مفارقات العقل والحرية في سورية
حركة مناهضة العولمة في سوريا*
الحرية لأكثم نعيسة ولكافة معتقلي الرأي والضمير
16/5/2004
- غياث نعيسة
- (الحوار المتمدن – العدد: 837 – 2004 / 5 / 17)
- قبل أن تندلع الحرب الأمريكية على العراق ومن ثم احتلاله ، كنا-مع آخرين- قد حذرنا مراراَ من أن سورية مهددة جدياَ .
- ودعت لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الانسان إلى الاستعداد لمواجهة هذه التهديدات الأمريكية ، عبر إطلاق ورشات العمل الوطني لوضع أسس تحقيق المصالحة الوطنية والقيام بالإصلاحات الضرورية بمشاركة القوى الحية لمجتمعنا- وهي أصلاً استحقاقات داخلية وطنية – .
- ورأينا –وما نزال- أن محك جدية السلطات في هذا المجال هو قيامها بحل عاجل لعدد من القضايا الملحة كالإفراج عن كافة معتقلي الرأي وعودة المنفيين ورفع حالة الطوارئ ومحاكمها الاستثنائية وإعادة الجنسية للمجردين منها …الخ.
- بيد أن الخطاب الرسمي والأداء الحكومي كانا على مفارقة كبيرة مع المتطلبات الجوهرية لبلادنا. فإذا كان من البديهي أن يعني الاحتلال الأمريكي للعراق أن أهم تواجد عسكري للدولة الكبرى المهيمنة في العالم أصبح مجاوراَ لبلادنا وما يعنيه هذا من مخاطر جسيمة مباشرة على بلادنا ، فقد فوجئ الجميع –مثلا- بتصريح أحد أهم وزراء الحكومة حول موقف حكومتنا من التهديدات الأمريكية- في بداية الحرب- حيث قال أن: (سورية) “متعودة” ، ونعتقد أنه كان يقصد أن سورية “متعودة” على التهديدات الأمريكية والإسرائيلية.
- ورداَ على الاستحقاقات الداخلية فقد نفى هذا الوزير وجود منفيين في الخارج قائلاَ إن هناك نفر قليل من المعارضين ممن يحاولون أن يثيروا ضجة حول أشخاصهم.
- أما تجاه المعارضة في الداخل فقد وصفها بأنها ” أعجز من أن تدير مدرسة ابتدائية”. هذه المواقف هي تكثيف لأمثلة كثيرة عن الأداء والخطاب الحكوميين : استخفاف وازدراء غير مسؤولين تجاه التهديدات الخارجية، من جهة وعجرفة واستهتار بالاستحقاقات الوطنية الداخلية، من جهة أخرى.
- يضاف إلى ما سبق ،أن سياسة السلطة في إدارة الظهر للمطالب الإصلاحية الداخلية الصادقة التي أبدتها الشخصيات المدنية والسياسية المستقلة ، بل ما هو أسوأ من ذلك مواصلتها اعتقال وتنكيد حياة نشطاء حقوق الإنسان والهيئات المستقلة الأخرى ، تشكل ملامح المأزق التي تجد السلطات نفسها فيه ، والتي أوقعت المجتمع السوري فيه بنفس الوقت.
- وإلا كيف يمكن لنا أن نفسر قيامها باعتقال أكثم نعيسة من أبرز دعاة حقوق الإنسان والإصلاح في سورية وغيره من الناشطين ، في الوقت الذي هي فيه بأحوج ما تكون لحشد أوسع طاقات المجتمع في مواجهة التهديدات المباشرة للإدارة الأمريكية لها ولبلادنا ، وهذا في خضم مفاوضاتها مع الاتحاد الأوربي لإبرام اتفاق شراكة –بأمس الحاجة له – الذي ينص بنده الثاني على الالتزام باحترام وتعزيز حقوق الإنسان والحريات العامة ؟
- لقد أصبح واضحاَ أن موقف السلطة ، القائل بأولوية الإصلاح الاقتصادي والإداري على الإصلاح السياسي، ليس واقعياَ. لأنه يصعب تخيل إمكانية تحقيق إصلاح إداري بغياب أدوات رقابة مستقلة كالصحافة والأعلام والهيئات المدنية.
- كما يصعب تخيل إمكانية مكافحة الفساد الإداري بغيابهم وغياب استقلال القضاء مثلاَ . كما يصعب علينا تخيل إمكانية القيام بإصلاح اقتصادي حقاً، يركن له المستثمرون، بغياب منظومة قوانين عادية لا يتم انتهاكها بسهولة في ظل سيادة حالة الطوارئ والمحاكم الاستثنائية.
- إننا لا نعتقد بإمكانية إنجاز إصلاح اقتصادي أو إداري في سورية دون أن ترافقه جرعات هامة من الإصلاحات السياسية.
- لقد أثبتت التجارب التاريخية لأنظمة الحكم المتعددة ، أن قدرتها على تجاوز اللحظات الحرجة التي تواجهها تعتمد إلى حد كبير على توفر “جناح متنور” داخلها من عدمه ، يجيد إدارة تحولات سياسية عميقة في البلاد على أساس تفاوضي وتشاركي داخل مجتمعه.
- لكن الكارثة لأي نظام حكم قد تكون افتقاره لهذا وسيطرة “تيار متعنت ومتشدد” فيه، يريد الإبقاء على الأمر الواقع كما هو عليه رافضاَ لأي تطوير أو مشاركة. ويدفع بالبلاد ، داخلياَ وخارجياَ، إلى جو محموم من عدم الاستقرار وزيادة العزلة ، ليغرز فيها عقدة “الماسادا” أو القلعة المحاصرة بنتائجها الكارثية على الوطن والنظام في آن واحد.
- إننا نرفض بشدة التهديدات الأمريكية الوقحة لسورية وندعو إلى مواجهتها ، كما نرفض “المشاريع الديمقراطية” التي تحملها جحافل الغزاة ، وفي الوقت نفسه فإننا لا نقبل بها حجة لتأجيل الإصلاح الديمقراطي المنشود والذي انتظره شعبنا طويلاَ.
- فلتتضافر الجهود والطاقات المخلصة من أجل حماية الوطن وصيانته وتعزيز لحمته وتحقيق الإصلاحات الضرورية. إنها دعوة لدخول ملكوت العقل والحرية.
- من اجل القيام بالإصلاح يجب إطلاق دعاة الإصلاح المعتقلين فوراَ .
- الحرية لأكثم نعيسة ولكافة معتقلي الرأي والضمير
- حركة مناهضة العولمة في سوريا*: كانت من المجموعات التي نشطت في تلك الفترة وكان أفرادها ومنهم “أكثم نعيسة” من الجذور الأساسية مع المجموعات الأخرى, التي شكلت النوى الأولية لتيار اليسار الثوري في سوريا والذي أعلن عن تأسيسه في 15/10/2011
