سوريا: تستمر المجزرة بحضور المراقبين
تيار اليسار الثوري في سوريا
14/1/2012
غياث نعيسة
(أخذ من الحوار المتمدن-العدد: 3608 – 2012 / 1 / 15)
وصل المراقبون العرب إلى سوريا بتاريخ 26 ك 1/ديسمبر من العام الماضي ، بعد توقيع النظام السوري على البروتوكول الخاص بمهمتهم نهاية ت2 / نوفمبر من نفس العام.
و تندرج مهمة هؤلاء المراقبين في إطار ما يعرف بمبادرة جامعة الدول العربية التي صدرت في بداية شهر ت1/اكتوبر من نفس العام، التي تتضمن ،بالأخص، وقف العنف و القمع و سحب الجيش السوري من المدن و إطلاق سراح المعتقلين و فتح حوار بين المعارضة و النظام الحاكم للإعداد لفترة انتقالية.
و في حين أن حضور المراقبين العرب كان له أثر في تشجيع عدد أكبر من المواطنين السوريين على التظاهر ، لكنه شهد على مضاعفة عدد الضحايا من المدنيين الذين سقطوا برصاص القوات الحكومية. و في الأسبوعين الأولين التاليين لحضورهم سقط نحو 400 شهيدا.ً كما شهدت دمشق (و غيرها من المدن) ثلاث عمليات انتحارية سقط خلالها عشرات القتلى و الجرحى ، اثنان منها حصلتا في اليوم نفسه لوصول المراقبين العرب. و يشوب هذه العمليات الانتحارية شك كبير بوقوف الأجهزة الأمنية للنظام ورائها، بهدف مفاقمة جو الارهاب و الرعب في البلاد.
و لم ينج المراقبين العرب أنفسهم من مضايقات النظام الدكتاتوري، حيث أن تحركاتهم تبقى محاصرة بأجهزة السلطة و تحت رقابة صارمة، و بعضهم يتم التعامل القاسي معهم أو التلاعب بهم. بحيث أن ثلاثة منهم اصيبوا بجروح نتيجة لتعرضهم للاعتداء من قبل حشد من ” الموالين للنظام” في مدينة اللاذقية في 9 ك 2/يناير 2012 ، و اثنان أخرين منهم قدما استقالتهما و غادرا سوريا ، رافضين أن يتحولا إلى شاهدي زور أمام المذبحة التي يرتكبها النظام بحق الجماهير الثائرة.
حتى وسائل الإعلام التي حضرت إلى سوريا، كشرط من شروط المبادرة العربية، لم تفلت من جحيم الطغمة الحاكمة، فقد سقط الصحفي الفرنسي جيل جاكييه قتيلاً إضافة إلى آخر بلجيكي جريحاً في عملية اعتداء على مجموعة من الصحفيين الاجانب جرت في 11 ك 2/يناير، يقول النظام أنها أتت من مجموعة “ارهابية” رغم أنها حصلت في منطقة يسيطر عليها و يحاصرها؟
في الواقع، إن الطغمة الحاكمة لا ترتدع عن فعل أبشع الأعمال و الجرائم من أجل إزالة أي عائق أمام سياسة القمع الوحشي التي تمارسها بحق شعبها ، أملة، عبثاً، في سحق الثورة الشعبية .
لقد عبر الدكتاتور بشار الأسد في خطابه الرابع منذ اندلاع الثورة عن تراجع كبير عن وعود نظامه بالإصلاحات الزائفة التي يزمع القيام بها. فعوضاً عما كان يروج له عن تشكيل حكومة وحدة وطنية، تحدث عن نيته في تشكيل حكومة “موسعة” ستضم بعض الأفراد “المعارضين الوطنيين”، أي أشخاص تناسب مقاسه و مزاجه. لكن الأخطر في خطابه كان إعلانه بقروب لحظة “الحسم” التي يتوعد بها ” المتآمرين و المؤامرة” أي من وجهة نظره يقصد الجماهير الثائرة التي توعد بسحقها سريعاً و بشكل حاسم. و دعا من أجل الحسم إلى تشكيل فرق مسلحة من المدنيين الموالين له لدعم ” الجيش” في معركته الحاسمة…. ضد الجماهير الشعبية، و هي دعوة تؤكد الطبيعة الفاشية المتزايدة الوضوح للنظام الدموي الحاكم.
و رغم توحش النظام و توعده، فإن الثورة مستمرة، بكلفتها الإنسانية التي تزداد ارتفاعاً و الماً، علاوة على وضع مأساوي فظيع لحياة جزء كبير من السكان : تدهور خطير و حاد للاقتصاد، نزوح سكاني واسع داخل البلاد، أكثر من ستة شهيد وآلاف عديدة من المتخفين و المعتقلين و الجرحى ، حصار للمدن و تقطيع أوصالها… و انقطاع طويل للكهرباء في غالبية المدن و تقنين يقارب الندرة للمازوت، الوقود الاساسي للسكان و خاصة في فصل الشتاء…..الخ.
يتابع النظام ، إذن، في مواجهته للجماهير الثائرة، تطبيق سياسة الأرض المحروقة على صعيد كل المناطق الثائرة ، بل و على الصعيد الوطني بأكمله، و هو يعلن سلفاً تشديده لممارساته الوحشية في قمع الجماهير الشعبية ، إذ أعلن رئيس الطغمة الحاكمة في خطابه الأخير تهديداً موجهاً إلى الكتل ” الصامتة أو المحايدة” حيث أعلن الدكتاتور أن “كل من يشجع الفوضى هو شريك في الارهاب”.
على الصعيدين الميداني و السياسي ، فقد اصيبت المجموعات الثورية الميدانية (تنسيقيات و تجمعات) بخيبة أمل كبيرة من التحالفين السياسيين الكبيرين، المعروفين إعلاميا، للمعارضة السورية، و هما المجلس الوطني السوري و هيئة التنسيق الوطنية للتغير الديمقراطي، بسبب الهوة الشاسعة التي تفصل بين سلوكهما و تصريحاتهما و عجزهما و قصر نظرهما و النزاعات الداخلية التي تنهش جسديهما و بين احتياجات الثائرين و الجماهير الفعلية و الوقائع على الأرض من أجل انتصار الثورة.
إن شعارات المتظاهرين في المدن السورية “يا الله لم يعد لنا غيرك” إنما تعبر عن وعي الجماهير السورية الثائرة بأنها قد تركت تواجه وحيدة آلة القتل البربرية للنظام الحاكم ، و احباطها الكبير من هذه المعارضة” التلفزيونية”.
للأسباب المذكورة أعلاه، يتطور منذ فترة تنسيق و حوار واسعين بين غالبية المجموعات الثورية الميدانية و السياسية ، خارج إطار التحالفين المذكورين، من أجل توحيد نشاطها و مركزتها و تشكيل ائتلاف مشترك باستراتيجية موحدة : ائتلاف ديمقراطي و علماني و اجتماعي ، يسمح بالسير بالثورة إلى انتصارها على نظام الاستبداد و الفساد ، مع الجماهير الثائرة و لصالحها, و اليسار الثوري في سوريا منخرط تماماً في هذه الدينامية.
