
افتتاحية العدد 52 من الخط الأمامي ٱب 2021
رغم المناوشات التي تجري على الأرض السورية، وكثرة أعداد القوى الفاعلة والدول المتدخلة فيها، لكن يبدو أن الوضع السوري مقبل على فترة من الجمود النسبي على ما هو عليه الآن. قد لا تطول هذه الفترة طويلا ولكنها تبقى رهن بتوافقات، لم تنضج بعد تماما، بين الدول الكبرى (روسيا وامريكا)، والدول الإقليمية (إيران وتركيا وايضا اسرائيل)، تسمح لهذه الدول من خلالها باستيلاد حل يتوافق مع مصالحها هي وليست مصالح الشعب السوري . بينما نرى ان هيئة التفاوض واللجنة الدستورية، وبقية المنصات التابعة لهذه الدولة أو تلك، لا قيمة فعلية لها وهي ليست سوى أوراق بيد هذه الدول تملي عليها ما تشاء وفق تفاهماتها، ولا تعني بشيء يخص مستقبل الشعب السوري وحرية إرادته، مهما علا صراخ بعض أعضائها لقول عكس ذلك.
ما يشير إلى ذلك، هو المسرحية التي قدمها النظام بانتخاباته الرئاسية وخطاب رأس نظام الطغمة الشهر الفائت محتفلا بولاية رابعة له. خطاب اتسم بازدرائه الفاقع للسوريين كلهم، بمعارضيهم ومواليهم. كما عبر الطاغية عن احتفائه بالوضع الراهن وبقاء سيطرته على جزء من سوريا، ما يعمق من الانقسام الراهن لسوريا وشعبها جغرافيا ومجتمعيا وسياسيا. لكن يبقى لعموم السوريين ما يجمعهم غير الفقر والجوع والذل والتشريد ، هو الرغبة التي لم تمت بعد بإعادة توحيد البلاد وانتزاع مستقبل افضل يعيشون فيه بحرية واستقلال وكرامة وعدل اجتماعي.
والحال، اتت تصريحات ملك الاردن، الذي تنبأ ببقاء الأسد ونظامه، وايضا تصريحات الادارة الامريكية، بتكرارها القول أنها لم ولن تسعى لتغيير النظام السوري بل تغيير سياساته، وما تبعه من ” عقوبات” اقتصرت، هذه المرة، على فروع أمنية معروفة بأنها مسالخ للمعتقلين، وتشمل ايضا، هذه العقوبات للمرة الأولى، بعض زعماء ميليشيات المرتزقة التابعين لتركيا، ومؤشرات اخرى، اتت بعد لقاء بايدن وبوتين، تشير إلى أن هاتين الدولتين يطبخان معا تفاهماتهما حول سوريا، ببطء ولم يتوصلا بعد إلى تفاهم شامل، ما يعطي فسحة لاستمرار الوضع الراهن لوهلة، يصعب تقديرها، قد تتجاوز العام، تبقى رهنا بوتيرة تفاهماتهما من عدمه.
هذه الفترة من الجمود تحمل في طياتها مخاطر عدة، منها مزيد من تعفن الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في البلاد، ومزيد من المعاناة لغالبية السوريين، وهو ما شهدناه من معارك جزئية ومحلية يدفع ثمنها المدنيين في السويداء ودرعا وإدلب ومناطق الادارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وتقديرنا أن هذه الأخيرة هي المرشحة لتكون أكثرها تعرضا للضغوط والهجمات المتعددة الاطراف.
في المقابل، فإن هذا الجمود النسبي في الوضع السوري، قد يوفر فرصا للقوى اليسارية والديمقراطية الجذرية، لتلتقط انفاسها وتعيد تقييم سياساتها السابقة، وتعيد ترتيب قواها وتنظم نفسها بالتحام مباشر مع الجماهير السورية في كل مناطق تواجدها، وتنظيمها بشكل يستفيد من دروس السنوات الماضية، ما يسمح ببناء جبهة متحدة، وتحولها إلى بديل شعبي وازن وقادر، لا يمكن لاحد،أيا كان، إغفاله، ويعيد للسوريين حقهم في تقرير مصيرهم بحرية ومتخلصين من كل استبداد واستغلال وتقسيم واحتلال.
هذا ما يتطلب رفع النشاط والطاقات ، بكل حزم وصلابة، لتشكيل هذه الجبهة المتحدة الشعبية. قبل أن يفوت الأوان مرة اخرى، ولمواجهة الكارثة المستمرة الجاثمة على بلادنا وعلى جماهير الشعب السوري. وهذا يتطلب منها أن تربط ساحات النضال الشعبي السوري الثلاث فيما بينها، إضافة إلى المهجر. ويعيد للسوريين املهم بمستقبل افضل بمتناول ايديهم وقبضاتهم.
والمستقبل يدوم طويلا!