية طرفاَ مباشراَ ورئيسيا ومهيمناَ- مع شريكتها الصغرى الدولة الصهيونية- في الوقائع الجيو-سياسية المباشرة للمنطقة.
ينهار بذلك النظام الرسمي العربي كما كان عليه ، وينكشف ظهره أمام جهتين : شعوبه التي اختبرت مدى هشاشته ولا شرعيته وفساده ، فقد ظفرت الحكومة الأردنية ،مثلاَ، ب 700 مليون دولار إضافي نتيجة موقفها الداعم للحرب الامبريالية . وظفرت الحكومة المصرية ب 300 مليون دولار إضافي مكافأة لها على نفس الموقف، هذا من جهة. كما أن ارتهان الحكومات العربية ، ورهن الأخيرة، بفسادها، لمجتمعاتها بهكذا مساعدات – ساهمت حتى الآن في تأمين بقاء “مضطرب” لها – يجعلها أكثر فاكثر لقمة سهلة تعلكها الادارة الامريكية كما تريد، من جهة ثانية.
لذلك ،ستدفع الحكومات – والشعوب قبلها- العربية ثمن الاحتلال الأمريكي للعراق ، بما فيها الأنظمة الموالية لها. وسيكون الاختبار الأهم القادم هو عملية التسوية الإمبريالية للقضية الفلسطينية التي سيفرض على المنطقة ، في إطار استراتيجيتها لإعادة رسم المنطقة وانظمتها.
ولكن، العالم ليس مزرعة مستباحة لإمبريالية منفلتة من عقالها، تزرع الموت والدمار في خدمة عولمة متوحشة لرأس المال. فالعالم ، منذ أكثر من عقد ، يشهد نهوض وعي إنساني متجدد ومناهض للاستغلال الرأسمالي المتعولم ومعادي للإمبريالية والدكتاتورية. وعي يتجسد من خلال نضالات الملايين من المواطنين في العالم .
تأكد هذا النهوض بشكل أكبر خلال الغزو الإمبريالي للعراق ولم يفتر بعد في مطالبته اليوم بانسحاب قوات الاحتلال الأمريكية –البريطانية. لم يعرف العالم من قبل – ربما فقط في سنوات الاحتجاج على حرب فيتنام- مثل هكذا نضالات- ووعي معادي للرأسمالية – ديمقراطية وتعددية. يشارك فيها الملايين من المأجورين والمستغلين والمضطهدين والشباب. ونحن نرى موقعنا في القلب من هذه النضالات ومعها في مواجهة همجية العولمة الليبرالية المتوحشة وحروبها. إنها انبعاث “طوبى” إنسانية ملموسة بحواملها الاجتماعية الاصيلة ، الحركة العربية لمناهضة العولمة جزء رئيس منها، بينما نشهد في مواجهتها ، كما هو الحال في بلدان اخرى ،انتكاس عدد من المثقفين المتهالكين و”التائبين” لتبني خرافات تقول بأن “الديمقراطية والحرية ” تنبثق من فوهة أسلحة عساكر الامبريالية وقنابلها.
أما نحن, فنبقى مع الجماهير في نضالاتها العالمية الواسعة ضد الحروب الامبريالية و القهر والاستغلال والاستبداد والاقصاء والتهميش.
ثمة “شبح يطوف العالم”.!
حركة مناهضة العولمة في سوريا*: كانت من المجموعات التي نشطت في تلك الفترة وكان أفرادها من الجذور الأساسية – مع الرفاق من المجموعات الأخرى- , التي شكلت النوى الأولية لتيار اليسار الثوري في سوريا والذي أعلن عن تأسيسه في 15/10/2011
