العمال السوريون المهاجرون٫ نضال واحد
تيار اليسار الثوري في سوريا
10/5/2015
غياث نعيسة
(أخذ من الحوار المتمدن-العدد: 4802 – 2015 / 5 / 10)
في المشهد العام للوضع في سوريا ثمة سمتين أساسيتين هما: مأساة إنسانية هائلة وانهيار اقتصادي.
لن نكرر سوى بعض الأرقام التي تشير إلى هذا الوضع العام المذكور.
هنالك نحو أربعة ملايين لاجئ خارج البلاد ونحو سبعة ملايين نازح داخل البلاد.
الخسائر الاجمالية للاقتصاد السوري تقارب 202 مليار دولار٫ تشمل الأموال التي هربتها البرجوازية السورية ونتائج التدمير والنهب التي اجتاحت البلاد.
كما فقد نحو ثلاثة ملايين عامل أعمالهم٫ لتصبح نسبة البطالة في سوريا تقارب 60 بالمئة، مما يعني أن نحو أكثر من 12 مليون سوري تشكل عائلات هؤلاء، قد فقدوا مورد معيشتهم .
ليصبح أربعة من أصل خمسة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر. ولينقص متوسط عمر السوري عشرين عاماً خلال أربع سنوات.
هذه الأرقام مصدرها تقرير صادر برعاية الامم المتحدة مطلع هذا العام.
لم يغادر سوريا فقط الكتلة الأكبر من برجوازيتها٫ تقدر من60-70 بالمئة. بل أيضا كتلة كبيرة من اليد العاملة السورية٫ يصعب تقديرها الآن٫ ولكنها بمئات الآلاف بكل تأكيد.
فأرقام المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة لشهر آذار من هذا العام تشير إلى أن عدد المسجلين لديها٫ في الواقع عدد السوريين اللاجئين يفوق أرقامها بكثير بسبب العدد الضخم لغير المسجلين لديها من اللاجئين السوريين هم نحو مليونين في تركيا و1,1 مليون في لبنان، و618 ألف في الأردن، و225 ألف في العراق، و137 ألف في مصر٫ والباقي في بقية بلدان العالم الواسعة.
يتم تشغيل الغالبية العظمى من العمال السوريين في دول الهجرة المحيطة بسوريا٫ بشروط قاسية ومجحفة٫ وبأجور عندما تدفع٫ أقل بكثير من متوسط الأجور في البلد المعني٫ مع تزايد للعمالة اليومية ولعمالة الأطفال السوريين٫ يضاف إلى ذلك ما يتعرضون له من مضايقات وإهانات عنصرية قذرة ٫ولا سيما في لبنان. إنها يد عاملة هشة ومستضعفة تتعرض إلى اضطهاد واستغلال مضاعف٫ مع غياب لهياكل نقابية أو قانونية تسمح لها بالدفاع عن حقوقها.
ولكونها يد عاملة جديدة الهجرة٫ وأقسر أغلبها على ذلك٫فإنها تتصرف في بلدان الهجرة بشكل جمعي٫ تقطن كتل كبيرة منها في نفس المناطق ٫ مثال تركيا ومصر ولبنان ٫ مثلاً٫ كما أنها تبحث عن عمل لها ٫في غالب الأحيان عند رجال الأعمال السوريين٫ لجدة هجرتها٫ أو افتقادها للغة البلد ٫وأيضا لسعي عديد من رجال الأعمال السوريين لتشغيل اليد العاملة السورية إما لأسباب مناطقية أو لقدرته على دفع أدني الأجور لها.
مما أبرز وخاصة في تركيا ومصر نوع من الاقتصاد الموازي دون ارتباط حقيقي بمجتمع البلد المعني.
أشار ياسين السويحة في تقريره الجيد عن « مجتمع العمل السوري في اسطنبول » إلى هذه الظاهرة « بإمكان السوري أن يقضي أياماً طويلة دون أن يضطر للتعامل مع أي مواطن تركي ».
إنه نوع من المجتمع المغلق داخل المجتمع. كما سبق أن شهدته بلدان اخرى في التاريخ لهجرة اليد العاملة٫ مثل ما حصل مع هجرات العمال الايطاليين والبرتغاليين والإسبان٫ بعد حروب وثورات وثورات مضادة شهدتها بلادهم، وقبل ذلك في مطلع القرن الماضي مع هجرة الأرمن إلى بلادنا٫ حيث شكلت أنواع من « الجاليات » للعمال.
بنيويا، تنقسم اليد العاملة السورية في المهجر إلى قسمين، الأول ٫هم من كانوا أصلا عمالاً في سوريا – مهرة أم غير مهرة، أصحاب مصلحة كما يقال ٫وهم في حال تحسنت الأوضاع في سوريا يفضلون العودة إليها٫ نظراً لفظاظة ظروف عمل أغلبهم في بلاد الهجرة.
والقسم الثاني يتكون من طلاب الجامعات وبعض أفراد الطبقة الوسطى التي لا تملك أو فقدت ما كان لديها٫ وللعيش اليومي تبحث عما يتوفر لها من مجالات للعمل في بلد الهجرة٫ بعضها سعى للعمل مع المنظمات الغير حكومية والبعض الاخر٫ يكادح يومياً للبقاء على قيد الحياة٫ وغالبيتها ٫كما ورد في التقرير المذكور أعلاه٫ يحلم بالسفر تهريباً إلى أوربا ٫وليس لديه نية للاستقرار في تركيا أو أي من بلدان الهجرة المحيطة بسوريا ٫أو العودة إلى سوريا.
العمال السوريون في بلدان الهجرة تشكل شريحة عمالية مقطعة الجذور٫ خلعت من بيئتها الاجتماعية الاصيلة٫ ولم تندمج بعد مع البيئة الاجتماعية الجديدة. وهي شريحة عمالية هشة٫ عرضة لكل أنواع الاستغلال والابتزاز وما تزال تعيش يومياً أحداث الثورة التي قامت بها أو عاشتها ٫ وبالتالي هي طبقة عاملة شديدة التسييس رغم وضعها الاجتماعي الجديد الأكثر هشاشة.
فقد شهدت تركيا ولبنان عدة اضرابات للعمال السوريين من أجل تحسين شروط عملهم. مثلا ٫اضراب في مدينة مرسين التركية في كانون الأول 2014 واضراب في لبنان في منتصف أيلول من العام الماضي.
ما يطرح على جدول الأعمال للقوى اليسارية والنقابية في بلدان هجرة السوريين ٫ولا سيما اليد العاملة السورية، ليس فقط العمل بما يلزم من نشاطات ونضالات من أجل توفير المعاملة الإنسانية واللائقة للاجئين السوريين ومحاربة العنصرية التي يتعرضون لها ٫بل أيضاً الدفاع عن حقوقهم النقابية وأجور وشروط عمل عادلة لهم.
وتسهيل كل ما يسمح لهم بالاندماج بالبيئة الاجتماعية المحلية. فالعمال السوريين مع العمال الاتراك والمصريين واللبنانيين والمغاربة والأردنيين هم من يخلقون الثروة ويتعرضون لنفس الاستغلال والاضطهاد٫ في هذه البلدان٫ المصير واحد والعدو واحد.
