سورية تحتاج الكرامة أكثر مما تحتاج الخبز!
(أخذ عن موقع القدس العربي , نشر في 13/7/2012)
- طرحت تنسيقية السلمية في ريف حماة شعاراً يقول ‘يزداد الألم ليقترب النصر’، هذه الجملة تعبر بشكل واضح عن الوضع الراهن لنضال الشعب السوري من أجل حريته.
- والحال، فإن الديكتاتورية الحاكمة تشن فعلاً حربا حقيقية ضد الجماهير الثورية إلى حد يجعل من الصعب جداً تقديم تقرير يومي عن كافة الأحداث التي يشهدها الكفاح الشعبي مثل المظاهرات والاضرابات والمواجهات المسلحة وعمليات الاغتيال والقصف والدهم والحصار التي تتعرض لها الاحياء والمدن والقرى دون ان ننسى عمليات اقتحام واجتياح المدن المنتفضة التي تقوم بها القوات المسلحة الحكومية ومليشيات السلطة.
- أخر مسارح هذه الحرب، عند كتابة هذه الأسطر، التي يشنها النظام ضد المدن الثائرة هي مدينة دوما قرب العاصمة دمشق، وهي مدينة يقطنها حوالي نصف مليون نسمة، تعرضت للحصار والقصف لعدة أسابيع واجتاحتها قوات الدكتاتورية في 30 حزيران/يونيو، كانت الشوارع، وفق شهود، مليئة بالجثث، وقامت قوات السلطة القاتلة بعمليات اعدام ميدانية واعتقالات واسعة لمن تبقى من السكان الذين لم يستطيعوا أو يرغبوا بمغادرة منازلهم.
- لقد أصبحت مدينة دوما مدينة مدمرة، وتذكر بما جرى ويجري في أحياء عديدة من مدينة حمص ودير الزور ودرعا وغيرها من المدن، كما وردت أنباء عن انتشار وباء الطاعون فيها لتتحول الى مدينة خراب للأشباح.
- هذا الحال المرعب الذي عرفته دوما هو المصير الذي تحتفظ به الطغمة الحاكمة لكل مدينة تجرؤ على الثورة عليها. لكن اقتحام قوات سلطة أل الأسد لمدينة دوما الثائرة صادف، بشكل مقصود من الطغمة، يوم انعقاد مجموعة العمل حول سورية في جنيف وهو الاجتماع الذي ضم الدول الكبرى التي تشكل الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن إضافة إلى ممثلي دول قطر والكويت والعراق وتركيا والجامعة العربية.
- وقد توافقت الدول الامبريالية في جنيف على مسألة ‘الانتقال السياسي’ في سورية يقوم به السوريون انفسهم، وفق ما ورد في البيان الختامي لهذا الاجتماع. إضافة إلى تشديدهم على دعمهم لمبادرة كوفي أنان .
- ولم يتأخر كثيراً تفارق تفسيرات الضواري الامبريالية لما اتفقت عليه من أليات الانتقال ‘السياسي’ المذكور، حيث عبرت الإدارة الامريكية وحلفائها عن أن هذا الانتقال السياسي يجب أن يجري من دون بشار الأسد، بينما اتت تصريحات الحكومة الروسية وحلفائها للتأكيد على أن تنحية الأسد لم تطرح أصلاً في اجتماع جنيف وتنحيه ليس شرطاً للمرحلة الانتقالية.
- في حين جاء اجتماع ‘أصدقاء سورية3’ الذي يضم تحالفاً تقوده الولايات المتحدة وحلفائها والذي عقد في باريس يوم 6 تموز/يوليو ليؤكد على دعمه لخطة أنان ولمرحلة انتقالية ‘تحت البند السابع من ميثاق الامم المتحدة’ الذي يجيز لها استخدام القوة المسلحة.
- بل أن كوفي أنان نفسه أعلن في اليوم التالي لهذا الاجتماع بأنه ‘لم ينجح في مهمته’ ولكنه لن يتخلى عنها.
- في هذا السياق من المقايضات والمفاوضات بين القوى الامبريالية تشكل المصالح الحقيقية للشعب السوري الثائر، والذي يتعرض الى مذبحة بشعة من سلطة باغية، الغائب الأكبر. لكن هنالك واقع يتجلى بوضوح في الأشهر الأخيرة من الثورة الشعبية السورية، هو ارتقاء الوعي الثوري للجماهير الذي يتم التعبير عنه من خلال الممارسات والشعارات والبيانات التي تصدر في الحراك الثوري الميداني، والذي أصبح واضحاً أنها تخلصت تماماً من وهم أن الخلاص من النظام يمكن أن يأتي من خلال تدخل عسكري خارجي، كما أن وعي الجماهير تخلص ايضاً من كل وهم بجدية وجدوى كل من المجلس الوطني السوري أو هيئة التنسيق للتغيير الديمقراطي أو حتى المولود الاخير منهما وهو المنتدى الديمقراطي.
- لم يحظ اجتماع ‘توحيد’ المعارضة السورية الذي عقد في القاهرة يومي 2و3 تموز/يوليو بطلب من الجامعة العربية، وباعتباره مطلب للقوى الاقليمية والدولية، بأي اهتمام يذكر داخل الحراك الثوري للجماهير المنتفضة، ولا سيما أن الوثائق التي توافق عليها هذا الاجتماع بقيت حبراً على ورق، فقد أصدر نحو 64 عضواً من الهيئة العامة للمجلس الوطني السوري بيانا في 4 تموز/يوليو يدينون فيه هذا الاجتماع ويرفضون ما صدر عنه، مثلما اصدر ‘شباب’ هيئة التنسيق للتغيير الديمقراطي في 7 تموز/يوليو بياناً أعلنوا فيه أن ما صدر عن هذا الاجتماع لا يعنيهم.
- بعيداً عن تنازع أو توافق القوى الامبريالية وهراء المعارضة التقليدية المذكورة، ثمة حقيقة اساسية من الضروري التشديد عليها وهي أن الجماهير الثورية، بالرغم من تعرضها لوحشية دكتاتورية تمارس سياسة الأرض المحروقة وتشن حرباً شاملة ضدها، ارتقت ثقتها بنفسها الى اعلى المستويات وبقدرتها الذاتية على اسقاط النظام المجرم، فدمشق تشهد منذ 7 تموز/يوليو اضرابها العام الثاني في فترة شهر، ورقعة الثورة لا تنأى تمتد اتساعا جغرافيا واجتماعياً.
- ولعل الشعار التالي الذي رفع في المظاهرات يعبر عن هذه الحالة من الوعي والثقة: ‘إلى العالم كله، لسنا معارضة، نحن شعب يريد الحرية والكرامة’.
- الثورة الشعبية السورية تتقدم الى الامام على طريق الانتصار.
غياث نعيسة
13 – 7 – 2012
