تيار اليسار الثوري في سوريا
5/11/2019
غياث نعيسة
(أخذ من الحوار المتمدن-العدد: 6401 – 2019 / 11 / 6)

حول نص ” لو كنت كردياً….” لحازم نهار
انقسمت المعارضة السورية بشكل مريع أمام كل المنعطفات الحاسمة في تاريخ بلادنا منذ ثورة شعبنا في أذار 2011.
وفي كل منعطف أثبتت أنها لم تتعلم، أو لا تستطيع أن تتعلم، من فشلها وسوء سياساتها. ما يجعل من أقسامها العظمى الليبرالية وتلك التي تتشدق بالديمقراطية أن العلة فيها وفي تكوينها وعقلها وسياساتها. ويصلح أن نطلق عليها صفة إنها ” أعظم منظم للهزائم”.
ما يدعو إلى قول ذلك هو الموقف المشين لعدد كبير منها من الغزو التركي لمناطق شمال وشرق سورية، حيث تنهض تجربة الإدارة الذاتية، وهي آخر رقعة في سورية اليوم بعد هزيمة الثورة السورية تصدح بالحرية والمساواة وتحمل مشروعاً تحررياً لكل السوريين، والتي تتميز أيضا بأنها الرقعة الأساسية لحياة الشعب الكردي في سوريا.
فقد توزعت مواقف هذه النخب البرجوازية الصغيرة المتهالكة بين من وقف منهم مع الغزو التركي صراحة وآخرين أخذوا موقفاً متخابثاً عبر التوقيع على عريضة تغسل أيديهم مما يجري من مذبحة لشعبنا بادعائهم أن هذه الحرب -العدوان التركي- ليست إلا ” حرب أهلية تركية-تركية” غامزين من قناة أن حزب الاتحاد الديمقراطي هو حزب شقيق لحزب العمال الكردستاني.
ومما لا شك فيه أن اغلبهم ينطلق من مواقع شوفينية قومية عربية. وهكذا تشفى البعض منهم مما يجري من قتل وتدمير وتهجير لشعبنا في شمال وشرق سوريا بكرده وعربه وسريانه وغيرهم، وتناسى أن حناجر أهلنا هناك كانت تهتف تضامنا وفي كل مرة تعرض أي رقعة من شعبنا للقتل والتهجير والموت: يا إدلب احنا معاكي، يا درعا إحنا معاكي، يا غوطة إحنا معاكي…
وفي هذا السياق السقيم لمواقف هذه المعارضة والنخب المتلبرلة، ولا سيما العربية السورية، تميز موقف حازم نهار بنشره نصا له بعنوان ” لو كنت كردياً….” لا يتناول فيه الموقف من العدوان التركي بل تجنبه عبر طرح سلسلة من الأسئلة – نص حازم نهار في نهاية المقال للاطلاع – تنتهي كلها إلى نتيجة محددة مسبقاً. وقبل أن يطرح أسئلته يوجه حازم موعظة تدعو ” كل كردي سوري، بمعزل عن أمنياته ورغباته، بطرح عشرة أسئلة والإجابة عليها”.
ودون أن يعلن حازم بشكل مباشر وواضح موقفه من العدوان التركي أو مطالب الشعب الكردي أو تجربة الإدارية، لكن أسئلته التي قد تبدو للوهلة الأولى بأنها “عقلانية” و”محايدة” لكنها في الحقيقة خلاف ذلك تماماً فهي لا تترك مجالاً إلا لجواب واحد لكل كردي وهو: لا أفق لدولة كردية، ولا حتى لدويلة، ولا أفق للتحرر القومي الكردي، ولا يوجد وعي قومي كردي، ولا يوجد وعي ديمقراطي عند العرب…. إذن لا أمل لك، أيها الكردي، بشيء، سوى الرضوخ للأمر الواقع.
هكذا بجرة قلم وسلسلة من أسئلة محددة النتائج سلفاً وتقوم على المنطق الصوري على شاكلة ” كل انسان فإن، سقراط إنسان، إذن سقراط فان”، ينسف حازم نهار كل ديناميات النضال التحرري للشعوب وفيما يخص موضوعنا للشعب الكردي.
ما دفعني لكتابة تعليق على نص حازم المذكور هو أن المنطق المتحكم في نصه، والذي يعكس موقفه السياسي بشكل أو بآخر، ليس أقل سوءاً من كل الشوفينية والتشفي لمواقف المعارضة التقليدية السورية الأخرى.
بل إنه يعكس موقفاً عدائياً، ولو موارباً كما هو نصه نفسه، لقضية تحرر الشعب الكردي عموماً، وحقه في تقرير مصيره بكل حرية، ولتجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سورية على وجه الأخص.
ما أود التركيز عليه ليس ما كتبه حازم هنا وهناك، حول هذا الموضوع أو ذاك، بل التركيز على موقفه من قضية الشعب الكردي في لحظة غزو تركي لبلادنا باعتباره موقف ” مخاتل” في قضايا مصيرية لكفاح شعبنا عموماً والشعب الكردي بشكل أخص من اجل تحرره.
وللطرافة فإن أسئلة حازم الموجهة للكردي تصلح لأن نوجهها إلى أي كان لتؤدي إلى نفس النتائج: دعوة لليأس والاستسلام للنظام القائم.
ولتوضيح ذلك فإنني أدعوكم، باستخدام نفس منطق حازم، إلى “رياضة ذهنية” من خلال إعادة طرح أسئلة حازم العشرة، التي تدعو الكرد إلى اليأس والقبول بالأمر الواقع، ولنجرب مثلاً أن نستبدل كلمة كردي بكلمة “سوري”، فإننا سنجد أن منطق أسئلته ستوصلنا إلى نتيجة واحدة مفادها: أنه كان من الغباء والعبثية ثورة السوريين على نظام الطغمة الحاكم.
ولو استبدلنا كلمة الكردي بكلمة (أهالي الجولان) مثلاً، لأوصلتنا أسئلته إلى نتيجة أنه من الغباء مواجهة الاحتلال الإسرائيلي أو استعادة الجولان.
ولو تابعنا واستبدلنا كلمة فلسطيني مكان كردي في أسئلة حازم، لأوصلتنا أسئلته إلى النتيجة السلبية نفسها: عبث لا تسعى إلى تحررك أو استعادة حقوقك.
هكذا، يهدف نص حازم إلى توجيه رسالة للشعب الكردي مفادها: اقبلوا بما يتفضل الأقوياء والدول التي تتحكم بكم وتضطهدكم، ونقطة على السطر.
فهو وإن كتب بأن ” السياسة هي علم الاحتمالات”، وإن كنت لا أتفق مع تعريفه هذا المُبتِر للسياسة، لكن منطقه في أسئلته لا تدع مجالاً إطلاقاً إلا لاحتمال واحد فقط، وفقه يصبح عدم الرضوخ للسلطات والوقائع القائمة وعدم الاستسلام أمام الأقوى إنما هو عبث أو كما كتب ” جهلاً وكذباً وتجارة…”.
فليأتي حازم من مشيخة قطر التي يعيش في كنفها وليقل ذلك للجماهير الثائرة في لبنان والعراق والجزائر والعديد من بلدان العالم…. ولمن ما يزال يقاوم من شعبنا في مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا في مواجهة الغزاة، داعياً للتحرر والمسواة والديمقراطية لعموم السوريين، هذه المقاومة والانتفاضات الشعبية، إنما تأتي لتؤكد خطل العقل المخاتل الذي يبرر الاستسلام لجبروت الأنظمة ولموازين قواها، لأن الكفاح الجماهيري والتحريري مراكمة وسيرورة طويلة.
نص حازم نهار المذكور، للاطلاع:
لو كنتُ كرديًا سوريًا (أو سوريًا كرديًا لا فرق)!
لو كنتُ كرديًا سوريًا سأسأل نفسي الأسئلة الآتية، وأجيب عنها بصراحة بمعزل عن أمنياتي ورغباتي:
1/ هل هناك جدية أميركية أو أوروبية حقيقية في دعم نشوء إدارة ذاتية كردية أو دويلة أو دولة كردية؟
2/ هل أتوقع تأييدًا روسيًا حقيقيًا لفكرة الإدارة أو الدويلة أو الدولة., في اللحظة الحاسمة، أي عندما نصل إلى لحظة فاصلة؟
3/ هل هناك احتمال، في اللحظة الراهنة، أن تسمح الدول الأربع المعنية بالمسألة الكردية (تركيا، العراق، إيران، سورية)، فرادى أو مجتمعة، بوجود دولة كردية؟
4/ هل هناك احتمال أن تسمح تركيا بتشكل جنين دويلة كردية أو إدارة كردية على حدودها الجنوبية، في اللحظة الحالية؟
5/ هل هناك احتمال لإنشاء وضع خاص، اليوم أو مستقبلًا، لأكراد سورية من دون تأييد أو رضا نسبي من عرب المنطقة على الأقل؟
6/ هل هناك احتمال أن يقدِّم “النظام السوري” أي مكسب لأكراد سورية، وهو الذي حرمهم أبسط الحقوق طوال نصف قرن؟
7/ هل هناك احتمال أن تقدِّم “المعارضة السورية” بتركيبتها الحالية ووعيها القاصر ما يعزِّز هذا الطموح الكردي؟
8/ هل هناك احتمال لنجاح فرض هذه الدويلة أو الدولة أو الإدارة بقوة السلاح؟
9/ هل هناك وعي قومي كردي حقيقي عابر للدول، أو وعي قومي كردي متبلور على مستوى سورية، كافٍ ليحمي الهوية الكردية المأمولة؟ أم أن ما هو موجود لا يعدو أن يكون شعورًا محقًا بالحرمان والمظلومية الطويلة المدى؟
10/ هل هناك وعي ديمقراطي كافٍ عند عرب المنطقة، على الأقل في سورية والعراق، ما يدفعهم لقبول تجسيد الفكرة الكردية اليوم ولو في حدودها الدنيا؟
السياسة هي علم دراسة الاحتمالات، وليست فحسب إعلان الرغبات والمشاعر والقناعات والأهداف، على أهميتها، والسياسي الذي لا يطرح هذه الأسئلة على نفسه أولًا، وعلى شعبه ثانيًا، يكون جاهلًا أو كاذبًا أو تاجرًا من النوع الرديء.
