حول تسليح المقاومة الشعبية في سوريا
تيار اليسار الثوري في سوريا
26/3/2013
غياث نعيسة
(أخذ من الحوار المتمدن- العدد: 4044 – 2013 / 3 / 27)
لا يمكن النظر إلى الوضع في سوريا على أنه يقتصر على مأساة كبرى بسقوط أكثر من 70 ألف شهيداً وقصف ودمار هائل للمدن “المحررة” بالطائرات وصواريخ سكود، وتشريد أكثر من أربعة ملايين نسمة من النازحين وأكثر من مليون نسمة من اللاجئين. لأن ما يفاقم من هذه المأساة العظيمة لواحدة من أعظم ثورات العصر هو معرفة أن الدكتاتورية الحاكمة في سوريا ما تزال تمتلك قوة دمار كبيرة رغم الضعف الشديد الذي بدأ يعتريها، مع التقدم المتواصل لإنجازات الثورة الشعبية.
في حين أن الدعم الموعود من الدول “الصديقة ” للشعب السوري للمقاومة الشعبية المسلحة تبقى هزيلة وضحلة مقارنة بالدعم الكبير الذي تقدمه دولتي قطر والسعودية للإسلاميين الذين يسعون إلى حرف الثورة من سياقها العام السياسي والديمقراطي والاجتماعي إلى مجرد “صراع” طائفي ،وكان نظام الطغمة هو البادئ في محاولة حرف الثورة في هذا الاتجاه الديني والطائفي، ولكن كل هذه المحاولات باءت حتى الآن بالفشل، بفضل مواقف الغالبية العظمى من الحراك الثوري والجيش السوري الحر اللذين يحافظان على المسار الثوري الأصيل. وقد ندد الأخير مراراً بشحة المساعدات المالية والعسكرية التي تقدم له.
هذا في الوقت الذي يمتلك فيه النظام ترسانة أسلحة هائلة ويتلقى مساعدات مالية وعسكرية ضخمة من حلفائه، وقد أصدر معهد استوكهولم الدولي لدراسات السلام تقريراً مؤخراً أشار فيه إلى زيادة كبيرة في “استيراد سوريا للأسلحة التقليدية خلال السنوات الخمس الماضية (2008- 2012) بنسبة 511 بالمئة” وأن سوريا(النظام) يتلقى 1% من توريدات الأسلحة في العالم ” 71 % منها يستوردها من روسيا و 14 % من ايران و 11 % من بيلاروسيا”.
في هذا السياق جاءت دعوة كلا من حكومتي فرنسا وبريطانيا إلى تسليح “المعارضة المسلحة غير الجهادية”، لكن الاتحاد الاوربي لم يعط بعد موافقته على هذا الطلب، في الوقت الذي أثارت فيه هكذا دعوة للتسليح ضجيجاً واحتجاجاً في أوساط اليسار.
من النافل التنويه بأن دوافع هاتين الحكومتين لا تنبع بالضرورة من اعتبارات انسانية صادقة، فكما سبق أن وصف لينين، وعلى حق، هكذا حكومات فان ” أسياد الدولة الرأسمالية يبدون حرصاً على العدد الضخم من ضحايا الجوع والأزمة بنفس القدر الذي يبدي فيه قطار أدنى اهتمام بأولئك الذين يهرسهم في طريقه”.
والحال، فإن المقاومة الشعبية المسلحة بحاجة ملحة لأسلحة مضادة للطائرات وللدبابات من أجل وقف ألة القتل والدمار ولكي تستطيع انجاز اسقاط النظام (مع الحراك الشعبي) بأقل ما يمكن من التكلفة الإنسانية وبأقصر وقت ، دون أن تتخلى ، في الوقت عينه، عن رفضها المطلق لأي تدخل أو وصاية خارجية، وهذا ما توضح من تصريحات معاذ الخطيب الرئيس المستقيل للائتلاف الوطني لقوة الثورة والمعارضة يومي 21 و 22 أذار الجاري، بالرغم من أن هذا الائتلاف يحوز على دعم ورعاية الدول الغربية والسعودية وقطر وتركيا، حيث جاءت تصريحاته لتعكس إرادة الاستقلال الشعبية للجماهير الثائرة التي لا يجرؤ احد او قوة سياسية، أيا كانت، على تجاوزها ، باستثناء الجهاديين.
فقد أعلن الخطيب أن “جهات خارجية تمول وتستخدم جماعات متطرفة بما لا يخدم مصلحة البلاد” وأشار إلى أن” الولايات المتحدة وروسيا ثبت فشلهما في ليبيا وأفغانستان والعراق” وطالبهما “بالكف عن التدخل في الشؤون السورية الداخلية…لأن سوريا والسوريين ليسوا حقل تجارب” ودعا الدول “التي تدعم الارهابيين بمئات الملايين من الدولارات إلى سحب مجموعاتهم من البلاد”.
لا شك بأن تقديم الدعم العسكري اللامشروط للمقاومين الديمقراطيين والعلمانيين، وهم يشكلون الغالبية العظمى من الحراك الشعبي والمسلح، إنما هو ضروري ولازم من أجل انتصار ومآل تقدمي وديمقراطي وسريع للثورة الشعبية.
وإنه لمفيد استعادة تجارب كفاح الشعوب في عصرنا، والتذكير بان موقف حكومة بلوم الفرنسية بعدم تسليح الجمهوريين خلال الحرب الاهلية الاسبانية في عامي 1936-1939 ساهمت إلى حد كبير في تحديد تكلفتها ونتيجتها: 400 ألف قتيل وقيام دكتاتورية فرانكو البشعة.
والحال نفسه جرى في الحرب الاهلية اليونانية 1946-1949 بعدم تسليح المقاتلين الشيوعيين ، فكانت التكلفة والنتيجة: 150 ألف قتيل وقيام دكتاتورية الجنرالات الدموية.
الموقف الاشتراكي الثوري هو: نعم للتسليح اللامشروط للقوى التقدمية والديمقراطية في السيرورة الثورية الجارية في سوريا.
