الثورة السورية في عاشر أشهرها
تيار اليسار الثوري في سوريا
19/1/2012
- غياث نعيسة
- نشر المقال في مجلة حزب مناهضة الرأسمالية الجديد – فرنسا
- ترجمة المناضل-ة
- (أخذ عن الحوار المتمدن- العدد: 3612 – 2012 / 1 / 19)
- تدفع الجماهير السورية المنتفضة منذ شهر مارس الضريبة الإنسانية الأكبر بوجه القمع الدموي لديكتاتورية أسرة الأسد والأوليغارشية السائدة.
- ما عدا الثورة الليبية، التي كانت مسرحاً لحرب أهلية ولتدخل حلف الأطلسي العسكري، لم تشهد أي ثورة عربية أخرى هذا القدر من التضحيات الإنسانية. يُقدر عدد القتلى المدنيين بزهاء 5000 ، وعدد الجرحى بحوالي 20000، وعدد المعتقلين أكثر من 50000. وتشهد 50 مدينة مظاهرات يومية، ويسقط كل يوم 15 مدنيا خلال المظاهرات.
- ولم تتمكن دوامة القتل والقمع الجهنمية هذه من ثني الجماهير السورية المتطلعة أكثر من ذي قبل إلى إنهاء هذه الديكتاتورية الحاكمة منذ أكثر من أربعين عاماً.
- أعلن النظام السوري يوم 18 ديسمبر توقيع اتفاق إرسال ملاحظين إلى سوريا بمبادرة من جامعة الدول العربية. ويفترض أن تحمي هذه المبادرة المتظاهرين المدنيين في سوريا. والحال أن الجيش شن غداة هذا الإعلان هجوماً واسع النطاق في المناطق التي تشهد أكبر حركة احتجاج: حمص وإدلب ودرعا وحماة ودير الزور. ومن 19 إلى 21 ديسمبر تجاوز عدد القتلى 250 شخصاً. وقد رفع المتظاهرون شعرات ضد مبادرة جامعة الدول العربية معتبرين أن هذه المؤسسة الفاسدة الخادمة للحكومات المستبدة تعطي النظام ضوءاً أخضر لمواصلة جرائمه.
- قدم حليف الدكتاتورية الروسي في 15 ديسمبر مشروع قرار بشأن الوضع في سوريا إلى مجلس أمن الأمم المتحدة، وهو ما يعكس من جهة أخذاً بعين الاعتبار، بشكل طفيف، انتهاكات النظام، ولكنه يدين عنف “جميع الأطراف”.
- تسعى الحكومة الروسية إلى استباق وإفشال أي محاولة من جانب القوى الغربية لاقتراح قرار أكثر حدة يفتح الباب أمام الفصل السابع للأمم المتحدة، أي استخدام القوة العسكرية.
- وقد وقعت إيران، الحليف الثاني للنظام، اتفاق تجارة حرة مع سوريا في أوائل ديسمبر، ما يزيد بشكل كبير الدعم الإيراني للنظام. وبالفعل اشترت إيران مسبقاً نصف الإنتاج الزراعي السوري لهذا العام. ويأتي هذا فيما بدأ انهيار الاقتصاد بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية والعربية.
- وقد اعترف المسؤولون السوريون في منتصف ديسمبر أن الزيادة في الأسعار في الشهرين الماضيين تمثل وحدها ربع رواتب الموظفين. يتم تقنين الكهرباء في جميع المدن، مع انقطاع دائم يصل إلى 12 ساعة يومياً. وقد أصبح الوقود(الفيول) في الشتاء سلعة نادرة. والعملة المحلية تنهار: في غضون شهرين، ارتفع الدولار من 50 إلى 60 ليرة. وفي ظل هذا الركود الاقتصادي، بدأت البرجوازية الخاصة وتلك المرتبطة بالنظام بنقل أموالها إلى الخارج، بخاصة دول الخليج.
- لا يهدف قمع الديكتاتورية الشرس للمعارضة السلمية والمعاملة الوحشية للسجناء وسكان المدن المنتفضة سحق الحركة الثورية وحسب، بل أيضا دفع المعارضين إلى الانتقام المسلح المضاد.
- إلا أن استخدام السلاح ضد النظام ظل محدوداً جداً, وعلى الرغم من الزيادة في حالات الفارين من الخدمة العسكرية، فالطابع العام للثورة السورية يبقى سلمياً في أساليب عملها (التظاهرات، والاعتصامات والإضرابات…) وفي شعاراتها.
- لقد فشل سعي النظام إلى تحويل الثورة السلمية إلى تمرد مسلح، وكذا في خطته لإشعال حرب أهلية طائفية (بين المسلمين السنة والأقليات الدينية بخاصة العلويين)، وكما هو الحال في حمص في الأشهر الأخيرة: القوى المحركة للتمرد هي، على سبيل المثال، مجموعة نبض واللجنة التنظيمية لحمص… وهي علمانية ويسارية، على غرار بعض الشخصيات المعارضة من نفس المدينة، عبد الباسط ساروت(سني)، والممثلة فدوى سليمان (علوية) وعلي ملحم (علوي) في السجن مند شهرين.
- شهدت الحركة الثورية تطوراً جديداً مع الدعوة إلى الاضراب العام انطلاقاً من يوم 11 ديسمبر. كان معداً جيداً نسبياً من طرف معظم قوى المعارضة والتنسيقيات القائمة، ونجح بشكل كبير في الأسبوع الأول في معظم المدن، خصوصاً في المدن والضواحي التي يسكنها الجماهير العاملة والمحرومة، والتي هي أيضاً المناطق التي يكون فيها التمرد هو الأكثر كثافة وحيوية، مع ما يصاحب ذلك من قمع ومذابح.
- القوى السياسية الهامة في الثورة هي في المقام الأول الائتلافين السياسيين التاليين:
-
- “التنسيقية الوطنية من أجل التغيير الديمقراطي” ويشمل بقية أحزاب المعارضة اليسارية الكلاسيكية، الماركسية أو القومية، والتي نجت من القمع في عهد حافظ الأسد والد بشار الأسد، ولكن موقفها من سقوط النظام لا يزال غامضاً، ما جر عليها انتقادات المتظاهرين.
- تحالف المعارضة الثاني هو المجلس الوطني السوري، الذي حصل على دعم إعلامي ومالي وسياسي هائل من طرف دول الخليج، وخصوصاً قطر وتركيا وفرنسا. تتكون النواة الصلبة لهذا الائتلاف من جماعة الإخوان المسلمين السورية، وهو ائتلاف موالي للغرب، ومع التدخل العسكري(منطقة حظر الطيران أو الممرات الإنسانية).
- وقد استفاد هذا التحالف فعلاً من دعم العديد من المتظاهرين عند إنشائه لكنه صار يقل تدريجياً لأن الائتلاف لا يملك إستراتيجية واضحة، وبسبب وجوده الإعلامي البحث في الخارج، ومؤتمراته التي لا نهاية لها في فنادق الخمس نجوم وصراعاته الداخلية الدائمة.
- القوى الدافعة فعلا للثورة هي “التنسيقيات الثورية” في الميدان، وليس تلك المشهورة إعلامياً هي بالضرورة الأكثر حضوراً أو نشاطاً. وحتى الآن، حال القمع الدموي للنظام، ونزيف القادة المحليين والثوار المتواصل، بالاغتيال أو الاعتقال أو القتل تحت التعذيب، دون إنشاء تنسيق وطني لهذه التنسيقيات، لكن هناك تقدم في هذا الاتجاه.
- أمام الثورة آفاق ثلاث، أضيف لها أمراً يقينياً.
- الأول هو التغيير داخل النظام للحفاظ على معظم قواعده، ومع ذلك، ليس هناك أي دليل في هذا الاتجاه في الوقت الحاضر.
- الثاني هو أن تغوص سوريا في حرب أهلية طائفية، وهو سيناريو يشجعه النظام ولكن الجماهير الثائرة أفشلته.
- الاحتمال الثالث هو التدخل العسكري الأجنبي لحلف الناتو أو تركيا… وهي أول من أعرب عن استعدادها الخجول جدا للتدخل عسكرياً في بلد لا نفط فيه مثل ليبيا أو العراق، ولكن لديه مكانة جيوسياسية خاصة، ما يهدد بنشوب حرب إقليمية لأن النظام يتوفر على حلفاء أقوياء مثل إيران وحزب الله وروسيا، ولأن هناك شعبا متمرداً يرفض أي تدخل عسكري أجنبي. وهذا هو السيناريو المرجح في الوقت الحاضر.
- أخيرا، اليقين في نصر الجماهير السورية وسقوط الدكتاتورية. ونحن نعتقد ذلك ونحشد كل قوانا للانتصار: الجماهير السورية الثائرة بحاجة حقا للتضامن العالمي للشعوب.
- شيء واحد مؤكد: سننتصر.
