
صورة من المظاهرات الجارية في السويداء
إفتتاحية العدد 72 من جريدة الخط الأمامي لسان حال تيار اليسار الثوري في سوريا
تغيرات الوضع السوري
شهدت الأسابيعُ الماضية تحوّلاتٍ مُهمّة في الوضعِ العام، وهو وضعٌ وإنْ كانَ يتّسمُ منذ أعوامٍ بتحوّلات دائمة ولكن تبقى جزئيّة. إنّ أهمّ ما جرى بالتأكيد هو أوّلاً الحراك المدني الناهض، والّذي حافظ على اِستمراريّة ونشاطٍ ملحوظٍ في السويداء، والحدث الثاني المُهم بمدلولاته هو أحداث دير الزور.
تدهورت عاماً بعد عامٍ ظروف حياة غالبية السوريّين، وكلّ شهرٍ كان يأتي بمزيدٍ من التدهور لحدٍّ أصبح لا يُطاق للنسبة العُظمى. لم تَعُدْ تُجدي اِدعاءات نظام الطغمة بأنّ صعوبة حياتهم تُسبّبها العقوبات الأمريكيّة والغربيّة وحدها، أو بحجة مواقف النظام ” المُمانع”. فقد اِهترأت هذه الادعاءات الفارغة، ولم تعُدْ تُقنع حتى ذلك من بقي من المُواليين المُغيّبين، الذين يتغيّر اِصطفافهم يوماً تلو الآخر من أيام القهر.
فالناس ترى وتُشاهدُ، أنّها في حين تُعاني يومياً الأمرّين لتوفير أدنى مُقوّمات الحياة، تزداد في المقابل أعداد السيارات الأكثر حداثة وفخامة في شوارع مُدنهم. فأين منها العقوبات؟ وتُشاهد ترفاً فاجراً لأمراء الحرب وطبقة النّظام وحاشيته تتباهى بثرواتها وغِناها، والناس تتضوّر جوعاً وقهراً.
ما كان يُمكن أن يستمرّ صمت الناس طويلاً على نظام يُمعِن في تجويعِ الناس وقهرها لصالح طغمة ضيّقة تدفعُ باستهتارٍ وقحٍ بأبنائهم إلى مَقتلة مستمرّة في خدمة نظام متمسّك بمقالِيدِ الحُكم إلى آخر قطرة من دماء الجماهير الشعبيّة.
شهد شهر آب /أغسطس الفائت نقلة إضافيّة في سياسة نهب النظام للشعب أدّت الى تزايد نقمة الجماهير على النظام إلى حدِّ الاِنفجار. حيث قام نظام الطغمة برفع أسعارِ المحروقات إلى 200 بالمئة في منتصف الشهر المذكور، وما رافقه من اِرتفاعٍ فلكيٍّ في الأسعار وتدهور مريعٍ لسعرِ صرفِ الليرةِ فتحوّلت المعاشات والأجور إلى فُتات لا تكفي أياماً معدودةً.
فاندلعت أشكال مُتعدّدة للاحتجاج في عموم مناطق سيطرة النظام: إن كان بالدعوة إلى الإضراب والعِصيان المدني، وهو ما نجح جزئيّاً في بعض المناطق، أو بالقِصاصات والجداريّات والمُظاهرات، واستمرت بشكلها الأوسع ومستمرّة إلى يومنا هذا في السويداء. هذا التفاوت، المتوقّع، في أشكال الاحتجاجات هو نتيجة طبيعيّة لتفاوت عُنف النظام تجاه الاحتجاجات. فمثلاً كان ردّ النظام على مجرّد توزيع قصاصات ورقيّة في بلدات الساحل السوري عنيفة جداً، من تشديد أمنيّ ترهيبيّ واسعٍ واعتقال عددٍ من الأشخاص بعضهم اقتصر احتجاجه على التعبير عن غضبه فقط على وسائل التواصل الاجتماعي.
في حين أنّه في درعا، اِستخدم النظام العُنف العاري، باِستثناء بعض البلدات التي لا يُسيطر عليها تماماً والتي يحميها سلاحُ أهلها. أمّا في السويداء، فقد تعامل النظام مع اِحتجاج سكانها، المدني والسلمي والوطني، بدهاء وخبثٍ، بأنْ أخلى مقرّات نظامه، وتركها للناس، وحاصرها من الخارج، وللنّظام بالتأكيد مرتزقته الموزّعة في أوساط مُتعدّدة.
ما سعى إليه النظام، ولحساباته الطائفيّة والإقليميّة، هو عزل حراك السويداء عن بقيّة المناطق السوريّة، وهو ما يُشكّل هاجس النظام الرئيس. لأنّ ارتباط حراك السويداء بالحراك الشعبي، وإنْ كان ما يزال خجولاً وله أشكالٌ أخرى حتى الآن غير المظاهرات والاِعتصامات، فإنّ هذا التّوحيد، والتّشبيك، للِحراك الشعبي هو الخطر الحقيقي الذي يستشعره ويخشاهُ نظامُ الطغمة، وليست النضالات الجزئيّة والمعزولة.
في خِضمِ ومبادرةِ هذا الحراك الشعبي الجديد تشكّلت أدوات كفاحيّة جديدة من الشّابات والشباب الأكثر وعياً وتنظيماً، وبالأخصّ حركتي 10 آب ولجان ” قاوم-ي” وغيرهما، والجدير بالمُلاحظة، أنّ الأدوات الحراكيّة الجديدة أظهرت وعياً سياسيّاً واِمتلاكاً لخبرات نضاليّة تفوّقت فيهما على هياكل سياسيّة تَعتبرُ نفسها عريقة ومتمرّسة بالعمل السياسي.
والحال، فإنّ استمرار الحراك الشعبي الديمقراطي والوطني في السويداء قد يُبقِي على شُعلة الأمل بالتحرّر حيّة. ولكنّ تأثيره مع الوقت سيكون محدوداً إن بَقيَ معزولاً. لذلك فإنّنا نعمل ونُوصي بتوسعته وربطه بالحراك العام عبر الحركات الجديدة ما سيسمح له بالانتقال إلى صعيدٍ سياسيٍّ وشعبيٍّ أعلى، ويجعل من قضيّة التّغيير الديمقراطي والاجتماعي واقعاً ملموساً وقابلاً للتّحقيق. كما أنّه مطلوب أيضاً أن يُشكّل الحراك في السويداء قيادته من الأسفل لإدارة وتنظيم الحراك والتعبير المُنظّم عنه بعلاقة وثيقة مع “حركات” الحراك في بقيّة المناطق.
وعلى هذا المسار يُقدّم حزبنا المُنخرط في نضال الحراك الشعبي كلّ الدّعم المُمكن لاِرتقاء الحراك الشعبي العام إلى أعلى مستويات تحدِّي مُضطهدي الشعب السوري من أجل أن يُقرّر مصيره بيده ويحقّق تحرّره الشامل.
من الناحية الأخرى، كانت اِشتباكات -بعض العشائر مع قوات سوريا الديمقراطيّة في دير الزور الشهر الماضي حدثاً مهمّاً- أثار زوبعة من التهييج والتطرّف القومي لدى أوساط معارضة عربيّة ومُفترض أنّها “ديمقراطيّة”، رافقه خطاب كراهيّة وإثارة لصراعٍ عربيّ-كرديّ، وقف حزبنا بحزم ضدّ حملات التهييج الشوفيني أيّاً كان مصدرها.
مما لا شكّ فيه، أنّ جماهير دير الزور منذ عقود، وبالأخص في السنوات التي تلت تحريرها من داعش، عانت من التهميش ومن نقصٍ في الخدمات العامة، وتفشي الفساد، وقهرٍ، وقمعٍ مارسته قيادة المجلس العسكري في دير الزور بقيادة أمير الحرب “أبو خولة”، وهنا خطأ فادح لقسد يجب أن يدفعها لبلورة آليات ديمقراطية، تحملُ مشروعاً سياسياً واضحاً لتشكيلِ المجالس العسكريّة والسياسيّة والأهليّة.
فالتمرّد العسكري لمجموعةٍ تابعة “لأبو خولة” الذي اعتقلتهُ قوات قسد مع بعض مساعديه لكثرة الشكاوي عن ممارساتهم القذرة بحقّ الناس؛ قد أجّج حالةَ انقسامٍ عموديّ واستقطابٍ حادّ، لن يخدم سوى مصالح قوى الاستعمار.
وفي الوقت ذاته، إنّ دخول شيخٍ من مشايخ العكيدات على خارطة النزاع، وبدعمٍ من قوات الدفاع الوطني التابعة لنظام الطغمة؛ يبرزُ توافقاً جديداً على إضعاف مشروع الإدارة الذاتية وتقليصِ مناطق نفوذها وسيطرتها بتحريضٍ من النظام وإيران وتركيا، وكلّ طرفٍ لمصالحه.
المثير للاهتمام، موقف القوات الأمريكية المتفرّج من الأحداث، ما يؤكد قناعتنا بأنّ الولايات المتحدة لا ترى بأنَ مشروع الإدارة الذاتية كمشروع تحرريّ متميز يناسب مصالحها في سوريا والمنطقة، وأنّ تحالفها مع الإدارة الذاتية كانت مرغمة عليه لعدم وجود بديل، وأنّها ترغب بتغيير الطبيعة الاجتماعية والسياسية للإدارة الذاتية عبر إضعافها المتزايد، للتقارب مع طبيعة قيادة إقليم كردستان العراق: سلطة برجوازية فاسدة وتابعة للدولة الأمريكية تبعية كاملة.
ولهذا، فإنّ الموقف والنزاع يحتاجُ عقلانيةً شديدةً في إدارتهِ من كل الأطراف المتنازعة، وفهماً لتعقيداته ولما فيه من مصلحة لسوريا كمشروعٍ سياسيّ ديمقراطيّ، يمكن الاتكاء عليه في المرحلة القادمة.
ومحاولة قطع يدِ التدخل الدولية والإقليمية التحريضية في المنطقة، فما يتفق عليه السوريون في كلّ عقودهم الاجتماعية سيادة سوريا والمواطنة المتساوية بين السوريين والسوريات، ولذلك نؤكد أنّ شرعيّة السلطات وديمقراطيتها ترتبط بمدى تمثيلها وإشراكها الشعبي.
ونؤكد أنّ ذات وموضوع أيّ مشروعٍ تحرريّ؛ هو الجماهير الشعبية المُنظَّمة والواعية وحدها، لا غير.
أيلول/سبتمبر 2023
افتتاحية العدد رائعة وتتصف بالتحليل السياسي الثوري الدقيق تحية رفاق✊
kifahsalloumrevoleft@gmail.com