
▪ لَمْ تَتم هَزيمةُ الثورة الشعبية إلا بمساهمة من الهياكل السياسية, التي تدعي تمثيلها للثورة والشعب التي شكلتها وفرضتها دول كبرى وإقليمية، مثل المجلس الوطني وبعده الإئتلاف وغيرهما.
وتجلَّت هزيمةُ الثورة، علاوةً على بحرٍ من الموت والدماء والتشريد والخراب، بتمزُّق القوى اليسارية والديمقراطية الجذرية، وضعفِها و شبهِ انعدامِ وزنِها في الأحداث.
ما سمحَ للدّول الكُبرى؛ روسيا وأمريكا. والإقليمية؛ إيران وتركيا، أن تستحوذ بقبضتها على بلادنا وحق شعبنا في تقريرِ مصيرهِ بحريَة. هذا الوضع أخذته بعض الأطراف المعارضة “الديمقراطية” ذريعة لتنخرط في سياق اللجان المعنية بسوريا التي شكلتها مثل هيئة التفاوض واللجنة الدستورية، واللتين لا دور للسوريين فيها سوى دور الكومبارس الذي تحددهُ الدول المتدخلة في سوريا: روسيا وأمريكا وإيران وتركيا.
▪ هذا الوضع جعل من أي مشروع لتوحيد جهود المعارضة الديمقراطية – وهو أمر ضروري ومُلحّ لتحقيق مطالب السوريين – معقدا وصعبا للغاية. ولذا نشهد تزايد الدعوات لعقد العديد من المؤتمرات “الوطنية” والديمقراطية التي تدّعي أنّها ستعبّر عن إرادة السوريين. لكن نظرة مدققة تسمح لنا بالقول إن هذه الدعوات للمؤتمرات انما تنبع من حسابات سياسية مختلفة للداعين لها. ومن وجهة نظرنا انه تنقسم مقاربات وممارسات القوى الديمقراطية السورية لتوحيد قواها إلى ثلاث دوافع وسياسات.
▪ الاولى، هنالك أطراف منها تعتبر أن مصير سوريا وشعبها أصبح تماما خارج إرادة السوريين ويقبع في يد الدول المتدخلة المذكورة، وبالتالي لا خيار سوى في الانخراط في ما تقرره هذه الدول: هيئة تفاوض، لجنة دستورية ، القرار ٢٢٥٤. وهي بالتالي غير معنية ، في دعواتها لعقد مؤتمرات جامعة، حقا بتوحيد المعارضة الديمقراطية، لأن رهانها هو على الدول الممسكة بالملف السوري.
▪ الثانية، هي قوى، اغلبها، غير مشاركة في الهياكل الرسمية المذكورة اعلاه، ولكنها تشارك الفئة الأولى قناعتها السياسية، بان “الحل” هو بيد الدول المتدخلة في سوريا، ولا شيء آخر. وبالتالي تكون دعواتها لمؤتمرات “جامعة”، مهما كانت النوايا، ليست إلا محاولة لتثقيلِ أوزانها، ومن ثم عرض نفسها على هذه الدول المتدخلة لتضمّها إلى هيئة التفاوض أو اللجنة الدستورية.
▪ الثالثة، هي المجموعات والقوى الديمقراطية، التي ترى انه لا يمكن، وبالأحرى لا يجب، الرهان على الدول الكبرى والاقليمية المتدخلة في سوريا، لأن مصالحها هي التي تعنيها وليس مصالح الشعب السوري، وهذا ما اثبتته على أرض الواقع منذ سنوات، وأن الحل بالنسبة لهذه الدول، سيكون ناتج توافقاتها على ما يحفظ مصالحها في سوريا، وليس ما يحتاجه السوريون لمستقبل أفضل. وترى هذه المجموعات أن توحيد القوى الديمقراطية يلبي حاجة السوريين إلى صوتهم المستقلّ والمعبر عن إرادتهم الحرة. وليس نزولا لمطالب وحاجات هذه الدولة أو تلك. أو شغفًا لتقديم أوراق اعتماد لديها.
▪ بالتأكيد أن الفئة الثالثة من المجموعات والقوى الديمقراطية هي التي تحظى بدعمنا ونشاطنا وعلى أسس عملية ومهام مباشرة ، لأن الشعب السوري بحاجة إلى صوت وجسد سياسي تحالفي يعبر عن مصالحه ويَجد نفسهُ فيه، ويعطيه أملا بالمستقبل، ورغبة بالنضال مجددا من أجله. مستقبل يتطلب النضال المشترك بمشاركة الجماهير الشعبية ويقوم على إطلاقِ المعتقلين وكشفِ مصير المغيبين، وعودةِ اللاجئين والنازحين إلى ديارهم وإعادة توحيد البلاد وإخراج المحتلين، وبناء نظام سياسي ديمقراطي يحل القضايا القومية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
إنها ضرورة العودة للشعب، بكل المعاني السياسية والعملية والتنظيمية، فالجماهير الشعبية هي ذاتُ التغيير وموضوعه.
تيار اليسار الثوري في سوريا
افتتاحية العدد 51 من جريدة الخط الأمامي لقراءة العدد كاملا على الرابط