
أعلنت “جمهورية ناغورني كاراباخ” المعلنة من جانب واحد الخميس الماضي أنها ستزول من الوجود مطلع عام 2024، وذلك بعد الهزيمة العسكرية من أذربيجان، إذ اضطر أكثر من نصف سكانها إلى الفرار نحو أرمينيا.
وبذلك ستنتهي ثلاثة عقود من الحكم الذاتي المدعوم من أرمينيا لناغورني كاراباخ، وهي جيب ذو غالبية أرمنية يقع ضمن حدود أذربيجان المعترف بها دوليا، جاء ذلك عبر مرسوم أصدره زعيم الإقليم «سامفيل شهرمانيان»، وجاء فيه “على السكان أن يتعرفوا على شروط إعادة الاندماج” التي طرحتها أذربيجان واتّخاذ “قرار فردي ومستقل” بشأن إن كانوا سيبقون.
وتم التوصل إلى اتفاق قيل أنه سيضمن “مرورا حرا وطوعيا ومن دون عراقيل” لجميع الراغبين بالمغادرة.
الناطقة باسم الحكومة الأرمينية «ناظلي باغداساريان» قالت في بيان، إنه بحلول صباح الخميس، “عبر 65036 شخصا نزحوا قسرا، الحدود إلى أرمينيا من ناغورني كاراباخ”.
ويقدّر بأن نحو 120 ألف أرمني كانوا يقطنون الإقليم قبل هجوم باكو.
بينما تشهد الصراعات الإمبريالية في المنطقة القوقازية تصاعدًا مستمرًا، يتعرض سكان إقليم كاراباخ الشمالي لمأساة إنسانية جراء تصاعد التوترات وتدهور الوضع الإنساني. حيث يعاني السكان من محاولات تطهير عرقي تنفذها قوات الحكومة الأذربيجانية بدعم من تركيا وروسيا وإسرائيل، بعد حرب استنزاف استمرت تسعة أشهر أدت إلى حصار منطقة لاتشين وعزلها عن العالم الخارجي.
وبالرغم من الاستنكارات الشفهية من قبل الاتحاد الأوروبي لتصاعد الأوضاع في المنطقة، إلا أن التعاون الاقتصادي مع أذربيجان مستمر، خاصة في مجال الطاقة، حيث تعتمد أوروبا على الغاز الطبيعي الأذربيجاني كمصدر بديل للغاز الروسي. ومن الجدير بالذكر أن أذربيجان نفسها تستورد الغاز الروسي لتلبية احتياجات الأوروبيين.
تظهر التناقضات بين القوى الإمبريالية المنافسة في هذه المنطقة، حيث قامت روسيا بخفض وجودها العسكري وامتناعها عن التدخل في صراع أرمينيا وأذربيجان لحفظ علاقاتها مع تركيا وأذربيجان. في الوقت نفسه، يستفيد الإحتلال الإسرائيلي وتركيا من تبادل الأسلحة مع أذربيجان، مما يعرض المدنيين الأرمن للخطر ويخدم مصالحهما الاقتصادية والعسكرية.
ترى تركيا في أذربيجان شريكًا استراتيجيًا، بناءً على العلاقات الثقافية والإثنية بين البلدين، وأيضًا بسبب مشروع توسيع خط أنابيب الغاز في جنوب القوقاز، الذي يمر عبر أذربيجان ويهدف إلى نقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا.
من ناحية أخرى، الحكومة الأرمينية برئاسة باشينيان تأرجحت ما بين إمبريالية الشرق والغرب وعملت على استمالة دعم الولايات المتحدة عن طريق مهاجمة روسيا وتبديل موقفه من الغزو الروسي لأوكرانيا،لكن دون أن يدرك أن التحالف الصهيوني التركي الآذري هو اللاعب الرئيسي وأن سياسات أمريكا حاضرة من خلال الذراع الصهيونية، حيث فشلت محاولاتها في استغلال الصراعات الإقليمية لجذب الدعم الأمريكي.
إذاً، يبدو أن سكان إقليم كاراباخ يتعرضون للأضرار جراء المصالح الجيوسياسية للقوى الإمبريالية، وقد يؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى تطهير عرقي رغم وجود اتفاقيات لوقف إطلاق النار تظل مجرد هدنة مؤقتة على أفضل الأحوال، ١٢٠ ألف أرمني مهددون اليوم بأن يصبحوا ضحايا إبادة جماعية جديدة وكما كان حالهم تاريخياً وحال الكرد والفلسطينين شعوب تضطهد وتباد وفق مصالح البورصة العالمية وأدواتها.
وبذلك، نرى مزيداً من الشعوب تقع ضحايا للتراكم الرأسمالي الهمجي وحاجته الدائمة للتوسع اللامتناهي وما ينتج عنه من حروب ونزاعات حول العالم، يذهب ضحيتها مدنيون يصبحون مجرد أرقام في سجل الضحايا.
الخط الأمامي