
تُخصص الأمم المتحدة، على روزنامتها الخاصة بالأيام العالمية، مناسبات عدة مرتبطة بالبيئة وقضاياها، لا سيما المناخ. يأتي ذلك بالتزامن مع عقد مؤتمرات وقمم عالمية وإقليمية ومحلية تتمحور حول تغيُّر المناخ، في حين تمتلئ روزنامة الشركات الاحتكارية الكبرى بحرق الغابات وتلويث الهواء والماء والتراب واستعباد ملايين الحيوانات في ظروف غير ملائمة بإشراف الأمم المتحدة نفسها.
من بين تلك المناسبات، يأتي اليوم العالمي لأمنا الأرض، هذه “الأمّ” التي تمعن الرأسمالية في إلحاق الضرر بها على مختلف الصعد وفي انتهاك مواردها وخيراتها، وتسلب بنحو ممنهج الحياة التي منحتها لنا كما منحتها للكائنات الأخرى التي تعيش على برها وفي بحرها وجوها بغطاء من أصحاب المناسبات البيئية.
لكن ثمة من يعي جيدًا ما تعاني منه الأرض وما ترتكبه الرأسمالية في حقّها والندوب التي نخلّفها في “جسدها”، فيعمد ناشطون من كل بقاعها إلى الدفاع عنها بطرق مختلفة قد تكون سلمية، وأحيانًا “عنفية”. تتصف هذه الطرق بتشتتها وضعف فاعليتها لعدم ارتكازها على عمل حزبي منظم ومركزي بخطة واضحة وأهداف واضحة تكسبها الزخم الجماهيري المطلوب.
في يوم أمنا الأرض الذي يحل في 22 أبريل/ نيسان من كل عام، نشير إلى أن أمنا تلك تبعث إلينا “دعوة عاجلة” إلى التحرّك والعمل المنظم لتحطيم النظام الرأسمالي. الطبيعة تعاني، والبلاستيك يملأ المحيطات التي يزيد معدل حمضيتها، فيما ترتفع درجات الحرارة ارتفاعًا مفرطًا، إلى جانب حرائق الغابات والفيضانات التي تكثر، يُضاف إلى ذلك كله التلوث الحاصل عن المعامل والمصانع المخالفة للشروط البيئية. هذا وما زلنا في مرحلة التعافي من أزمة كورونا الوبائية التي ترتبط بصحة نظامنا البيئي.
يفيد المعنيون بإمكانية أن يؤدي تغير المناخ إلى تسريع وتيرة تدمير كوكب الأرض، كذلك تفعل التغييرات التي تتسبب فيها الرأسمالية للطبيعة، والجرائم التي تعطّل التنوّع الحيوي من قبيل إزالة الغابات وتغيّر استخدام الأراضي والزراعة المكثّفة والإنتاج الحيواني أو التجارة المتزايدة والمُجرّمة بالأحياء البرية.
بحسب بيانات أخيرة، فإنّ العالم يفقد 4.7 ملايين هكتار (أكبر من مساحة الدنمارك) من الغابات سنويًا، في حين يُقدَّر عدد الأنواع الحيوانية والنباتية المهدّدة بالانقراض حاليًا بمليون نوع. كذلك يحمينا النظام الإيكولوجي السليم من الأمراض، لا سيّما الوبائية منها من قبيل كوفيد-19، إذ يمنع التنوّع الحيوي مسبّبات الأمراض من الانتشار السريع.
يحتفل العالم باليوم العالمي لأمنا الأرض، للعام الثاني على التوالي، من ضمن عقد الأمم المتحدة لاستعادة النظام الإيكولوجي، علمًا أن الجمعية العامة للمنظمة كانت قد أقرت عام 2009 يوم 22 أبريل من كلّ عام مناسبة عالمية للاحتفاء بأمنا الأرض، وقد انضمت بذلك إلى مجموعات مدنية كانت قد احتفلت بيوم الأرض في وقت سابق في محاولة منهم لتمييع المناسبة وتسليعها.
تؤكد المنظمة الأممية أن النظم البيئية تدعم كل أشكال الحياة على الأرض، وكلما كانت نظمنا البيئية أكثر صحة كان الكوكب ومن عليه أكثر صحة. تضيف أن استعادة أنظمتنا البيئية المتضررة ستسهم في القضاء على الفقر ومكافحة تغير المناخ ومنع الانقراض الجماعي، ولكنها تتناسى أن ذلك لن ينجح “إلا إذا دمرنا النظام الرأسمالي”.
في إطار الدعوة إلى “التحرّك الآن”، يُحكى عن خيارات توصَف بأنّها هزيلة وغير فعالة من أجل تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري أو غازات الدفيئة والتكيف مع تغير المناخ الذي تسببه الرأسمالية بسبب بنيتها التنافسية.
بحسب التسلسل الزمني ذي الصلة المدوَّن، تعود بداية انتباه الدول الرأسمالية لقضية أمنا الأرض إلى عام 1970، حين قامت احتجاجات في الولايات المتحدة الأميركية ضد تلوث الهواء، بسبب كميات الغاز المحتوي على رصاص والمنبعث من السيارات الضخمة وغير الفعالة والصناعات غير المسؤولة، إذ لم تكن حماية البيئة من أولويات جدول الأعمال السياسية.
بعد ذلك بعامَين، مثّل مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية لعام 1972 في العاصمة السويدية استكهولم بداية تحرك أممي هزيل ومتأخر لإذكاء الوعي العالمي بالترابط ما بين البشر والأنواع الحية الأخرى وكوكبنا، إضافةً إلى إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة في كينيا عقب مؤتمر استكهولم، وذلك قبل إطلاق يوم البيئة العالمي في الخامس من يونيو/حزيران من عام 1973.
لكن الوعي بالبيئة وانتشار الحركة ذات الصلة عالميًا راح ينتشر خصوصًا في تسعينيات القرن الماضي، عبر حركات احتجاجية ضخمة مناصرة للبيئة، ولكن بقيت هذه الحركات مشتتة وذات طابع شعبوي وقلما كانت تحركات راديكالية فعالة بالتأثير في الشركات الكبرى في خفض الانبعاثات.
دينا حداد _ الخط الأمامي
المصدر: وكالات