في المسألة السورية
تيار اليسار الثوري في سوريا
10/2/2012
-
غياث نعيسة
-
(أخذ من الحوار المتمدن- العدد: 3638 – 2012 / 2 / 14)
-
في خطوة تصعيدية لضغوطها، أعلنت جامعة الدول العربية في اجتماعها الاستثنائي بتاريخ 12 شباط عن قرارها بدعوة مجلس الأمن الدولي إلى تشكيل قوة عسكرية عربية وأممية للتدخل في سوريا من أجل “حفظ السلام” ، كما قررت قطع كل علاقاتها السياسية والدبلوماسية مع النظام السوري داعية كل الدول الأخرى إلى اتخاذ نفس الإجراءات.
-
ولأن هكذا أنباء لا تأتي، إلا نادراً، يتيمة، فقد أعلن أيمن الظواهري الزعيم الجديد لتنظيم القاعدة الإرهابي وفي اليوم عينه الجهاد ضد النظام الحاكم في دمشق واصفاً إياه بالنظام ” العلماني الطائفي” حسب تعبيره الذي يعب من جعبة مقولات التيار التكفيري السلفي، داعياً إلى بناء دولة إسلامية حقة في سوريا.
-
وفي نفس الوقت أعلن رسمياً عن موعد انعقاد اجتماع لمجموعة ” أصدقاء سوريا” في تونس في 24 شباط الجاري، وهذه المجموعة نشأت بمبادرة من الحكومتين الفرنسية والأمريكية رداً على الفيتو المزدوج الروسي والصيني ضد مشروع قرار لمجلس الأمن في مطلع هذا الشهر يدين نظام الأسد.
-
لقد أصبح الوضع السوري، بتداخلاته الاقليمية والدولية ، قضية جيو-استراتيجية ذي ابعاد اقليمية ودولية.
-
فقد قامت الدكتاتورية الحاكمة مؤخراً بشن حملة عسكرية واسعة النطاق والأشد عنفاً منذ بدء الثورة ، بدأتها منذ نهاية الشهر الماضي، مستخدمة أسلحتها الحربية الثقيلة كالدبابات والمدفعية والطائرات… سحقت في بدايتها مواقع الاحتجاجات في بلدات ريف دمشق وصولاً إلى حصارها وقصفها لمدينة الزبداني التي أبدت مقاومة صلبة . ومن ثم توجهت حملة النظام العسكرية نحو مدينة حمص، رمز الثورة السورية، ليشن عليها حرباً وحشية لم تتوقف منذ الثالث من شباط ، وحصيلة الحرب المجنونة للنظام الفاشي ضد هذه المدينة الصامدة باهظة جدا:ً مئات الشهداء وآلاف الجرحى وتدهور مريع للوضع الانساني لسكانها بشكل لا يطاق، إنها حرب إبادة.
-
وفي حين استطاع جيش الطغمة الحاكمة دخول المناطق الاخرى ، رغم المقاومة البطولية للثوار فيها، لكنه بات يواجه مقاومة شرسة لم يتوقعها تمنعه من تحقيق أي نصر له في مدينة حمص وما لهذا النصر من مدلول رمزي له، ويقوم بهذه المقاومة البطولية مجموعات من العسكريين المنشقين(الجيش الحر) ومدنيين انضموا للأخير وحملوا السلاح دفاعاً عن مدينتهم.
-
والحال، فقد أصبحت هذه المقاومة المسلحة جزءاً مهماً من الثورة السورية، وبالأخص في ريف دمشق وإدلب والزبداني ودير الزور وحمص… وتزايدت ونمت في الشهرين الأخيرين مع تصاعد حدة عنف ووحشية النظام في قتله وتنكيله وقمعه للمتظاهرين العزل، وأيضا مع تنامي أعداد العسكريين المنشقين. وبالرغم من ذلك فإن الطابع العام السائد لوسائل النضال الجماهيري للثورة هي النضالات السلمية.
-
وانطلاقاً من الوقائع التالية : الهجمة العسكرية الهمجية الواسعة التي يشنها النظام الحاكم ضد الجماهير الثورية، والازدياد المهم للمقاومة المسلحة المكونة من العسكر المنشقين الذين انضم إليهم عدد من الثوار المدنيين، فإن كان موقف الماركسيين الثوريين هو دعم الأخيرة ، فإنهم يدعون في الوقت نفسه إلى توحيد الكتائب العسكرية المنشقة في ظل قيادة عسكرية موحدة تكون هي نفسها ملتزمة بقيادة سياسية وبأهداف الثورة، أي انضوائها تحت الراية السياسية للتنسيقيات الثورية الميدانية . ويشددون أيضا ًعلى أن مهمة هذه المقاومة المسلحة هي، في هذه المرحلة الراهنة من السيرورة الثورية، يجب أن تنحصر في حماية السكان المدنيين والمظاهرات السلمية والدفاع عن النفس في مواجهة هجمات جيش النظام وقواته الأمنية.
-
ومن المفيد التنويه على حقيقة أن المناطق الملتهبة والتي تشهد المقاومة الأكثر صلابة على عنف وقمع النظام هي المناطق المأهولة بالجماهير المستغلة والمضطهدة والمهمشة. والتي رفعت فيها لافتات معبرة جداً مثل “يا فلسطين كلنا نتحرر لنحررك، كل ثوراتنا من أجل ثورتك”.
-
في المقابل، فإن تصريح زعيم القاعدة التكفيري المذكور أعلاه إنما يصب الماء في طاحونة النظام السوري ، وسيستخدمها الأخير، وإن كان لا تعوزه الحجج الفجة، كحجة إضافية لتبرير حربه الطاحنة والدموية ضد الجماهير الشعبية المنتفضة . ولم تلق دعوة هذا السلفي أدني اهتمام أو صدى لدى الجماهير السورية ، لأن الوعي المدني والديمقراطي والطبيعة الاجتماعية للثورة يجعل من هكذا دعوات سلفية ضئيلة التأثير ، فاللافتات المرفوعة في المظاهرات وممارسات الجماهير الثائرة عبرت عن تمسكها بهذا الوعي المدني العالي مثل “لا سلفية ولا إخوان طائفتنا الحرية”، كما تم في كل مرة حصل فيها تصريح أو عمل انتقامي ذو طابع طائفي أو ديني كريه إن قامت معظم القوى السياسية والتنسيقيات والجماهير الثورية بإدانته وعزله بكل حزم.
-
لقد أوقع النظام سوريا ،بوحشيته وممارساته البربرية، فريسة للأطماع الجيوسياسية للدول الغربية وتركيا وحلفائها من دول الخليج الرجعية ، من جهة. ولروسيا والصين وإيران ، من جهة أخرى. شراسة الأولون تنبع من مسعاهم لوضع يدهم على مستقبل ومصير الشعب السوري في إطار سعيهم للهيمنة على المنطقة ، وهذا ما يلقى تصديا لها من الأخيرين الذين يرفضون التخلي عن آخر حليف لهم في المنطقة.
-
يقوم موقفنا من صراع مصالح الدول الاقليمية والدولية على سوريا، على مناهضة كل تدخل عسكري خارجي في بلادنا. فالجماهير الثورية التي انتفضت ضد نظام استبدادي ودموي من أجل استعادة حريتها وحقها في تقرير مصيرها ومستقبلها بنفسها بدون أي وصاية من أحد ستتعامل مع أي تدخل عسكري خارجي بوصفه غزو واعتداء عليها وستتصدى له بكل الوسائل.
-
لن يطول الوقت كثيرا قبل أن يقوم الشعب السوري الثائر ،بطاقاته وقدراته الذاتية وحدها، بإسقاط النظام الدكتاتوري، ما يحتاج إليه هو التضامن الأممي للشعوب.
